رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم شمس حسين
دخلت البيت وأنا مش حاسة بأي حاجة غير الوجع... وجع بيخبط في صدري، مش قادرة أتنفس، وكأن كل حاجة حواليا بتسود، أول ما فتحت باب أوضتي قفلته ورايا بكل قوتي، سندت عليه، رجلي خانتني وقعت على الأرض، حضنت ركبتي وفضلت أعيط زي الطفل اللي اتاخد منه أغلى حاجة عنده، كانت أول مرة في حياتي أتكسر بالشكل ده... أول مرة أحس إني ضعيفة كده... كل الصدمات اللي فاتت متسواش حاجة جنب الخذلان ده، كانت ضربة قاضية، كسرتني من جوه، خلّتني أحس إني فاضية... إني لوحدي، كنت فاكرة إني اتعودت على الخذلان، إني خلاص مفيش حاجة ممكن توجعني... لكن اللي حصل النهاردة كان أكبر من احتمالي، أكبر من أي وجع جربته، بصيت حواليّا، حسيت إن الأوضة بتلف، كل حاجة بقت سودة في عنيا، كل كلمة قالتها كانت بتدوي في وداني زي الصدى، مش قادرة أهرب منها،
فجأة حسيت بطاقة غريبة بتتفجر جوايا... وجع تحول لغضب... لقهر... لحسرة، قمت وأنا مش حاسة بنفسي، مسكت كل حاجة قدامي ورميتها، في وقت بسيط جدا كل حاجة في الاوضة اتكسرت كانت اخر حاجة المرايا، خبطتها بإيدي بكل قوتي لحد ما اتكسرت ووقع الزجاج تحت رجلي، صوت التكسير كان عالي، كان بيردّد صرخات جوايا، حاجات كتير متكتّمة بقالها سنين طلعَت كلها في اللحظة دي، ماما كانت بتخبط على الباب وهي بتصرخ بخوف: "شمس! شمس افتحي! في إيه يا بنتي؟ مالك؟!"، لكن صوتها كان بعيد... بعيد أوي، كنت سامعة صوت نور وهي بتتهمني... بتجلدني... بتكسرني، حسيت إني بخبط في حيطة مش عارفة أخرج منها، فجأة بصيت حواليا، استوعبت أنا عملت اي، قعدت جنب الباب، حضنت ركبتي، كنت برتعش من كتر القهر، من كتر الوجع، من كمية الأسئلة اللي فجأة خبطت في دماغي، ماما فضلت تخبط: "شمس، افتحي يا حبيبتي، طمنيني... قوليلي مالك؟"، صوتي كان طالع مبحوح من كتر العياط: "ليه يا ماما؟ ليه نور عملت فيا كده؟ أنا عملت لها إيه عشان تكسرني كده؟"، ماما اتخضت من كلامي وقالت بلهفة: "إيه اللي حصل يا شمس؟ مين قالك الكلام ده؟"، دموعي كانت بتنزل بحرقة، وأنا بقول: "أنا وحشة يا ماما؟ أنا فعلاً أنانية زي ما قالت؟ ليه كل اللي حواليا بيبعدوا؟ ليه كل حاجة حلوة بتتكسر في إيدي؟"، صوت ماما كان مهزوز من العياط: "لأ يا حبيبتي، إزاي تقولي كده؟ انتي أحسن حاجة في الدنيا، انتي أغلى حاجة عندي"، اتكورت على نفسي أكتر وأنا بصرخ: "طب ليه يا ماما؟ ليه عمر ما في حاجة بتكمل؟ ليه كل اللي بحبهم بيجرحوني؟"، ماما كانت بتعيط ورا الباب وقالت: "يمكن اللي بيجرحكوا مش قادرين يستحملوا نورك... انتي بتلمعي أوي يا شمس... وده بيخوفهم"، فضلت قاعدة على الأرض، حسيت بحاجة سخنة في كف إيدي، فتحت إيدي بصعوبة ولقيت الدم مغرقها... إيدي كانت متعورة جامد من الزجاج، ومكنتش حاسة بأي ألم، وكأن الوجع اللي جوايا غطى على كل حاجة.
