رواية حكاية هند الفصل الثالث عشر 13 بقلم رحيق عمار
13
بصيت لعُمر وقولت له بصوت هادي، لكن جواه زلزال:
- أنا مكنتش عايزة غيرك... كنت كل مرة أقول إنك أكيد ليّا، وإنك مش هتعمل فيا زيهم، بس طلعت غلطانة.
هو بص لي، وعينيه بتلمع:
"أنا عارف، وعارف إني جرحتك، بس صدقيني، أنا كنت ضحية زَيّك... كنت محاصر، وخفت عليكِ أكتر ما خفت على نفسي."
- بس مافكرتش تسألني! مافكرتش تواجهني! صدّقت كلام جدتك بسهولة... وعاملتني كأني غريبة، كأني مش هند اللي كنت بتقولي عليها...روحي ومعرفش أعيش منغير روحي!
سكت لحظة، وبعدين مدّ إيده علي خدي بحنيه وقال:
"أنا عايز أصلح اللي بوّظته... هند، إديني فرصة واحدة، مش علشان أرجع، لأ، علشان أكون السند اللي كنت محتاجاه وقتها، واللي محتاجاه دلوقتي أكتر من أي وقت."
رجعت لورا بسرعة عشان ابعد أيده عني وبصيت له وأنا مش قادرة أتكلم... قلبي بينبض باللي كان مدفون، بعِتاب سنين، وبحنين لضحكته اللي كانت بتهوّن عليا الدنيا... بس المرة دي، الجرح أعمق.
قبل ما ألحق أرد، باب البلكونة اتفتح بسرعة، ومي خرجت علينا وهي بتهمس:
"في عربية سودة وقفة قدام البيت… شكلهم لقونا!"
اتجمدنا كلنا، وعُمر بسرعة دخل جوه وقفل باب البلكونة من جوه. مي كانت بتنهج، وأنا قلبي بيخبط في صدري وكأنه هيطلع من مكانه.
"لازم نخرج من هنا فورًا!"
قالها عمر وهو بيدخل الاوضة اللي زهرة نايمه فيها في ثوبات عميق
مي هزت راسها وقالت:
"في مخرج تاني من البيت، باب قديم ورا بيطلع على طريق ترابي، بس لازم نتحرك دلوقتي!"
عُمر خرج شايل زهرة على إيده، وهي لسه نايمة، وقال:
"أنا جاهز، وفي عربية تانية مستخبية هناك. كنت مستعد لأي حاجة."
جرينا كلنا، وكل ما نتحرك، أحس إن خوفنا بيزيد اكتر.
وإحنا بنجري، حسيت إني مش لوحدي، بقينا تيم... أنا، مي، عمر، وزهرة... بقينا حكاية واحدة، مصير واحد، وعدو واحد.
بس وعد... السر مش هيفضل مدفون، وحقنا لازم يرجع، حتى لو التمن كان كبير.
خرجنا من الباب الخلفي ننهج من الجري، وإحنا بندوس في الطين والضلمة حوالينا بتزيد إحساس الرعب جوانا، لكن عمر كان حافظ الطريق كويس، خدنا لحد ما وصلنا للعربية القديمة اللي كانت مركونة وسط الأشجار، ركبنا بسرعة، وزهرة لسه نايمة ف اخدتها في حضني وطبطبت عليها، ومي كانت بتبص وراها طول الوقت بتوتر.
عمر: "محدش بيتبعنا لحد دلوقتي… بس لازم نخرج من هنا فورًا، عندي مكان آمن ممكن نستخبى فيه كام يوم."
سكتنا، بس العيون كلها بتتكلم، مليانة تساؤلات وخوف وترقب.
بس الطريق كان طويل ودا خلاني كسرت الصمت وسألت مي بفضول:
- مي، أنتي اختفيتي فين بعد ما جدتك شافتك عندي، انا خوفت عليكي لتكون عملت فيكي حاجة؟!!
مي بصتلي وهي بتاخد نفسها وبتخرجه بضيق:
"ولا حاجة، تمثليه قدامك إني أكون في صفك و اقنعك إنك تشتغلي معاهم وهي اللي ادتني المفتاح بنفسها، بس انا طبعا مسمعتش كلامها وكنت عايزة اهربك لكن انتي مرضتيش"
- كنت هسمع كلامك لكن حسيت أن مينفعش أفضل هربانه طول عمري..منغير ما أعرف الحقيقة.
مي بخنقة:
"بس الحقيقة صعبة أوي يا هند، هندفع قصادها كتير، انا سبت أبني هناك معاهم ومش عارفة مصيرة إيه وسطهم، مع أنه مفروض يبقي في اكتر مكان أمن وسط عيلته!!
- عماد مش معاه؟
"عماد مش داري بالدنيا، كل يوم في ملهي شكل شرب ولعب قمار وحتي لو فايق جبان علي أنه يقف قصادهم."
- إيه اللي جبرك عليه؟!
ابتسمت بسخرية:
"وهو كان في إيه مش مجبورين عليه في البيت دا!"
