رواية فراشة المقبرة الفصل السابع عشر 17 بقلم اسماعيل موسي
#فراشة_المقبرة
17
اطلقت زهره ابتسامه، إذا كان دكتور نادر يستطيع أن يفعلها
فأنا استطيع ان أفعلها.
كانت زهرة تدرك منذ البداية أن مداواة جسدها من الحروق التي تركت أثرًا عميقًا ليس أمرًا سهلًا.
كانت الحروق التي تغطي يدها اليمنى تتطلب أكثر من مجرد معالجة سطحية؛ فالتلف العصبي كان أحد أخطر آثارها.
في اللحظة التي قررت فيها أن تعالج نفسها بنفسها، كانت قد دخلت إلى عالم معقد من العلاجات البيولوجية والهندسة الوراثية.
بدأت بتطوير بروتوكول علاجي يعتمد على الخلايا الجذعية، التي تُعتبر واحدة من أهم العوامل المساعدة في تجديد الأنسجة التالفة.
كانت البداية بالتأكد من نوع الخلايا الجذعية التي يجب استخدامها، حيث كانت تبحث في الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا الجذعية المولدة التي يمكن أن تتخصص في تكوين أنواع مختلفة من الأنسجة.
وعلى الرغم من أن الخلايا الجذعية الجنينية توفر إمكانيات هائلة في تجديد الأنسجة، إلا أن زهرة كانت تفضل التركيز على الخلايا الجذعية البالغة التي يُمكن استخراجها من أنسجة الجسم البالغة، لأنها أقل إثارة للجدل وأكثر أمانًا.
تمكنت من الحصول على الخلايا الجذعية الجلدية من عينات أنسجة بسيطة كانت قد أخذتها في المختبرات من زملائها.
ما إن وضعت الخلايا الجذعية في بيئة ثقافية ملائمة، حتى بدأت في ملاحظة نمو تدريجي للأنسجة.
كانت الخلايا الجذعية تتطور إلى خلايا جلدية جديدة، قادرة على التعافي من الأضرار التي كانت قد ألحقت بها.
لكن المشكلة كانت أن الأنسجة العصبية كانت أكثر تعقيدًا، مع الحروق العميقة التي أصابتها، كان هناك تلف في الأعصاب الحسية، مما جعل الإحساس في أطراف أصابعها شبه معدوم.
لم تكن الخلايا الجذعية وحدها كافية؛ كانت بحاجة إلى تحسين إمداد الأعصاب الجديدة والتأكد من قدرتها على التواصل مع الجهاز العصبي المركزي،و هنا بدأت زهرة بالبحث في بروتينات النمو العصبية مثل Nerve Growth Factor (NGF) و Brain-Derived Neurotrophic Factor (BDNF)، التي يمكنها تحفيز نمو الأعصاب في المناطق المتضررة.
اختارت أن تقوم بتطبيق البروتينات مباشرة على المنطقة المتضررة، ودمجها مع التحفيز الكهربائي لتعزيز نمو الأعصاب. كما استعانت بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصميم هياكل دقيقة تشبه الأنسجة العصبية، حيث كانت تستخدمه لبناء شبكة اصطناعية من الأنسجة العصبية الصغيرة التي من شأنها أن تعزز التواصل العصبي بين الأطراف المتضررة.
على الرغم من أن التجربة كانت محفوفة بالمخاطر، وكانت النتائج في البداية غير متوقعة في بعض الأحيان، إلا أن زهرة كانت تراقب التغيرات التي تحدث في يدها بعناية.
كانت تقوم بتسجيل كل خطوة من خطواتها وتحديث نتائجها بشكل مستمر، مع ملاحظة كل تحسن طفيف، حتى لو كان ذلك في صورة نغمة عصبية ضعيفة تتدفق في أطراف أصابعها.