قمت وفتحت الباب، أول ما شافتني ماما حضنتني، حسيت بحضنها بيجمع كل الأجزاء اللي اتكسرت مني، وأنا بعيط زي الطفل الصغير، خرجتني من الأوضة وهي مسكاني بحنيه و بتحضني، بتحاول تلملم اللي اتبقى مني... واللي يمكن عمره ما يتصلّح تاني، لكن فجأة، بعد ما حضنتني، شافت الدم مغرق إيدي، جرح عميق، كان نازل منه دم كتير، صوتها خرج منه صرخة مخنوقة: "يا نهار أبيض! إيدك يا شمس... إيدك متعورة جامد!"، مسكت إيدي وهي مرعوبة، بتحاول توقف النزيف، صوتها كان بيترعش: "لازم نروح المستشفى فورًا..."، حاولت أتكلم، أقول لها إني كويسة، لكن الدنيا ابتدت تلف بيا، حسيت بدوخة شديدة، كل حاجة كانت بتبعد عني، الأصوات، الألوان، حتى حضنها كان بيبعد، فجأة ضلمت الدنيا، ووقعت في حضنها وأنا مش حاسة بحاجة، ماما صوتت وهي بتعيط: "شمس! شمس فوقي! حد يلحقني!"، جريت على الباب وفضلت تنادي، وبعد لحظات كان خالي طالع على السلم، أول ما شافها وهي شايلة جسمي اللي مبقاش فيه حيل، صرخ: "إيه اللي حصل؟"، ماما كانت مرتبكة، مش عارفة تتكلم: "إيديها متعورة جامد... كانت في أوضتها وسمعت صوت تكسير... مش عارفة إيه اللي حصل!"، اخدني خالي و ماما للمستشفى وهناك أدوني حقنة مهدئة و بعدها خيطولي الجرح اللي في أيدي و رجعنا علي البيت، و بعدها دخلت اوضة ماما ونمت.
«احمد نجم»
كنت فاكر إن عنادها هيتهز قدام حبها... كنت متأكد إنها بتحبني، كنت بشوف حبي في عينيها كل مرة بتبص فيها ناحيتي، حتى لو بتداري ورا الجفا اللي بتعاملني بيه، كنت فاكر الحب ده هيكسر كل الحواجز اللي بينها وبيني، وإن كل محاولاتي للضغط عليها هتنجح في الآخر... لكن اتصدمت، رغم كل اللي عملته، رغم كل محاولاتي، هي فضلت على موقفها، مصرة على البُعد... مصرة على إنها مبتحبنيش، كنت بشوف في نظرتها ضعف، خوف، وحب... حب بتحاول تخبيه، بس مش قادرة، والحب ده هو اللي مخليني متمسك بيها، مخليني مش قادر أستسلم، مش قادر أسيبها حتى وهي بتبعدني عنها بكل الطرق، أنا عارف إن في حاجة كبيرة حصلت...حاجة كسرتها وخايفة منها... حاجة خلتها تختار الهروب بدل المواجهة.
