رواية حكاية هند الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحيق عمار


 رواية حكاية هند الفصل الرابع عشر 14 بقلم رحيق عمار


14

– استنوا… الباب ده!

قلت وأنا بشاور عليه.


عمر قرب بسرعة وركع جنبه، حاول يفتحه بأي طريقة بس القفل كان صلب.


مي قربت ومدت له حاجة:

"جرب ده… المفتاح ده كان في شنطة بابا، يمكن ينفع."


عمر أخده، وبإيده دخل المفتاح في القفل وفتحه


سحبنا الخشب، وطلع ريحة قوية وغريبة كأنها كانت محبوسة بقالها سنين. نزلنا بحذر على سلالم حجرية بتودي لتحت الأرض. الجو كان أبرد، والهدوء تقيل، كأنك داخل جوف جبل.


وصلنا لقبو كبير، بس اللي فيه ماكنش طبيعي…


كان في لوحات على الحيطان، كلها رسومات رمزية وأسماء لأشخاص للعيلة… كأنها قائمة أو سجل. وفي النص، كان في ترابيزة حجرية، وعليها دفتر قديم، مغبر، جنب شمعة قديمة وجار عليها الزمن!


عمر ولع الشمعة بالولاعة اللي معاه وفتح الدفتر، وبدأ يقرا:


"الجيل الجديد لازم يعرف… لأن السر مش هيفضل مدفون للأبد… إحنا حراس الحقيقة، مش أسيادها، والمزرعة دي هي البداية والنهاية…"


– يعني إيه الكلام دا؟


قولتها وانا عيني بتجري على الرسومات اللي على الحيطان. خريطة شجرة العيلة كانت قدامي، محفورة بحروف باهتة، لكن لسه واضحة.


قربت منها، وبدأت أقرأ الأسماء..

من فوق لتحت، كانت الأسماء مترتبة:

الجد: يوسف الكومي

جدتي: نفيسة عبدالعال

أولادهم:

- عزت يوسف (عمي الكبير اللي محدش أتكلم عنه)

– عبد الحميد يوسف (أبويا)

– حسن يوسف (عمّي الوسطاني)

– محمود يوسف (العم الصغير)







وتحتهم، في فروع تانية:

عبد الحميد: هند – مي

حسن:  محمد – كريم

عزت: زهرة - عمر 

محمود: حسناء - هبة - ولاء


وتحتهم مكتوب إسم لوحدة، كان "ليلى "


- مين ليلي؟!!


"أمي"

بصيت علي عمر اللي قالها بكسره، ووطي رأسه بحزن في الأرض وبعدها بص علي إلا سم وكمل..


"أيوه… بس اتجوزها من ورا العيلة كلها. جدتي رفضتها لأنها مش من العيلة… وقالت إنه هيخرج برا الوصية لو أصرّ. بس هو عملها، واختارها… وفعلاً اتطرد من كل حاجة."


مي بصت علي عمر وقالت:


"بس ليه؟ ليه كل ده؟"


عُمر فتح صفحة تانية من الدفتر القديم، وقال:


" ابويا كتب كل حاجة هنا… اسمعوا دي."


"كان لازم أختار. يا إما أرضى أعيش في كذبة، ويا إما أدفع تمن الحقيقة. اخترت التمن. أنا وعبد الحميد، أخويا، عرفنا إن اللي بيحصل في المزرعة دي أكبر من مجرد تحكّم في الورث أو خلافات عيلة. دي شبكة كاملة… علاقات قديمة، صفقات، حاجات لو طلعت، ناس كتير هتقع، عبد الحميد قرر يخبي جزء من الحقيقة، وأنا خبيت الباقي… لكن لو وصلته الرسالة، وعرف يوصّل بناته للمكان ده، يبقى فيه أمل. السر اللي في ايد بنتي، هو المفتاح لكل ده."


