رواية سلانديرا الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم اسماعيل موسي
#سلانديرا
٣٧
---
في صباح ربيعي هادئ، كانت ليارا تقف قرب نافذة المطبخ، تحدّق بدهشة في فراشة بلون رمادٍ غريب تدور حول الزجاج.
نادت بصوتها الطفولي:
"بابا! في فراشة مش بتطير صح! بتبص عليه كتير!"
اقترب خاطر ببطء، وبمجرد أن وقعت عيناه على الفراشة، انقبض قلبه.
كانت جناحاها غير متناظرين تمامًا، وكأنها نُسِجت بسرعة، أو بالأحرى… استُدعيت.
انحنى وهمس لزافيرا:
"بدأت."
همست دون أن تنظر إليه:
"بعث أول خادم... شيفان عرف."
لم ترد أن تروّع ليارا. ابتسمت لها وربتت على شعرها:
"اذهبي حضّري حقيبتك، سنذهب في نزهة طويلة."
---
في أقل من ساعة، كانوا في السيارة. لا وجهة محددة، فقط الهروب. تركوا وراءهم المنزل، الحدائق، والجار العجوز الذي كان يلوّح دومًا في الصباح.
على الطريق السريع، كانت الشمس مشرقة. لا شيء يوحي بالخطر، سوى ذلك الإحساس الثقيل في صدر خاطر، وتلك الزجاجة الصغيرة المعلّقة حول رقبته… وقد بدأت تبرد فجأة.
أوقفتهم سيارة شرطة للمرة الأولى، ثم نحلة ظهرت داخل العربة رغم أن النوافذ كانت مغلقة. ثم طائر غريب، وقف لساعات على سقف النزل الذي ناموا فيه.
في كل مرة، كانت زافيرا تعرف:
"ليسوا حشرات. هؤلاء عيون شيفان."
---
قال خاطر في إحدى المحطات بصوت خافت:
"اعتقد مفيش مكان نروحله… إلا إذا استخدمنا الممر تاني."
لكن زافيرا هزّت رأسها:
"الممر أُغلق بعد العبور… لن يُفتح إلا بثمن."
نظر إلى ليارا وهي نائمة في المقعد الخلفي، بريئة، مطمئنة، لا تدري أن عالمًا كاملًا يبحث عن والدتها.
قالت زافيرا:
"سنواصل الهرب، يومًا بعد يوم. وحتى يمل شيفان… أو يجدنا.
كانت الساعة تقترب من الثانية بعد منتصف الليل.
ليارا نائمة، محاطة بعرائسها، وزافيرا تغلق النوافذ بحذر، بينما خاطر يقلب الزجاجة الصغيرة في يده، يراقب ضوءها الخافت، كأنه ينتظر منها أن تهمس إليه بما يجب أن يفعله.
ثم… جاء الصوت.
طرقة خفيفة، ليست على الباب، بل على الزجاج الخلفي للمطبخ.
تلتها همسات… لا تُشبه شيئًا من عالم البشر.
صوت أجنحة، أو ربما مخالب تُخدش جدارًا ناعمًا.
ركضت زافيرا نحو الغرفة، أمسكت ليارا ورفعتها بسرعة بين ذراعيها، فيما وقف خاطر قبالة الباب الأمامي، وقلبه يخفق كما لم يفعل منذ عبورهم إلى هذا العالم.
ثم… اقتحموا المكان.
ثلاثة من جنود الجان، أعينهم مغطاة بقشور كالحديد، وجلودهم شفافة تُظهر شبكات من الضوء المتقاطع تحتها.
أولهم دخل صامتًا، لكن خاطر لم يمنحه فرصة.
منذ دخوله أرض البشر، تعلم كيف يصنع فأسًا من الخشب لا تكسره مخالب السحر.
ضربه ضربةً واحدة، وسقط الجني متفككًا كأنه دمية زجاج.
لكن الآخرين لم يتوقفوا.
أطلقت زافيرا تعويذة قديمة، نادرة، جعلت الجدران تضيق عليهم فجأة كأنها حية.
لكنها عرفت… لا شيء سيوقفهم طويلًا.
ركضوا نحو السيارة، وليارا لا تزال نصف نائمة، تحتضن عنق أمها بخوف.
في الطريق، همس خاطر:
"زافيرا… الممر."
نظرت إليه، وكانت تعرف أنه لا يوجد بديل.
"الممر… لكن هذه المرة قد لا يسمح لنا بالعودة أبدًا."
"مش مهم… المهم نعيش."
---
قادوا لساعات. كل طريق كان يحمل رائحة مطاردة، وكل محطة باردة وكل ظلٍّ على الأسفلت كان يُشبه شبحًا من عالمهم القديم.
وأخيرًا، حين بدأت الزجاجة في عنق خاطر تضيء بوضوح، عرف أنه اقترب.
وصلوا إلى أطراف البلدة المهجورة التي ظهروا فيها قبل سبع سنوات.
كل شيء فيها بدا كما هو… وكأنه كان ينتظرهم.
ثم، خلف الحقل، في نفس النقطة التي خرجوا منها أول مرة، انشقت الأرض قليلاً، كأنها تناديهم.
وقفت زافيرا وهي تحتضن ليارا، وخاطر بجانبها، لا يحمل شيئًا سوى فأسه القديم.
قالت زافيرا بهدوء: "لو دخلنا الآن… لن نكون لا بشرًا ولا جانًا. سنكون شيئًا ثالثًا. شيء لا عودة منه."
رد خاطر: "المهم نكون سوا. دايمًا."
ثم عبروا.
إلى الممر.
إلى العتمة.
إلى المصير الذي لم يكتب بعد.