لما نور قالت إنها هتواجه شمس وتعرف منها الحقيقة، حسيت بأمل كبير، كنت متأكد إن لو في حد يقدر يهز عناد شمس، فهي نور، اتفقنا إننا لازم نكسر الحيطة اللي بنتها حوالين نفسها، وإن مينفعش نسيبها تغرق في وحدتها أكتر من كده، وافقت فورًا على خطة نور، ورحت أنا وأشرف معاها للمكان اللي حددته بعد ما شمس راحت، أول ما وصلنا وشمس شافتنا، لمحت في عينيها نظرة صدمة، نظرة وجع وخذلان... حسيت وقتها إننا ظلمناها، وإن وجودنا في اللحظة دي كان غلطة، كنت شايفها واقفة لوحدها، ضعيفة، ووحيدة قدامنا إحنا التلاتة، كأننا بنحاكمها من غير ما نديلها حتى فرصة تدافع عن نفسها، حسيت بالندم من أول لحظة، بس كنت حاسس إن الموضوع لازم يكمل، وإن المواجهة هتكون لصالحها في الآخر... أو على الأقل ده اللي كنت بتمناه، كنا واقفين بعيد وهما بيتكلموا، بس كنت شايف تأثير كل كلمة كانت نور بتقولها لشمس، و كأنها بتقطع في شمس حتة حتة، كنت شايف الصدمة في عينيها، صدمة أكبر من أي حاجة شفتها قبل كده، أنا عاشرت شمس في أصعب لحظات حياتها، شفت انهياراتها بسبب والدها، شفت قسوته عليها، لكن المرة دي... كان في حاجة تانية، نظرة الصدمة اللي في عنيها كانت أعمق، كانت بتعبر عن جرح مش هيتداوى، حسيت إني واقف عاجز، مش عارف أعمل حاجة، أول ما شمس مشيت، جريت وراها، حاولت ألحقها، كنت سامع خطواتها وهي بتبعد بسرعة، بس مقدرتش أوصلها... ركبت تاكسي ومشيت بعيد من غير حتى ما تبص وراها، رجعت تاني لقيت نور منهارة، كانت بتعيط بانهيار هستيري، كانت مصدومة من نفسها أكتر من أي حد، كانت بتكرر جملة واحدة: "أنا خسرت شمس... أنا خسرت شمس"، أشرف كان واقف مذهول زيي، محدش فينا كان مستوعب حجم اللي حصل، نور كانت بتقول إنها مش عارفة إزاي قالت الكلام ده، وإنها مكنتش تقصد تجرحها بالشكل ده، وإن كل كلمة قالتها طلعت من غير ما تفكر... لكني بعد ما عرفت منها اللي قالته، كنت شايف إن ده مش مبرر، مهما كانت دوافعها، اللي قالته كان قاسي... قاسي أوي، أنا وأشرف مكنّاش قادرين نحكم عليها وقتها، كنا، مصدومين وحاسين بوجع شمس... وده كان كفاية عشان نسكت، فضلت واقف مكاني وأنا وحاسس بندم... بندم إني جيت أصلاً، إني شاركت في اللحظة دي.
بعد ما نور هديت شوية وصلتها لبيتها أنا و أشرف وبعدها ودّيت أشرف على عيادته، وطلعت بالعربية على بيت عمي رامي، لانه كان عازم العيلة كلها على العشا النهاردة، ومكنتش عارف أعتذر، بصراحة مكنتش عايز أروح، خصوصًا بعد ما عرفت من عمي أيمن إن ماما لسه مصممة على رفضها لشمس، و كمان آخر مواجهة بيني وبينها كانت صعبة، ومكنتش عايز يحصل مواجهة تانية خصوصاً اني سايب البيت من وقتها، فضلت أطول في الطريق على قد ما أقدر، وطول الوقت كنت برن على شمس مرة ورا التانية، مفيش رد، كنت أول مرة أحس إني عاجز بالشكل ده، إني مش قادر أوصلها ولا أطمن عليها، وفي الاخر وصلت بيت عمي، جسمي كان موجود هناك، بس عقلي كان معاها كل اللي كنت عايز أسمعه في اللحظة دي هو صوتها... بس للأسف مكنتش عارف ازاي.