بعد ساعة ونص تقريبًا، وصلنا لبيت صغير على أطراف قرية بعيدة، شبه مهجورة. البيت كان باين عليه قديم، بس واضح إن عمر جهز فيه حاجات أساسية. أول ما دخلنا، زهرة بدأت تصحى وهي بتفرك عنيها، وقلبها بينبض من الخوف.
قربت منها بسرعة وأنا بطبطب عليها:
- متخافيش يا حبيبتي، إحنا جنبك ومش هنسيبك تاني.
بصتلي، ولأول مرة… ابتسمت، ابتسامتها كانت حلوة اوي و بريئة.
قضينا أول ليلة في صمت غريب، كل واحد غرقان في أفكاره، الصراحة كان في دماغي أسئلة كتييير اوي محتاجة إجابة لها لكن انا كنت خايفة أسأل...خايفة أكتشف مصيبة تانية غير اللي عرفتهم!
لكن الصبح، وأنا قاعدة على الأرض قدام الشباك، مي جت وقعدت جنبي، ومعاها شنطة صغيرة كانت مخبياها من يوم ما خرجنا.
مي: "الشنطة دي فيها أوراق... ورق قديم لأبوكي، هو اللي كان كاتبهم، وأنا خبّيتهم بعد موته."
قلبي اتقبض، ومديت إيدي بهدوء وأنا بفتح أول ورقة.
كان فيها رسم يدوي لخريطة، وعليها علامات باللون الأحمر، وتحتها سطور مكتوبة بخط متوتر:
“المكان اللي بدأ منه كل شيء، هو نفس المكان اللي لازم ينتهي فيه… السر موجود في المزرعة القديمة، لكن الدخول مش بسهولة، لازم المفتاح، والمفتاح مع…”
الجزء دا مكملش، وكأن اللي كتبها مات قبل ما يكمّل.
بصيت لمي، وقلبي بيخبط:
- فين المزرعة دي؟
"في أطراف القرية اللي كنا فيها… بس مش أي حد يعرفها، دي اتقفلت من سنين بعد حادثة كبيرة، والناس بطلت تقرب منها."
عُمر دخل علينا، وسأل:
"إيه اللي بيحصل؟"
مديت له الورقة، وقولت:
- السر مش بس في زهرة… في حاجة أعمق من كده. في لعبة اتلعبت علينا كلنا، وأبويا حاول يحلّها، ودفع حياته تمن الحقيقة دي.
سكت لحظة، وبعدين كملت:
- احنا لازم نروح المزرعة دي.
مي بصتلي بخوف، وعمر بص لي بنظرة جدية:
"بلاش دلوقتي خليها لما الأوضاع تهدي شوية، هما لسه بيدورا علينا."
قولت بحزم:
ـ هما يومين وهننزل مفيش وقت نستناه اكتر من كده، حياتنا علي المحك.
وبعد يومين فعلاً، خرجنا على أول ضوء، متخفيين، وسبنا وزهرة في البيت، وروحنا انا ومي وعمر...وإحنا ماشيين وسط طريق ترابي متعرج، وكان الهدوء حوالينا مخيف.
لحد ما ظهر سور قديم مكسور، وورا بوابته المهشّمة… كانت المزرعة وسط الأشجار، كأنها شاهد حي على كل أسرار العيلة.
قربنا منها، وكل خطوة كانت بتقربنا للحقيقة... أو يمكن... للموت.
لما قرّبنا من البوابة، الجو اتغير فجأة... ريح باردة غريبة هبّت، والطيور اللي كانت بتزقزق سكتت مرة واحدة، كأن الطبيعة نفسها حست بالخطر.
وقفنا قدام السور المتهدّم..
"هي دي المزرعة، انا فاكر اني جيت هنا قبل كده مع ابويا"
قالها عمر وهو بيخبط بايده علي السور اللي أنهار منه جزء فجأة علي الأرض.
ـ تمام..خلينا ندخل.
عمر قال وهو بيبص حواليه:
"بس لو دي مزرعة، فين مكان "السر" اللي اتكلم عنه أبوكي؟ أكيد في حاجة مستخبية هنا، ومش باينة لأي حد."
بدأنا نمشي، لحد ما عدينا السور من الجزء اللي كان مكسور. المزرعة كانت باين عليها مهجورة من سنين، بس في تفاصيل صغيرة كانت بتقول إن في حد بييجي هنا كتير: آثار رجلين في الطين، دخان خفيف طالع من فتحة التهوية فوق السقف، وريحة غريبة… خليط بين عفن وتراب..
دخلنا من باب خشب بيصدر صوت مزعج، ولقينا نفسنا في حوش واسع، وفي نهايته بيت صغير مبني بالطوب. عمر شاور علينا نكمل من ناحيته، لكن وأنا ماشية، لمحت باب صغير في الأرض، شبه باب القبو… متغطي بخشب متهالك، وعليه قفل مصدّي.
– استنوا… الباب ده!
قلت وأنا بشاور عليه...
...يتبع..
#رحيق_عمار