رواية راما الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم اسماعيل موسي
راما 28
في صباح اليوم التالي، خرجت جين من الشقة بحقيبتها، أغلقت الباب خلفها دون أن تلقي نظرة واحده للخلف
لم تخبر آدم، لم تواجه راما، فقط تركت المكان الذي أصبح عبئًا على روحها.
.
كان العثور على شقة بمفردها تحديًا حقيقيا، الأسعار كانت مرتفعة، أصحاب العقارات لم يبدوا اهتمامًا بتأجيرها لامرأة شابة بدون ضمانات، الأماكن المتاحة كانت إما صغيرة جدًا أو في أحياء لم تشعر فيها بالأمان.
قضت ساعات تتنقل بين المكاتب العقارية، تتصل بأرقام الإعلانات، تزور شققًا باردة، فارغة، تشعر وكأنها ليست لها،كل باب يُغلق في وجهها كان يزيد من ثقل القرار.
مع اقتراب المساء، بدأت تشعر بالإرهاق. لم يكن لديها مكان تقيم فيه.
في النهاية، استقرت على شقة صغيرة، بالكاد تتسع لها،لم تكن مثالية، لكنها كانت كافية،كانت البداية.
لكن الحياة الجديدة لم تكن أقل قسوة من الحياة التي تركتها.
فى العمل كان عليها أن تبدأ من الصفر، أن تتعلم كيف تتعامل مع الضغط، مع الرؤساء الصارمين، مع الزملاء الذين لا يعرفونها ولا يهتمون بها،كانت تُرتكب أخطاء، وكانت تتحمل توبيخًا مستمرًا، وكأن الجميع يختبر صلابتها.
في بعض الأيام، كانت تعود إلى شقتها وهي بالكاد قادرة على الوقوف، تلقي بجسدها على الفراش، تحدق في السقف وتتساءل:
"هل أخطأت؟ هل كان علي البقاء؟"
لم يكن هناك أحد يشاركها تفاصيل يومها، لم يكن هناك صوت مألوف يملأ الصالة ، لم يكن هناك سوى صمت ثقيل، وبرودة لا تطاق.
كانت تنهض كل صباح، ترتدي ملابسها، ترسم وجهًا تائهأ ، ثم تخرج إلى العمل وكأنها لم تفكر في البكاء الليلة السابقة.
لكن مع كل يوم يمر، كانت تتعلم شيئًا جديدًا.
كانت تدرك أنها قوية، رغم كل شيء.
وأنها، رغم الوحدة، رغم التعب، لم تندم.
كانت الأيام تمر ببطء، لكنها كانت تمضي.
جين استيقظت كعادتها، فتحت النافذة لتسمح للهواء البارد بالتسلل إلى الشقة الصغيرة،كانت هذه طريقتها في تذكير نفسها بأنها لم تعد في ذلك المكان، بأن حياتها بدأت تتغير، حتى لو لم تشعر بذلك بالكامل بعد.
في العمل، لم يكن أحد يعاملها برفق.
كانت أخطاؤها تُلاحظ بسرعة، وكانت تسمع تعليقات زملائها، بعضها ساخر، وبعضها مشفق،لم يكن هناك من يمسك بيدها ليشرح الأمور، كانت تُترك لتتعلم بالطريقة الأصعب.
في أحد الأيام، ارتكبت خطأ بسيطًا في أحد التقارير، خطأ بالكاد يُذكر، لكن مديرها لم يتركه يمر،كان صوته باردًا عندما استدعاها إلى مكتبه، وعيناه محايدتان بشكل مؤلم.
"جين، إذا لم تتمكني من أداء المهام الأساسية دون أخطاء، فلا أعتقد أن هناك مستقبلًا لكِ هنا."
كانت تلك الجملة كفيلة بإشعال نار القلق داخلها.
هل ستفقد هذا العمل أيضًا؟ هل كانت تحاول عبثًا؟
لكنها لم تقل شيئًا، لم تعتذر بتوسل، فقط أومأت بصمت وغادرت المكتب.
في المساء، جلست على سريرها، تقرأ الأوراق من جديد، تدرسها كطالبة تذاكر لامتحان مصيري. لم تكن مستعدة للفشل، ليس الآن.
لكن القلق لم يتركها.
