رواية حكاية هند الفصل السادس عشر 16 والاخير رحيق عمار


 رواية حكاية هند الفصل السادس عشر 16 والاخير رحيق عمار


16

قبل ما عزيزة تقوم تطلع الخريطة من الدولاب، كانت زهرة قاعدة على الأرض، ماسكة إيدها ومتلخبطة... وأنا كنت واقفة قصاد المراية، وببص على الرسمة اللي على رقبتي.


قربت منها وأنا بقول: 

– زهرة، وريني الرسمة اللي على إيدك تاني.


مدّت إيدها، وبدأنا نفرد الرسمة بعناية. عُمر قرب مني، وبص على الرسمة اللي على رقبتي، وقال:

" استني كده... الرسمة اللي على رقبتك دي بتكمل الرسمة اللي علي ايد زهرة"


عزيزة قربت، ولمّتنا حوالين طاولة خشب صغيرة، وقالت: 

" الرسمة دي مش مجرد وشم... دول خريطة، وكل واحدة فيكم شايلة جزء منها."


بمساعدة عُمر، لفّينا وش زهرة ناحيتي، وحطينا الرسمة اللي على إيدها جنب اللي على رقبتي، ولأول مرة الخطوط اتكملت، وبقت الرسمة أوضح: خطوط خارجة منها عاملة زي الاتجاهات، والرمز بدأت تعبر عن مكان معين:

عُمر قال بحماس: 

" الرسمة دي بتدل على مكان بعينه... كأنها خريطة مخفية في أجسامكم!"


ساعتها، عزيزة قامت وهي متأثرة، وراحت ناحية الدولاب، وقالت: 

"خلاص... عرفتم المكان. دلوقتي أقدر أقولكم الحقيقة كلها."


 اتحركت وهي بتتسند علي عكازها الأسود وراحت ناحية دولاب قديم، وطلعت منه لفافة قماش ملفوفة بحذر، وفتحتها قدامنا...


جواها كانت خريطة تانية، مكتوب عليها بخط عزت:

"لو وصلتوا لزهرة، يبقى قربتوا من الحقيقة... الأرض اللي تحتها الدهب مش أرض مزروعة، دي أرض منسية... عند الجبل اللي اسمه وادِ الهلاك، هناك هتلاقوا أوراق، وحقكم، وسركم... ولو ماوصلتوش، يبقى السر هيفضل مدفون"


أنا اتنفست بالعافية... وكل حاجة بدأت تركب على بعضها!


عُمر قال وهو ماسك الخريطة:

"يبقى نروح هناك دلوقتي... قبل ما حد يوصل قبلنا."


عزيزة قالت بهدوء:

" خدو بالكوا... الطريق ده مليان ناس مش عايزينكم توصلوا، والسجلات اللي هناك لو خرجت للنور، هتقلب الطاولة على الكل... عيلة الكومي مش هتبقى زي ما كانت."

"وكمان انتوا لازم ترتاحوا وتخططوا كويس الطريق مش سهل، ريحوا وخدوا وقتكم وانطلقوا"






بصيت لزهرة... ولأول مرة من سنين، حسّيت إننا بنقرب من السر اكتر...وبعدها بصيت لعزيزة وقربت منها وانا بقول:

- ممكن أسألك سؤال؟

ليه كنتِ بتظهريلي كتير؟ ليه كنتِ بتحذريني وخلتيني أرجع البلد؟

وليه كنتي شايفة إني خطر، ليه بعدتيني عن عُمر، حفيدك؟

عزيزة تنهدت وسابت نفسها تقعد على الكرسي الخشبي القديم، وقالت بصوت مليان حزن:

"أنا خوفت تكوني زيهم... زي اللي دمروا العيلة دي قبل كده.

الدم اللي بيجري في عروقك هو نفسه اللي كان سبب في كل ده...بس أنا كنت بشوف فيكِ حاجة تانية، حاجة نقية، زي والدك...أنا كنت عايزاكي ترجعي علشان السر يتكشف، علشان زهرة تتنقذ،

وعلشان الرسمة اللي على رقبتك دي، من غيرها مش هنقدر نعرف مكان الحقيقة...أما بالنسبة لعُمر..

أنا كنت غلطانة. بعدته عنك لأني خوفت يكون حبك ليه هيشوّشه، بس ما كنتش فاهمة إن حبك هو اللي كان هينقذه.،عُمر بيحبك يا هند... بيحبك بصدق."


بصت في الأرض، عينيا كانت بتلمع بس مش بكلام عزيزة، بالأسئلة اللي ماليه قلبي.

روحت لعُمر، لقيته واقف بره، ماسك الخريطة وبيدوّر بنظره ناحية المجهول.


قولت له بهدوء:

- إنت... ليه رجعتلي؟

ليه مروحتش في سكتك وخلاص؟

وإزاي أصلاً وصلت لمي؟"


عُمر لف وبصّ لي، وقال:

"رجعتلك علشان قلبي معرفش يكمل من غيرك...

كل ما كنت ببعد، كنت بلاقي نفسي برجعلك في كل حاجة، حتى الأماكن اللي بمر عليها بتفكرني بيكي.