أول ما دخلت، لقيت العيلة كلها موجودة، ماما كانت قاعدة وجنبها جيهان، بصيت عليهم بنظرة سريعة بعد ما سلمت علي الكل و بعدين روحت قعدت في مكان بعيد، كنت لسه بحاول أوصل لشمس بأي طريقة، برن عليها كل شوية، بس مفيش رد، ماما لحظت إني قاعد لوحدي، فقامت وجت عندي، كلمتني بحنية وحضنتني لأني كنت واحشها، وأنا كمان حضنتها، بعد شوية، قالتلي بنبرة عتاب: "لسه عامل انقلاب عليا ومش هترجع البيت؟" رديت عليها بنفس الهدوء: "مش هرجع غير لما ترجعي عن قرارك"، كانت هتتعصب وتفتح الموضوع تاني بس قطعت كلامها بسرعة وقلت: "مفيش داعي نعمل مشكلة هنا، إحنا جايين نتجمع مش نخلق مشاكل... روحي اقعدي جنب جيهان"، بصتلي شوية، وبعدها سابتني ومشيت، بصيت حواليّا لقيت الكل عينه عليّا، تجاهلت نظراتهم، ورُحت قعدت جنب صالح ورنا، وفضلت سرحان، كان واضح على وشي إني مش على بعضي، بس مكنتش قادر أتكلم أو أشرح لهم اللي حاصل، بعد ما العشاء جهز و اتلمينا كلنا حول السفرة وبدأنا، فجأة عمي رامي وسط الأكل سألني: "أحمد....أشرف عامل إيه دلوقتي؟"، السؤال ضربني زي الصاعقة... النقطة دي بالذات عندي خط فاصل، رديت عليه ببرود: "كويس"، عمي استغرب من طريقتي وسألني: " أنا بسألك أنت علشان أطمن عليه و علشان انت الوحيد اللي بتشوفه"، ضحكت ضحكة مريرة وقلت: "غريبة يا عمي إنك بتسأل عليه... مش انت اللي خرجته من العيلة من سنين؟ ومهمكش يعيش لوحده؟"، ماما حاولت توقفني وقالت: "أحمد، كفاية كده!"، بس عمي رامي قال بهدوء: "سيبيه يا نرمين... خليه يكمل"، بصيت له وقلت: "عايز تعرف إيه يا عمي؟ إنه كويس رغم إنك ظلمته؟ إنه بنى نفسه بنفسه من غير ما حد مننا يسنده؟ ولا إنه عايش لوحده لمجرد إنه اختار حاجة غير اللي حضرتك عايزها؟"، سكتت شوية، وبعدها كملت: "أشرف حضرتك خرجته من حياتك لأنه اختار يدرس الحاجة اللي بيحبها و يتجوز البنت اللي قلبه اختارها" قاطعني عمي رامي بهدوء علي غير عادته:" احمد أنا كنت عايز مصلحته"، قلت له :" مصلحة اي يا عمي، انت حرمته من لمة العيلة، حَرَمت حفيدتك من القعدة اللي إنت شايفها دي، ذنبها اي طفلة يتيمة زي دي تتحرم من أهلها، وأشرف بيربيها لوحده من غير مساعدة حد، أشرف كان محتاجنا كعيلة جنبه، بس انت منعت الكل يتعامل معاه، وفرضت عليهم قرارك"، الكل كان بيسمع كلامي و مصدوم و ساكت، بصيت لعمي رامي وأمي وكملت: "انتو فاكرين إنكم دايمًا صح، وإن أي حد يخرج برا إطاركم يبقى غلطان، بس في حاجة كان لازم تعرفوها....إحنا كبرنا، وبقينا نعرف نختار حياتنا إزاي، و من حقنا ندرس اللي عايزينه، من حق كل واحد فينا يتجوز اللي قلبه اختارها، طالما كل حاجة في إطار الصح... يبقى من حقنا نعيش زي ما عايزين"، بصيت حواليّا لقيت الكل ساكت ومصدوم، حتى ماما مكنتش عارفة تقول إيه، قمت وقفت و بصيتلهم وقلت: "أنا آسف، علي طريقتي و علي كلامي اللي قولته... بس ده اللي كان جوايا... اتمني يجيب نتيجة و اتمني ميبقاش فينا ضحية جديدة زي اشرف... بعد إذنكم"، ومشيت.