عقلها ظل يدور حول آدم، حول راما، حول ما قد يقوله الجميع لو علموا أنها تواجه صعوبة،كانت تتخيل راما تبتسم بسخرية، ترفع حاجبها، وتقول: "قلت لكِ، لن تنجحي."
لكنها لم تكن مستعدة لإعطائها هذا الرضا.
في الأيام التالية، بدأت جين تعمل بضعف المجهود،كانت تصل مبكرًا، تبقى لوقت متأخر، تعيد مراجعة التقارير عشرات المرات قبل تسليمها،التعب كان يلتهمها، لكن الخوف من الفشل كان أقوى.
في إحدى الليالي، أثناء عودتها، تلقت رسالة.
من رقم مجهول.
"سمعتِ أنكِ تعانين في العمل. هل تفتقدين حياتك القديمة؟"
وقفت في منتصف الرصيف، تحدق في الشاشة.
كانت هذه رسالة من راما.
كانت تعرف.
لكن جين لم ترد.
أغلقت هاتفها بسرعه كأنها تهرب من ظل مجرم قاتل، تابعت سيرها، وعرفت أن هذه المرة، لن تعود للخلف.
في الأيام التالية، أصبحت جين أقرب إلى ظل متحرك،لم تكن تتحدث كثيرًا، لم تكن تضحك، ولم تعد تهتم حتى بالوجوه التي تمر بها في المكتب، كل شيء أصبح يتمحور حول العمل—إتقانه، تجنّب الأخطاء، البقاء بعيدة عن أي ملاحظة جديدة من مديرها.
لكن الضغط كان ينهشها ببطء.
في إحدى الليالي، وهي تجلس على الأرض في شقتها الصغيرة، وسط أكوام من الأوراق والتقارير، شعرت أن عقلها يطفو بعيدًا، وكأنها لم تعد تملك السيطرة على جسدها.
ما الذي كانت تفعله؟ لماذا كان الأمر بهذا الصعوبة؟
كانت تحاول إثبات أنها قادرة على الحياة وحدها، لكن الحقيقة كانت واضحة: هي تكافح، تكافح بشكل يائس.
جاءتها رسالة أخرى من راما، هذه المرة أكثر مباشرة:
"إلى متى ستستمرين في هذا العناد، جين؟ مقعدك فى الصاله ينتظرك
أغلقت الهاتف. لم ترد.
لكن الكلمات ظلت تتردد في عقلها طوال الليل.
في الصباح التالي، أثناء اجتماع العمل، كان عقلها مرهقًا، كأنها تسير وسط ضباب كثيف، لم تلحظ أن مديرها يتحدث إليها حتى ارتفع صوته:
"جين، هل أنتِ معنا؟"
ارتجفت أصابعها فوق القلم، ثم تمالكت نفسها بسرعة.
"نعم، آسفة."
نظر إليها المدير نظرة تقييم، ثم قال بحدة: "لا مجال للأخطاء اليوم. هذا الاجتماع مصيري."
أومأت، لكنها كانت تعرف أن تركيزها لم يكن في أفضل حالاته.
وبالفعل، بعد دقائق، وبينما كانت تشرح إحدى النقاط، أخطأت في معلومة مهمة.
لحظة صمت ثقيلة سقطت في القاعة.
نظرات زملائها كانت كفيلة بإشعال النار داخلها.
أحنى المدير رأسه قليلًا، زفر ببطء، ثم قال بصوت جليدي:
"جين، تحدثي معي بعد الاجتماع."
كانت هذه الجملة كفيلة بأن تجمدها في مكانها.
بعد الاجتماع، جلست أمامه في المكتب، يداها مشدودتان على حجرها، قلبها ينبض في أذنيها.
"هل لديكِ فكرة عن حجم الخطأ الذي ارتكبته اليوم؟"
لم تستطع الرد.
"هذا ليس مكانًا للمتعثرين، جين. إما أن تتجاوزي هذا الارتباك، أو لا مكان لكِ هنا."
كانت هذه الجملة، رغم قسوتها، بمثابة إنذار.
خرجت من المكتب، خطواتها متثاقلة، أفكارها متشابكة.
في الخارج، كان الهواء باردًا.
وقفت للحظة، أغلقت عينيها، ثم فتحتها ببطء.
لم تكن ستسمح لنفسها بالفشل.
لكنها أيضًا، عرفت أن الوقت قد حان لاتخاذ قرار جديد.