عرفت مكانك من جدتي فضلت وراها لحد ما عرفت اتواصل مع مي...وقتها فهمت إنك في خطر، وإن الموضوع كبير. أنا ضيعتك مرة، بس مش ناوي أسيبك تاني...

إلا لو إنتي عايزة تسيبيني، بس هفضل أحاول لحد ما تسمحيني."


سكتت لحظة، وبصت له بنظرة مترددة، قلبي كان بيخبط بعنف، بس قولت:

- أنا خوفت... خوفت أحبك أكتر وأتأذي،

بس لقيت نفسي مش قادرة أنساك ولا ابعد عنك،

يعني أكيد... قلبي اختارك.

عُمر مد إيده ومسّك إيديا، وبص في عينيا بحنية، وقال:

"يبقى نكمّل سوا... الطريق، والحقيقة، وكل حاجة، بحبك أوي يا هند."

ابتسمت بخجل وقولتله:

- وانا كمان بحبك يا عمر.


تاني يوم انطلقنا كلنا بالعربية، الطريق كان بيمرّ بين جبال ووديان، والوجهة دلوقتي:

"وادِ الهلاك"

اسم غريب ومرعب، بس عزيزة قالت إن تحته السر، الأرض المنسية اللي دفنوا فيها الورق والسجلات وكل حاجة ممكن تقلب الدنيا.


الطريق كان مرعب، الشجر بيقفل علينا، والهواء بقى أتقل، كأن في حاجة بترصدنا.

العربية تهزّت فجأة... حد ضرب علينا من الجنب بحجارة!


عُمر صرخ:

"امسكوا نفسكم، دا كمين!"


عزيزة قالت وهي بتبص حواليها يمين وشمال:

"دول قطاع طرق، كمل ياولدي ماتقفش"


 كملنا جري وسط الطريق الوعر، بس الحجارة فضلت تنهال علينا، عُمر لف بسرعة وقال:

" لازم ننزل نكمل على رجلينا، العربية كده هتتعطل ومش هنوصل."


نزلنا وجرينا وسط الأشجار، زهرة كانت ماسكة إيدي وأنا بحاول أهديها. عزيزة كانت ورا عُمر ومي بتسندها، وعُمر شايل الخريطة في صدره كأنها كنز.


فجأة، سمعنا صوت طلق ناري في الهوا، وظهر قدامنا حسن، عمي، ومعاه رجالة من العيلة، ووشوشهم كلها غضب وكراهية.


"افتكرتوا إنكم هتاخدوا اللي مش من حقكم؟ السر ده يخصنا إحنا!"


لكن عُمر وقف قدامه وقال:

" الحق مش بتاعكم... الحق ده بتاعنا، وبتاع زهرة، وبتاع كل واحد اتظلم بسببكم في العيلة دي."


أبتسم عمي بسخرية وهو بيقول:

"بتاعكم منين... إحنا اللي حفينا وتعبنا سنين وانتوا رفضتوا تشتغلوا معانا ولا حتي تبقوا جزء من عيلتكم...جايين دلوقتي تدوروا ع حقوق مش من حقكم!!"






قال عمر بثبات:

"السر دا يخص ابويا وعمي وميخصكوش، وشغلكم إحنا ملناش فيه حاجة ولا عايزين"


الهجوم بدأ، بين عمي حسن وعمر، بدأو ضرب وزق فيه وعمر كان بيتنقل بينهم شوية في الضرب او يضرب شوية، وعزيزة كانت مشغولة وخايفة علي حفيدها وهي بتزعق في عمي يسيبه، في اللحظة دي قررت اسبق انا وزهرة ومي... استخبينا، وتسللنا للمدخل السري اللي وصفته الخريطة. كان فيه باب خشبي قديم، فتحناه بالعافية...


دخلنا جوه، والمكان كان عبارة عن قبو كبير، أرضه مليانة دهب قديم متغطي بطبقة تراب، وجنبهم أوراق كتير، ملفات عليها ختم الكومي، وتوقيعات، وفضايح، وخريطة تانية بس المرادي خريطة لأرض سبهالنا ابويا وعمي عزت، دا كان ورثنا.


زهرة مسكت الورق مني اللي في فضايح العيلة وقالت بصوت انتصار:

" نهاية عيلة الكومي قربت..."


لمينا الأوراق، طلعنا من المدخل السري وإحنا شايلين الورق، والضرب كان لسه شغال... عُمر واقع على الأرض ووشه فيه كدمة، وعمي حسن ماسك عصاية ورافعها عليه، وعزيزة بتحاول توقفه وهي بتصرخ بصوت مبحوح:

"كفاية يا حسن! دا ابن اخوك، كفاية دمار!"


وقفت أنا وسطهم فجأة وصرخت: 

– ابعد عن عمر يا عمي... اللعبة خلصت!


بص لي بغلّ وهو بيقول:

 "مالكيش دعوة، إنتِ اللي خربتي كل حاجة!"


رميت الملف في وشه، وقلت:

 – ده شغلك الحقيقي... توقيعك على بيع أراضي الدولة، تهريب، صفقات مشبوهة... ودي أوراق تثبت إنك كنت السبب في قتل عمي عزت وأبويا عبد الحميد!