«شمس»
صحيت تاني يوم، قمت من السرير بصعوبة ونديت: "ماما!"، جات بسرعة: "نعم يا حبيبتي؟"
بصيت لها وقلت بحسم: "معلش يا ماما عايزة هدوم من أوضتي... علشان أروح الشغل.. وعايزاكي تساعديني ابدل هدومي"، ماما قالت بصدمة: "شمس! إنتي لسه تعبانة... خدي أجازة النهارده وارتاحي شوية"، هزيت دماغي بإصرار: "مش هقعد هنا، لو قعدت هفضل أفكر... ومش عايزة أفكر في حاجة"، نظرتها كانت مليانة قلق، بس أنا كنت مصممة، خرجت تجيب الهدوم وسابتني قاعدة لوحدي، مسكت التليفون لقيت مكالمات كتير من أحمد وأشرف... ولا واحدة من نور، قلبي وجعني للحظة، بس قفلت التليفون وحطيته في شنطتي، بعد ما لبست، ماما كانت مستنياني عند الباب وقالت: "خدي بالك من نفسك، وحاولي مترهقيش نفسك النهارده"، ابتسمت ابتسامة باهتة: "حاضر، متقلقيش عليا"، وصلت الشركة وأول ما شافتني سما جت عندي علطول، بصت لإيدي وقالت بقلق: "مال إيدك تاني؟"، رديت بسرعة: "اتعورت... حاجة بسيطة"، بصت لعيوني وسألت بحذر: "مالك يا شمس... عيونك مالها... انتي معيطة؟"، افتكرت العياط اللي كان طول الليل وقلت: "كنت تعبانة شوية امبارح... صداع"، فضلت باصة عليا بحزن، وحسيت إنها مش مصدقة، بس مرضيتش تضغط، وفضلت قاعدة جنبي وممشيتش من المكتب، وكأنها خايفة تسيبني لوحدي، بعد شوية الباب اتفتح، وأحمد دخل، نظرة عينيه كانت مليانة قلق وحزن، اول حاجة لفتت نظره الشاش اللي علي أيدي، قال بلهفة:" مال إيدك؟" قلت بسرعة:" مفيش.. دي جرح بسيط"، قال لسما بهدوء: "معلش يا سما... ممكن تسيبينا شوية، عايز أتكلم مع شمس"، قلت بسرعة: "معلش يا أحمد... محتاجه سما علشان نراجع الورق سوا، لازم يتسلم النهاردة"، سما بصت لنا بحيرة، بس في الآخر قعدت مكانها، أحمد فضل واقف لحظة، بس في الآخر لف وخرج وهو متضايق، سما بصت لي وقالت بحزن: "كنتي سيبتيه يتكلم يا شمس"، شدّيت نفسي وقلت بحزم: "مفيش وقت، الورق لازم يتسلم النهاردة... امسكي القلم انتي، أنا مش هعرف أكتب"، مسكت القلم، وابتدينا نراجع الشغل، وأنا بحاول أغرق في الأرقام والكلام... يمكن أنسى.