مرت أشهر من التجارب الدقيقة، وتزايد أملها مع مرور الوقت. في البداية كانت التغيرات بسيطة، لكن مع استمرار تطبيق العلاجات، بدأ الجلد في التجدد بشكل ملحوظ، ظهر جلد جديد على الندوب، وبدأت الأنسجة العصبية التالفة في إظهار علامات تجديد، وبالتوازي مع ذلك، بدأت إحساسها في أطراف أصابعها يعود تدريجيًا.
كان هذا النجاح التدريجي غير مسبوق. في أحد الأيام، وهي في لحظة استرخاء نادرة، قررت أن تضع يديها على مرآة وتراقب التغيرات عن كثب. نظرت إلى يدها التي كانت تتغير أمام عينيها: لا يمكن تصور أن هذه هي نفس اليد التي كانت محروقة، مشوهة، وعاجزة عن الحركة منذ سنوات.
الجلد الآن كان يلمع بحيوية، والأنسجة العصبية كانت تتفاعل بشكل طبيعي، في تطور كان يبدو غير ممكن، تمامًا كما تصوّرته.
بجانب الأنسجة الظاهرة على يدها، كانت الحروق التي أصابت جسد زهرة ليست سطحية فقط.
كانت تتغلغل أعماق جسدها، تصل إلى البطن والظهر والفخذ والرقبة، وتسبب ألمًا غير مرئي، أسوأ من أي جرح خارجي.
وكان التحدي الأكبر بالنسبة لها هو الشفاء من هذه الحروق الداخلية التي كانت تؤثر على أنسجتها العميقة، مثل العضلات والأعصاب، وأحيانًا حتى الأعضاء الداخلية.
بدأت زهرة بتقييم الضرر الداخلي الذي لحق بها، باستخدام التقنيات الطبية الحديثة مثل الأشعة فوق الصوتية و التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
هذه الفحوصات كانت تقدم لها صورة واضحة عن حالة الأنسجة الداخلية والأعصاب التالفة.
لكن الفحص وحده لم يكن كافيًا؛ كانت بحاجة إلى خطة علاجية مبتكرة وسريعة.
للبداية، قررت زهرة استخدام الخلايا الجذعية لتجديد الأنسجة الداخلية التالفة،ولأنها كانت قد طورت بالفعل بروتوكولات خاصة للخلايا الجذعية الجلدية، كان عليها الآن التوسع لاستخدام خلايا جذعية أخرى مثل الخلايا الجذعية المولدة والتي يمكنها التخصص في تكوين أنسجة عضلية وعصبية.
عكفت زهرة على استخلاص الخلايا الجذعية من النخاع العظمي، الذي كان يحتوي على أعداد كبيرة من الخلايا الجذعية البالغة القادرة على التجدد.
هذه الخلايا كانت قادرة على التمايز إلى خلايا عضلية وأعصاب جديدة، ما يسمح بإصلاح الأنسجة التالفة في مناطق البطن، الظهر، الفخذ والرقبة.
كانت تستخدم حقن الخلايا الجذعية مباشرة في المناطق المصابة، مع اعتماد جرعات مخصصة بناءً على شدة الحروق.
إلى جانب الخلايا الجذعية، استخدمت زهرة بروتينات النمو مثل Fibroblast Growth Factor (FGF) و Vascular Endothelial Growth Factor (VEGF)، والتي تعزز من نمو الأنسجة الجديدة في المناطق التي دمرتها الحروق. البروتينات هذه ساعدت على تحفيز إنتاج خلايا جديدة في الطبقات الداخلية للجلد والعضلات، فضلاً عن دعم عملية الشفاء في الأنسجة الوعائية والعصبية.
كانت تستخدم الحقن الموضعية لبروتينات النمو، لكن ليس فقط في السطح، كان الهدف هو أن تصل هذه البروتينات إلى الأعماق التي أصابتها الحروق. لذلك، استخدمت تقنيات تحفيز كهربائي لزيادة امتصاص الأنسجة للبروتينات وتوجيهها نحو الأنسجة التالفة.