خدت نفس عميق وقلت:


– يعني الرسمة اللي علي أيد زهرة دي مش مجرد علامة عادية؟


عُمر قال بسرعة:


"لا مش مجرد علامة… دي خريطة. أنا متأكد. التلات مثلثات حوالين الدايرة، دي مش رموز، دي مواقع. لو جَمعناهم على خريطة المزرعة… هنلاقي مكان معين بينهم."


مي قالت وهي بتقلب في الدفتر:


"استنوا… هنا كمان مكتوب حاجة غريبة:

اللي يعرف يحل العلامة، يوصل لمفتاح الأسرار… مش بس لحقيقة الماضي، لكن لمستقبل العيلة كلها.

يعني مش مجرد كشف أسرار… فيه حاجة تانية أهم!"


قربنا من الحيطة اللي عليها شجرة العيلة، وأنا لمحت نقش صغير تحت اسم "عزت يوسف" مكتوب بخط دقيق جدًا، زي تاريخه ومكان:


"12 مارس 2005 – حجرة الحارس – شرق المزرعة"


مي قالت بدهشة:


"ده تاريخ بعد اختفاء عمي عزت بشهرين! يعني كتب ده بعد ما الكل افتكر إنه اختفى خلاص، وبعدها اتوفي"


عُمر قال:

"يبقى لازم نروح حجرة الحارس. لو فعلاً فيه حاجة سابها، فده أكيد المكان."


اتسحلنا في لحظة صمت مرعبة، كلها وجع وأسئلة.


بس دلوقتي، مابقاش فيه رجوع… السر قرب يتكشف، والخريطة على أيد زهرة كانت الدليل الأخير.


والخطوة الجاية… كانت هناك، في حجرة الحارس.


خرجنا من القبو، ولسه صدى الكلام اللي قراه عمر بيرن في وداني… “اللي يعرف يحل العلامة، يوصل لمفتاح الأسرار.”


مبقاش عندنا وقت نضيعه. كان لازم نرجع بسرعة ونشوف زهرة… هي الخريطة الحية، والمفتاح اللي الكل بيدور عليه.


ركبنا العربية، وكنّا ساكتين طول الطريق. الكل مشغول بتفكيره، وكل واحد فينا بيتخيل اللي ممكن نلاقيه في حجرة الحارس.


بس أول ما دخلنا بوابة البيت… قلبنا وقع.


الباب مفتوح… والأنوار كلها منوّرة… وكأن حد كان مستعجل وخرج من غير ما يقفل أي حاجة.

دخلنا جري، وأحنا بنادي علي زهرة..


"زهرة؟!"

"زهرةاااا؟!!"


ولا رد.

الصالة متبهدلة، الكنب متقلب، الورق مرمي في الأرض، حتى صور العيلة كانت مرمية ومكسورة.

مي قالت بخوف:

"دي… دي مش سرقة! اللي دخل كان بيدور على حاجة معينة!"


عمر بصلنا برعب وقال:


"زهرة مش موجودة… مستحيل!"


سكت لحظة وبعدين قال ببطء:


– "أكيد هما اللي اخدوها....مستحيل تمشي لوحدها"


نظرة صدمة اتبدلت بينا كلنا، بس الحقيقة كانت أوضح من إنها تتخبّى.


رجعنا تاني، بس المرة دي مش للمزرعة… رجعنا بيت العيلة.

المكان اللي كل حاجة بدأت منه.


وصلنا على المغرب، والجو كان غريب… فيه ريحة تراب قديم، ونفس تقيل بتاع الذكريات اللي لسه ما ماتتش.


فتحولنا الباب، وكأنهم مستنينا.

الجدة قاعدة في الصالة، لابسة إسود، وبصّة لينا بهدوء.

