رواية حكاية هند الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحيق عمار

رواية حكاية هند الفصل الثاني عشر 12 بقلم رحيق عمار

 

12

في البيت الصغير المهجور، الدقايق بقت تقيلة، والهدوء كان مليان وجع.


زهرة كانت نايمة أخيرًا، بعد ما عمر غطّاها كويس وقعد جنبها، إيده ماسكة إيدها الصغيرة كأنه بيطمنها إنه خلاص، الخوف خلص.


وانا كنت قاعدة قدام دفاية قديمة، بحاول افهم كل اللي حصل، ومي قاعدة جنبي، ملامحها مرهقة بس عنيها فيها حسم...قطعت الصمت فجأة وقولت:


- مي… أنا مش قادرة أستوعب… يعني أبويا كان يعرف كل ده؟


مي خدت نفس عميق، وبصت على الأرض وقالت:


"أبوكي كان أطيب بني آدم في العيلة دي. كان شايف إن اللي بيحصل غلط، وكان بيحاول يصلح... بس كانوا سبقوه بخطوة."


- مات إزاي؟!


مي رفعت عينيها بنظرة وجع:


"أزمة قلبية بس انا شاكة إنه اتقتل مش زي ما قالوا. ماكانش موت طبيعي زي ما صدقنا. هو كان بيحاول يكشف سر معين انا معرفش عنه حاجة  بس اتكشف، واللي حصل بعد كده أنه تعب جامد الفترة الأخيرة وانا شاكة إن الدوا اللي كان بياخده اتبدل، حد بدله."


- عارفة لو كلامك طلع صح، انا مش هرحمهم، قتلوا ابويا!!


والدموع بدأت تنزل من عيني..


هزّت مي راسها:







"كان عارف بوجود زهرة، بس ماكانش متأكد إنها لسه عايشة. كانوا بيقولوا إنها ماتت، بس هو كان بيشك. حاول يدور، حاول يسأل، بس كله كان بيأكدله انها ماتت وأنا…"


سكتت لحظة وبعدين كملت بصوت مكسور:


"أنا كنت عارفة... بس ماكنتش بقول. خفت أقوله… خفت يرجع يحارب تاني، ويكون مصيره زي عمي الكبير. هو الوحيد اللي فاضللي، وكان كل ما يقرب من الحقيقة كنت ببعده... بس هو عمره ما بطل يدور."


سكتنا لحظة، والنار في الدفاية كانت بتعمل أصوات هادية وسط الصمت، لكن قلبي كان مولّع.


اتكلمت هند تاني بخجل وتوتر:


"سامحيني ياهند، ياما كدبت علي أبونا وسببتلك مشاكل كتير معاه، بس صدقيني، انا كنت بحميه وبحميكي، انا مكنش ليا غيركم"


- يعني يوم ما كدبتي علي بابا قولتي له إنك كنتي بتعملي ليا أكل كنتي...


"كنت عند زهرة، كنت بدخلها أكل وبطمن عليها"


- وانا ساعتها مشيت وراكي كنت بدور عليكي عشان كده وقعت من علي الكرسي و رجلي اتفتحت لما معرفتش أطول اكرت الباب السري اللي دخلتي منه.


الدموع اتجمعت في عينيها وبدأت تعيط، وانا اخدتها في حضني وطبطبت عليها بحنيه وبقول:


- ليه شيلتي كل حاجة لوحدك! كان لازم تشيلينا معاكي ونساعدك.


حضنتني جامد وعياطها بيزيد:


"خوفت..خوفت أوي اخسركم"


- خوفك ممنعش موت ابونا يا مي ولا حتي منع وصول ظلمهم ليا.


بعد ما هدتها...قمت من مكاني بهدوء، وخرجت للصالة  لمحت بطرف عيني الأوضة اللي فيها عمر كان قاعد جنب زهرة، باصص لها، وفي عينه حنان غريب، حنان الأخ اللي اتحرم سنين من أخته.


أول ما دخلت اتعدل في قاعدته و بص لها، وابتسم ابتسامة حزينة:


"أول مرة أحس إني لاقيتها بجد… كنت فاكرها حلم، ذكرى من الطفولة، بس هي هنا، كانوا طول الوقت بيلعبوا ب عقلي."