بالنسبة للأعصاب التي كانت قد تضررت بشدة في مناطق مثل الرقبة والظهر، كانت زهرة تعلم أن العلاج الجيني هو الخيار الأمثل.
وقد تبنت أساليب متقدمة لتحفيز نمو الأعصاب عبر استخدام بروتينات النمو العصبية مثل Nerve Growth Factor (NGF) و Brain-Derived Neurotrophic Factor (BDNF). هذه البروتينات تُحسن من نمو الأعصاب المتضررة وتعيد تشكيل الشبكات العصبية التي تأثرت بالحروق.
إلى جانب البروتينات العصبية، استخدمت التحفيز الكهربائي الدقيق في محاولة لتنشيط الأعصاب المحيطية والتعافي من الألم المزمن، كانت تستخدم موجات تردد منخفضة تركز على مناطق الحروق الداخلية، مثل الرقبة والظهر، لتحفيز الأعصاب على إعادة الاتصال مع الجهاز العصبي المركزي، مما يسمح للمنطقة المتضررة بأن تبدأ في استعادة الإحساس والوظيفة.
منطقة الفخذ والبطن كانت قد تأثرت بشكل كبير بالحروق العميقة، مما أثر على الدورة الدموية في هذه المناطق.
في هذا السياق، استخدمت زهرة علاجًا باستخدام الأنسجة الوعائية لتقوية الأوعية الدموية التي تأثرت،كان العلاج يعتمد على البروتينات المحفزة للنمو الوعائي مثل VEGF، التي تشجع على تكوين الأوعية الدموية الجديدة، وبالتالي تحسين تدفق الدم إلى المناطق المتضررة.
كما لجأت إلى تقنيات التدليك بالضغط لتحفيز تدفق الدم في المناطق المصابة. كان الهدف من هذه التقنيات هو زيادة الأوكسجين والمواد الغذائية التي تصل إلى الأنسجة الميتة، مما يساعد في عملية تجديد الخلايا.
زهرة لم تكتفِ بالعلاج الكيميائي والجيني فقط، كانت تواصل إجراء جلسات علاج طبيعي منتظمة لإعادة تأهيل العضلات التالفة وتحفيز حركة الأنسجة المتجمدة، خاصة في المناطق التي تعرضت لحروق على العمود الفقري والفخذين.
كما عملت على دمج تقنيات الطب البديل، مثل العلاج بالأعشاب والزيوت الطبيعية التي تحتوي على مواد مضادة للالتهاب، مثل زيت اللافندر و زيت شجرة الشاي، التي ساعدت في تخفيف الألم والتهيج في المناطق المحترقة. كانت تدهن هذه الزيوت بعناية على المناطق المصابة بعد كل جلسة علاج جيني.
كان التحدي الأعظم بالنسبة لزهرة هو مواجهة الألم المزمن الذي نشأ عن الحروق الداخلية.
كانت تحتاج إلى أن تجد توازنًا بين العلاج الجيني والتخفيف من الألم العصبي، هنا لجأت إلى العلاج بالأدوية العصبية مثل Gabapentin و Pregabalin، التي تستهدف الأعصاب المتهيجة وتخفف من الألم المستمر، لكن مع الحرص على ألا تؤثر على العملية العلاجية أو تشوش التفاعل بين الأنسجة المحفزة.
مع مرور الوقت، بدأت التحسينات تظهر في شكل شفاء تدريجي للأنسجة الداخلية، كانت تستطيع رؤية الاختلاف في صورة الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي،بدأت العضلات في استعادة قوتها، كما بدأت الأعصاب في استعادة القدرة على التواصل
في النهاية، كانت الحروق الداخلية التي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من ماضيها قد تحولت إلى نقطة قوة جديدة، بدأت الحياه تدب داخلها، انهضت زهره جسدها المرتجف نزعت ملابسها ووقفت امام المرآه بعيون مغلقه مرتعبه قبل أن تفتح عينيها وتحدق فى صورتها المنعكسه على المرآه