إلى متى ستستمر في هذه الدوامة؟ وإلى أين ستأخذها؟
في الأيام التالية، شعرت جين أن العالم يسير بسرعة لا تستطيع مجاراتها.
في العمل، كانت تحاول بجهد مضاعف لتثبت أنها ليست ضعيفة، أنها تستحق الفرصة التي حصلت عليها. لكن الضغط كان يكبر بداخلها، يثقل أنفاسها، يجعل كل خطأ صغير يبدو وكأنه نهاية العالم.
في الليل، كانت تعود إلى شقتها الصغيرة، ترمي حقيبتها، وتجلس بصمت. لم يكن هناك أحد ليسألها عن يومها. لم يكن هناك من ينتظرها خلف الباب.
الهدوء كان قاتلًا.
حاولت أن تشغل نفسها—العمل، قراءة الكتب، حتى مشاهدة التلفاز بصوت مرتفع. لكن صوت أفكارها كان أقوى من أي شيء آخر.
في إحدى الليالي، بعد يوم طويل من الاجتماعات المتوترة، جلست على سريرها، الهاتف في يدها، تتصفح المحادثات القديمة مع آدم.
لم يكن هناك شيء جديد. لا رسائل منه. لا سؤال عما تمر به.
أما راما، فكانت ترسل بين الحين والآخر، لكن نبرة رسائلها لم تتغير—مزيج من السخرية والنصح غير المرغوب فيه.
"متى ستتوقفين عن هذا العبث وتعودين؟"
"لا أحد ينجح وحده يا جين."
"آدم لم يعد كما كان.. لكنه أيضًا لم يتغير تمامًا."
أغلقت الهاتف، ووضعت رأسها بين يديها.
هل ارتكبت خطأ؟ هل كانت غلطة أن ترحل؟
لكنها تعلم الإجابة.
الرحيل لم يكن غلطة، لكنه لم يكن الحل أيضًا.
كانت تحاول بناء شيء جديد، لكن البناء أصعب من الهدم.
في اليوم التالي، كانت تتناول قهوتها في المكتب عندما طرق زميل لها على مكتبها.
"جين، المدير يريدك حالًا."
ارتجف قلبها، لكنها نهضت بثبات.
عندما دخلت المكتب، كان المدير يراجع بعض الملفات. رفع رأسه، وأشار إلى الكرسي أمامه.
"كيف حالكِ جين؟"
"بخير."
"سمعت أنكِ تعملين بجهد كبير."
أومأت، تنتظر الجملة التالية.
"لكن الجهد وحده لا يكفي."
رفعت رأسها، وعرفت أن ما سيأتي لن يكون جيدًا.
"أنتِ ذكية، لديكِ إمكانيات، لكنكِ مشتتة،إذا لم تتحسن الأمور قريبًا، سنضطر لإعادة تقييم وضعكِ في الشركة."
لم يقلها بصريح العبارة، لكنه كان تحذيرًا واضحًا: إما أن تثبت نفسها، أو تخسر وظيفتها.
عندما خرجت من المكتب، شعرت أن الأرض تهتز تحتها.
كانت بحاجة إلى العمل. بحاجة إلى الاستقرار.
لكنها كانت أيضًا بحاجة إلى شيء آخر...
حاجة لم تستطع تحديدها بعد
حاجه للآمان الذى فقدته
يصبح العالم بارد وخاوى جدا عندما لا يوجد أحد جوارك
ان تكرر كل ما تفعله كل يوم
عندما تنظر جين إلى الحياه التى فقدتها قبل ظهور جين تدرك قدر الحماقه التى ارتكبتها فى حق نفسها
شعرت جين بتوعك فى معدتها فجأه حتى انها لم تتمكن من نصب طولها
كان الم مبرح سكاكين تقطع فى معدتها نظرت حولها لم يكن هناك شيء سوى مقاعد وطاوله
امسكت هاتفها بحثت عن رقم ادم وكادت ان تطلبه
ماذا تنتظر من شخص لا يهتم بك، اخرجك من حياته كليآ
لكن ادم بدا اقل حده قبل رحيلها، كان يحاول ان يعيد المياه إلى مجاريها
صرخت جين من الوجع كان الألم غزاها بلا رحمه سقطت على الأرض وبالكاد وصلت إلى سريرها