وأنا قاعدة في مكتبي، فجأة الباب اتفتح ودخلت رنا كالعادة بصوتها العالي: "بصي بقي يا ست شمس......إيه ده! إيدك مالها يا شمس؟!"، ضحكت علي رد فعلها السريع، بس ده طبيعي منها، رنا دايمًا درامية، قلت بهدوء: "مفيش يا رنا... جرح بسيط"، قربت مني وجت قعدت جنبي، بصتلي بتركيز كأنها مش مقتنعة وقالت: "بسيط إيه بس! مش باين كدا خالص....اتعورتي إزاي؟"، اتنهدت وحاولت أطمنها: "اتعورت في البيت... حاجة بسيطة متقلقيش"، هزت راسها وراحت حطت الملفات على المكتب وقالت:"أنا كنت جايبة لك الورق ده... عمي أيمن قالي أديهولك انتي، بس خلاص أنا هوديه لحد تاني، هقوله إيدك متعورة ومش هتعرفي تكتبي"، ابتسمت بخفة على طريقتها العفوية، فضلت قاعدة جنبي و بتبصلي و ساكتة، بصيت لها باستغراب وقلت: "مالك يا رنا؟ شكلك مش عوايدك يعني"، اتنهدت وقالت بحزن: "مدايقة يا شمس... أوي، امبارح كنا متجمعين... والبيت انقلب على بعضه"، بصيت لها باستغراب: "ليه؟ خير؟"، ردت بحسرة: "موضوع أشرف... هيفضل أزمة العيلة، وأحمد امبارح طبعاً ميتوصاش وقلب الدنيا علي الكل"، فضلت أسمعها وأنا ساكتة، كملت وهي بتتكلم بحزن: "بصراحة اللي أحمد قاله عنده حق فيه... أنا صعبان عليا أشرف أوي، وبنته... تعرفي إني لحد دلوقتي مشوفتهاش؟ خايفة أروح بسبب عمو رامي، بس بجد... أنا نفسي أشوف البنت... ياتري شكلها عامل إزاي؟"، اتسعت ابتسامتي وقلت بحماس: "شكلها زيك بالظبط!"، بصت لي بدهشة: "زيي؟ إزاي يعني؟"، ضحكت وقلت: "شكلها فعلاً زيك... طفلة بريئة وشقية، كلها طاقة وحياة، حتى طريقتها في الكلام... حسستني إنك انتي اللي قدامي بس أصغر"، عينيها دمعت بحنين وقالت: "إزاي شوفتيها؟ انتي قابلتيها؟"، هزيت راسي: "آه، أشرف بقى صديقي قريب... واتعرفت على لينه يوم عيد ميلادها"، عينيها كانت بتلمع من الفرحة: "بجد يا شمس؟ طب... تفتكري أشرف ممكن يوافق إني أشوفها؟"، حسيت بحماسها فقلت بحنان: "أكيد هيوافق، أشرف طيب أوي... ويمكن يكون زعلان ومجروح من العيلة، بس قلبه كبير، كل اللي عليكي إنك تستحملي أي كلمة ممكن يقولها...ومش هتخسري حاجة لو جربتي"، ابتسمت رنا ابتسامة كلها أمل:" الفكرة كلها في عمو رامي... ده رافض أن أي حد مننا يتعامل مع أشرف من زمان... حتي أخوات أشرف نفسهم ميعرفوش عنه حاجة... عمو رامي صارم اووي علينا و علي ولاده بالأخص"، بصيت لها وقت بأسف:" طيب هو كان رد فعله اي امبارح بعد ما الموضوع اتفتح؟"، قالت:" فضل ساكت متكلمش.. كلنا اصلا فضلنا ساكتين علشان ماما سهام اللي هي مامت اشرف كانت منهارة اووي.. انتي تعرفي أنها بتروح لاشرف من ورا عمي... ماهي هتعمل اي؟ ماهي ام برضو"، قلت لها:" هي الحكاية كلها علي بعضها صعبة... بس انا عندي أمل بما أن الموضوع اتفتح امبارح يبقي كل حاجة هتتحل قريب"، قالت برجاء: "يارب يا شمس....يارب".