وقبل ما أي حد يتكلم، بصّ عُمر لها بغل وقال:


"زهرة فييين؟"


بصتله بستنكار وكأنها مش فاهمه بيتكلم علي إيه:

"زهرة!! زهرة.ماتت من زمان"


قال عمر بحزم:


"ماخلاص عرفنا كل حاجة، عرفت إنك السبب! وإنك خبيتوا علينا الحقيقة سنين… وإن زهرة اتحبست هنا من هي لسه عيلة موقعتش علي الدنيا، عشان في حد منكم خايف السر يتكشف."


الجدة شالت نظرها من عليه، وبصّت ليّا أنا ومي وقالت:

"زهرة لسه عايشة!!"






مي ردت بتحدي:

"ايوه انا خبتها من تحت ايديكم السنين دي كلها"


قامت الجدة بكل هدوء وهي بتتسند علي عصايتها وقالت:

"تعالوا… لازم تعرفوا كل حاجة قبل ما تفكروا تتهموا أي حد."


دخلنا أوضة الضيوف، اللي كانت زمان أوضة الاجتماعات السرية بتاعة جدي.


الجدة بدأت تتكلم، وعيونها فيها مزيج بين القوة والندم:


"زمان… قبل ما جوزي يموت "يوسف الكومي"، كان شغال في تجارة أراضي، بس مش بشكل طبيعي… كانت شبكة كبيرة من تهريب الأسلحة والآثار، فيها ناس من فوق، وناس من العيلة. عزت ابننا الكبير، كان شايف إن ده غلط، وكان عايز يفضح الكل، حتى أبوه…"


سكتت لحظة، كأنها بتحاول تبتلع الغصة، وبعدين كملت:


"لكن لو كان عمل كده، كنا كلنا هنضيع.  يوسف كان هيتسجن، إحنا هنفقد كل حاجة… فقلتله يسكت، ولما رفض، طردناه باسم العيلة… بس الحقيقة؟ كنا بنحاول نحمي نفسنا."


مي قالت بحدة:

"قصدك قتلتوا؟!"


الجدة قالت بسرعة:


"ما قتلناش حد… هو اللي جني علي نفسه لما راح اتجوز ليلي بنت الاسيوطي اكبر منافس لينا، وكان بيذلنا بيه أنه انتصر علينا واخد واحد مننا، اللي موقفش علي كده هو اللي فضل ينخرب ورانا لحد ما من اللي شغالين معاهم خلصوا عليه، فكروا عدو لينا."


عُمر قال:

"طب زهرة؟!"


"زهرة… اللي خدوها ناس لسه بيشتغلوا في نفس الشبكة عمّكوا حسن، وفي كريم ومحمد ولاده، دول لسه بيشتغلوا في التهريب وغسيل الأموال، والمزرعة كانت واحدة من أهم مخازنهم. زهرة دلوقتي في خطر… لإن الرسمة اللي في إيدها، هي اللي بتحدد مكان الملفات اللي عزت خبّاها، واللي لو طلعت… هتوقع الكل."


مي قالت بانفعال:

"وإنتي؟! ليه ما قلتيش من بدري؟! ليه سكتّي وسايبة أولادك يتقتلوا اكيد انتوا السبب في موت ابويا؟!"


الجدة قامت من مكانها، ودمعة نزلت من عينها وهي بتقول:

"هو كمان مشي علي خطي عزت، انا كنت فاكرة إني بحميهم… بس الظاهر إني كنت بضيّعهم بإيدي."


سكتنا شوية، وأنا عقلي بيغلي، وعينيا بتدور حوالين الأوضة كأنها بتفتّش عن إجابات أكتر.


قولت بعدم تصديق:

- مستحيل تكوني أمي أنتي، أنتي اقسي إنسانة شوفتها في حياتي، أنت السبب في ضياع حياتنا، بدل ما تلمينا فرقتينا كلنا وكرهتي الأخوات في بعضها وبقا ياكلوا في بعض.


بصتلي وقالت:...


...يتبع..

#رحيق_عمار


              الفصل الخامس عشر من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا  

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×