وقف فجأة، صوته اختفى، وعُمر وقف هو كمان، مسح دمه وبص له ببرود:

"كنت فاكر إنك هتفضل مخبي طول عمرك؟ خلصنا لعب... أنا بلّغت البوليس، وهييجوا في أي لحظة، والسجلات دي كفاية تسجّنك لباقي عمرك."


مي قالت وهي واقفة جنبي: 

" جرا-يمكم اللي كنت مخبينها، ظهرت خلاص.. و الدور جيه عليك."


زهرة دخلت في النص وقالت بصوت قوي لأول مرة: "أنتو موتوا بابا ومامتي، وكنتوا هتموتونا احنا كمان... بس مش هتعرفوا تهربوا تاني."


عزيزة قربت من حسن، وبصّت له نظرة كلها وجع وقالت: 

"أنا اللي ربيتك... بس طعنتني، وخليتني أخسر بنتي الوحيدة، بس مش هخسر احفادي هما كمان... خسرنا كتير أوي، كفاية بقى."


وصل صوت السرينة من بعيد... كلنا بصينا لبعض.

عُمر مسك إيدي، وبص لي بنظرة كلها حب وقال:

"خلصنا يا هند... خلصنا من الفساد ده."


الشرطة وصلت، قبضوا على حسن وأعوانه، والورق اتسلم بالكامل.

الفضايح نزلت، حسن اتقبض عليه، واكتشفنا إنه السبب في قتل عبد الحميد ابويا وعزت... واللي ساعده كانت أمه – جدتنا– اللي كانت بتحاول تداري فضايحهم طول عمرها.


ومي انفصلت عن جوزها الخمورجي، وكسبت قضية الخُلع، خصوصًا بعد ما اتسجن لتورطه مع غمي حسن في قضايا فساد وغسيل أموال.


عدى أسبوع، والدنيا هديت، وقعدنا في البيت اللي 

كان كبير بس بسيط، مبني بحجارة بيضا قديمة، حواليه أرض خضرا واسعة، مليانة شجر زيتون ولوز وورد بلدي ريحته مالية المكان. الطيور بتزقزق من كل ناحية، والهوا نضيف بيخبط في الستاير اللي بتتهز بهدوء... زي الجنة، مفيش صوت إلا الطبيعة.


في نص الحديقة كان في ترابيزة خشب كبيرة، قاعدين حواليها عيلة حقيقية:

مي بتضحك وهي شايلة ابنها الصغير اللي رجع في حضنها، حضن أم حقيقي دافي ماعرفش الأمان من سنين، عزيزة قاعدة جنبها بتبص عليهم بعين راضية وفرحانة، وزهرة قاعدة في حضني، حاطة راسها على كتفي، ومسكة كتاب صغير بتتعلم منه الحروف.


قالت بصوت خفيف وهي بتبص لي:

"ما تروحيش مصر، خلّيكِ معانا... أنا بحبك، ومش عايزة أبعد عنك أبدًا."

حضنتها وقلت لما بابتسامة:

– أنا كمان بحبك يا زهرة... وهفضل هنا، علشانك.

وكملت في سري وانا ببتسم بخبث:

- وعلشان حب عمري كمان."

وبصيت لعُمر وهو بيبصلي من بعيد، بعين كلها حب وامتنان.







وفي مره كنا واقفين على تلة بتطل على الأرض الواسعة، والشمس بتغرب، والسماء لونها بين دهبي وبرتقالي ساحر.


عُمر مسك إيدي، وبص في عنيها وقال: 

" قوليلي نفسك في إيه دلوقتي حالًا، ونفّذهولك."


ضحكت وقلت:


– نفسي أركب خيل... وإنت جنبي.


ماستناش لحظة... خدني من إيدي، وركبنا على حصان بني جميل، وأنا كنت وراه، مسكة فيه بإيدي كلها، حاسة بدقاته بتطمنني.


وغمضت عيني، وحطيت راسي على ضهره، وقلت بهمس:

– يمكن دي أول مرة أحس بالأمان الحقيقي... أنا كنت بدوّر على السر طول حياتي، وطلع السر هو الحب، والحقيقة هي الأمان، والكنز الحقيقي هو إنت.


عُمر لف وشافني، وقال:

"وأنا لقيت كل ده في عينيك يا هند... هند انا..؟"


قلت له بستعجال:

- إيه!!


"إنتي متقلة في الغدا شكلك حاسس أن الحصان مش قادر يتنفس منك"

بغيظ ضربته على ضهره وقلت: 

- يا قليل الأدب، انا برضو!


ضحك بصوت عالي وقال:

"بعشك"


بصتله بنظره طفولية وانا مضايقة ف كمل ضحك وانا ضحكت علي ضحكته، والضحكة كانت مليانة حب وفرح، زي نهاية حكاية... كانت تستاهل السعادة.


نهاية سعيدة... لكن البداية لحياة جديدة.


النهاية

#رحيق_عمار

 تمت             

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا    

تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا
تعليقات



×