في نص اليوم تقريباً، بلغتني سكرتيرة يوسف إنه عايزني في مكتبه هو وخالد، عرفت إن اجتماعنا أكيد ليه علاقة بالمشروع الجديد، لأن خالد ويوسف من أكفأ المهندسين في الشركة بعد أحمد، و بداية كل مشروع بيبقي من عندهم هما الاتنين، طلعت على مكتب يوسف، وكنت بحاول أظهر طبيعية رغم الألم اللي في إيدي، أول ما دخلت، لقيت خالد قاعد قدام يوسف، والاتنين منهمكين في أوراق ومخططات مرمية على المكتب، يوسف رفع عينه أول ما شافني وقال: "تعالي يا شمس... مستنيينك"، خالد لمح الشاش اللي على إيدي اول ما رفع عينه وقال باستغراب: "إيدك مالها يا شمس؟"، حاولت ابتسم وأنا برد: "مفيش... جرح بسيط"، بص لي بقلق وقال: "جرح بسيط إيه اللي محتاج شاش بالحجم ده؟"، ضحكت ضحكة صغيرة: "عادي يا خالد... حصل امبارح في البيت متقلقش"، يوسف كان مركز في الورق، بس رفع عينه وبص لي بتركيز قبل ما يقول: "لو محتاجة إجازة علشان ترتاحي، قولي و احنا هنكمل عنك"، هزيت دماغي بسرعة: "لا مفيش داعي... أنا كويسة.. يلا نبدأ"، وبدأ يوسف يدخل في الموضوع على طول وقال: "بخصوص المشروع الجديد... الوفد الإيطالي أخيراً وصل.. الميتنج هيبقي بكرا عندهم في الاوتيل الساعة 1، واحنا حددنا ميعاد العشاء معاهم الساعة 8 بليل، نركز علشان ورنا مناقشات مكثفة"، خالد هز راسه وهو بيقلب في المخططات: "إحنا شغالين على أكتر من سيناريو للتنفيذ، بس محتاجين وجهة نظرك يا شمس، خصوصًا في الجزء الخاص بالتصميمات المبدئية"، شدّيت نفسيى وقلت: "تمام... أنا كنت محضرة شوية ملاحظات، بس عايزة أعرف التفاصيل اللي وصلت لكم من التيم الإيطالي"، يوسف سحب ورقة من تحت كومة الأوراق وقال: "ده الملخص بتاعهم... بيقترحوا تعديل في التصميم لتقليل التكلفة، بس أنا مش مقتنع، حاسس إن التعديل هيأثر على الجودة"، مسكت الورقة وبصيت فيها، وخالد بدأ يشرح وجهة نظره: "المشكلة إن التعديل ده هيغير شكل الواجهة بالكامل، وممكن العميل ميعجبوش الشكل الجديد"، بدأت أفكر بصوت عالي: "طيب... لو عدلنا على الجزء ده بس من غير ما نغير بقية التصميم، ممكن نحقق التكلفة المطلوبة من غير ما نأثر على الشكل العام"، خالد ابتسم وقال: "ده اللي كنت بفكر فيه برضو... بس محتاجين نشوف حسابات التكلفة بالتفصيل"، يوسف وافق وهو بيكتب ملاحظات: "يبقى نركز على النقطة دي في مناقشة بكرة في الإجتماع، شمس، جهزي عرض توضيحي للتصميمات بالتعديلات اللي اقترحتِها، خلي سما تقعد معاكي علشان إيدك وبلغيها انتي كل التفاصيل... معلش يا شمس هنتاخر انهاردة علشان كل حاجة تكون جاهزة علي بكرا"، هزيت دماغي بالموافقة وبدأت أكتب ملاحظاتي، خالد كمل: "وهنحتاج برضو نشوف تأثير التعديل على مدة التنفيذ... علشان منبقاش بنوفر في التكلفة ونزود مدة التسليم"، قلت :" تمام هضيف كل حاجة".