- عمر…


بص لي، وسكتنا للحظة، قبل ما أكمل:


- انت اتجوزت وسبتني ليه؟


هزّ راسه، وقال بهدوء:


"لأ… انا متجوزتش..انا كدبت عليكي"


بصدمة قولتله:

- ليه!!


اتنهد وهو بيقوم من مكانه وبيشاور علي باب الاوضة :


"خلينا نتكلم برا في البلكونة أحسن بعيد عن زهرة"


هزتله رأسي وانا بخرج معاه وبنقف سوا في البلكونة اللي أول مادخلتها حضنت نفسي بدراعتي من لسعت البرد اللي حسيت بيها فجأة، ف لقيته قلع الجاكيت بتاعه وحطه عليا، ف حطيت ايدي علي الجاكيت وانا بشيله وبقول:


- لا شكراً، انا مش سقعانه.







رجعوا ليا تاني وقالي بحنية:


" بطلي عند، انا عارف أنك بردانه"


وبعدها بصلي بنظرة اشتياق وقالي بصوت هادي:

"وحشتيني اوي علي فكرة"


حسيت برعشة في قلبي وعيني وسعت من المفاجأة بس فوقت نفسي وقولتله بحزم:


- انا عايزة أعرف إجابة سؤالي.


اتنهد وهو بيبعد عني وبيبص قدامه علي الأرضي الواسعة اللي قدامنا وسط ضلمة الليل..


"زي ما قولتلك انا كدبت عليكي، متجوزتش، معرفتش. كنت كل مرة أقول أبدأ من جديد، ألاقي نفسي راجع أدور، أو خايف أفتح باب جديد يخليني أضعف. وبصراحة…"


سكت لحظة، وبص لي:


"أنا مكنتش قادر أنسى. أنتي كنتي دايمًا في الحتة اللي مش قادر أهرب منها، حتى وأنا بعيد."


قلبي بدأ يدق بسرعة، قربت خطوة وقولت:


- بس ليه بعدت؟ ليه فجأة اختفيت من حياتي؟


عمر اتنهد، وقال:


"عشان جدتي… قالتلي وقتها إنك واحدة منهم، إنك جزء من العيلة اللي خربت حياتنا، وإنك ممكن تكوني خطر... لعبت على خوفي، وانا صدقت."


بص في الأرض وقال:


"بس الحقيقة؟ أنا بعدت لأني خفت، خفت أحبك أكتر، وفي الآخر أخسرك زي ما خسرت الكل."


قربت منه، وقولت بصوت هادي:


- وأنا؟ هان عليك تكسر قلبي بشكل دا!!


بص لي، وكان في عينه نفس اللمعة القديمة… بس المرة دي فيها وجع وسنين من الحنين.


"أنا لسه بحبك يا هند."


الكلمات خرجت زي طلقة، قصادها سكون تام… بس جوايا ، كان في حاجه اتفجرت.


وأنا كمان بحبك أوي ياعمر.

كان نفسي اقولها لي...بس انا مش قادرة اسامحة علي عدم تمسُكه بيا..وعدم ثقته فيه إني مش زيهم، لأنه عارفني كويس..قضينا مع بعض الأربع سنين في كلية علوم...كان هو كل حاجة وأقرب حد لي، الصديق والحبيب والأهل...حطيت كل أملي فيه وأنه هيكون العوض عن كل حاجة وحشه شوفتها او عشتها، كل ما كنت أبقي مهمومة وتعبانة كان أول حد أجري عليه واحكيلة منغير اي تكلف.. كل حاجة كبيرة او صغيرة في يومي كان أول حد يعرفها، وبعد دا كله كان خايف مني وسبني!! 


وفي اللحظة دي، عرفت إن الطريق لسه طويل، لكن يمكن… لأول مرة، همشي وانا خايفة بجد، خايفة من الحقايق اللي بكتشفها..عن الوشوش اللي كل اللي حواليا مركبنها، البشر هما أخطر شئ علي الإطلاق، سبب فساد كل حاجة جميلة...


بصيت لعمر وقولت له...


...يتبع...

#رحيق_عمار


               الفصل الثالث عشر من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×