اخر اليوم بعد ما اتأكدت أنا وسما إن كل حاجة جاهزة للاجتماع بكرا، قفلنا المكتب وخرجنا، كنا تعبانين، الوقت كان متأخر و يعتبر مفيش غيرنا في الشركة، وأنا خارجة معاها، فجأة شفت أحمد واقف مستنينا، قلبي اتقبض، ومسكِت إيد سما بسرعة، كإني بحاول أتحامي بيها، أحمد لاحظ الحركة دي، واتكلم وهو بيحاول يسيطر على غضبه: "سما، بعد إذنك استني تحت"، سما بصت لي بتوتر، وأنا حاولت أضغط على إيدها أكتر، بس هي سحبت إيدها بسرعة وقالت بخفوت: "هستناكي تحت يا شمس"، ونزلت بسرعة من غير ما تبص وراها، فضلت واقفة مكاني، وأحمد كان بيقرب لحد ما وقف قدامي، وحاول يخفي توتره وهو بيقول بصوت حنين: "عايز أطمن عليكي... مال إيدك؟"، حاول يقرب ويمسك إيدي، اتخضيت وبعدتها بسرعة، وعيني كانت بتهرب من عينيه سكت لحظة، وبعدين قال: " أنا آسف مقصدتش... طيب تعالي... نتكلم براحة"، سكت ومقدرتش أرفض، مشينا لحد الريسبشن وقعدنا، كنت حاسة بالدموع بتلمع في عيني، بس كنت بعافر علشان متنزّلش، أحمد قعد قدامي وقال بصوت واطي:
"أنا آسف يا شمس... صدقيني والله لو أعرف أن كل ده هيحصل امبارح مكنتش جيت ولا كلمت نور"، كلماته هزتني، ودموعي قربت تنزل، أحمد كمل: "مش عايزة تحكيلي في إيه؟... ليه بتقسي عليا و علي نفسك كدا؟... ليه عنيدة اووي كدا؟....أنا عارف انك قوية بس مكنتش متوقع أن قوتك دي ممكن تبقي علي قلبي كمان"، سكت لحظة و بعدين قلت: "أنا مش عنيدة يا أحمد...ولا قوية.... أنا... أنا تعبت"، عيني كانت بتهرب من عينيه، وأنا بحاول أخفي رعشة صوتي: "أنا... أنا عارفة إن المشكلة فيا... إن كل الناس بتبعد عني بسببي... حتى نور... مش بلومها... هي عندها حق... أكيد المشكلة فيا... أكيد أنا السبب"، بصيت له بعينين مليانة ألم واستسلام: "يمكن... يمكن علشان أنا حد وحش... يمكن علشان فيا حاجة غلط... الله اعلم"، صوتي كان بيتكسر وأنا بقول: "أنا هعيش وحيدة طول عمري... ف ارجوك متحاولش"، الكلمات كانت زي السكاكين، بتقطع في قلبي قبل ما تجرحه، كنت حاسة إني بتعرّى قدامه، بظهر على حقيقتي الضعيفة المكسورة، أحمد كان باصص لي بصدمة وحزن، وعينيه كانت بتلمع شاف إيدي وأنا بضغط عليها بعنف، والشاش كان متغرق دم، قال بقلق وبسعرة و هو بيفكر ايدي: "شمس... إيدك!"، بصيت على إيدي وشفت الدم، بس كان شعور الألم في قلبي أقوى بكتير، فقلت ببرود مستسلم: "مفيش حاجة... عادي... هغير عليها لما أروح"، لكنه رفض بحزم: "لا... مش هينفع غير شكل الغرز فكت تعالي معايا"، أخدني ونزلنا بسرعة، لقينا سما مستنيانا، ولما شافت الدم اتوترت، لكن أحمد قال لها بهدوء: "يلا بينا على المستشفى"، في المستشفى، قعدت الممرضة تغير على الجرح، وأنا حسيت بكل وخزة في إيدي، بس كان الألم جوايا أقوى بكتير، أحمد كان واقف جنبي، وعينيه مليانة حزن وألم، وبعد ما خلصنا، حاول يعرض يوصلنا: "هوصلكوا انتي وسما"، هزيت دماغي برفض: "مش لازم... هنروح لوحدنا"، ورغم إصراره، أخدت سما ومشيت.
يتبع....
الحكاوي في نهايتها🤏🏻🥺
قولولي توقعاتكم للقادم🤍
#بارت_36_عناد_خاطئ
#حكاوي_أبوية_مُرة
#دراما_نفسية
#دراما_إجتماعية