رواية راما الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسماعيل موسي
#راما
٢٥
لم يكن هناك شيء درامي في الأيام التالية. لم تكن هناك لحظة فاصلة، لم يكن هناك انتصار ساحق أو انهيار مفاجئ.
فقط الاستمرار.
جين تستيقظ كل صباح، تغسل وجهها، تحضر قهوتها، ثم تخرج.
لم تعد تتحدث كثيرًا، لكنها أيضًا لم تعد صامتة تمامًا. أصبحت تشعر أنها تتحرك بين العالمين—عالم راما وآدم الذى تحاول أن تهرب منه وعالمها الجديد الذي لم يُفتح لها بعد.
في إحدى الأمسيات، عندما عادت إلى الشقة، كانت راما في غرفة المعيشة، جالسة على الأريكة، تتصفح هاتفها، قدمًا فوق الأخرى.
بمجرد أن رأت جين، رفعت عينيها ببطء، ثم قالت بنبرة خفيفة:
"أنا بجد مش فاهمة، بتتعبي نفسك على إيه؟ عندك كل حاجة هنا. بيت، راحة، حتى آدم بقى متفاهم معاكي."
توقفت جين أخيرًا، التفتت ببطء لتنظر إلى راما عيناهما التقتا للحظات.
ثم قالت جين بصوت هادئ، لكنه قاطع:
"وإنتي، إيه اللي يخليكي متضايقة من ده؟
لم تكن من عادة جين ان تدخل فى نزاعات تعتبرها سوقيه لكنه كيلها كان قد طفح ولم يعد لديها مقدره على الكتمان
دى حياتى الخاصه راما وزى ما انا مش بتدخل فى حياتك ولا بطلب منك انك تقعدى فى الشقه وتسيبى شغلك لأن زى ما أنتى شايفه معدتك أصبحت مثل جالون ميه
شغلى يا جين؟
انتى بتقارنى شغلك بشغلى؟
انا دكتوره جامعيه، دى أعلى درجه علميه فى البلد
لكن شغلك هيكون ايه؟
سكرتيره؟
موظفه اداريه فى شركه رخيصه؟
جين لم تبتسم، لم ترد، فقط استدارت وأكملت طريقها إلى غرفتها، لكن الشعور لم يغادرها.
راما لم تكن تحاول فهمها، راما كانت تحاول إبقاءها هنا.
في اليوم التالي، جين تلقت مكالمة،كانت مقابلة العمل الأخيرة قد نجحت.
لأول مرة منذ وقت طويل، شعرت بشيء يشبه الأمل.
لكنها لم تقل شيئًا لآدم أو لراما. لم تشاركهم الخبر.
احتفظت به لنفسها، كما لو كان كنزًا صغيرًا، كما لو كانت تخشى أن يختفي إن نطقت به بصوت عالٍ.
لكنها عرفت شيئًا واحدًا.
كان هذا التغيير حقيقيًا، وكان سيحدث، سواء أرادت راما ذلك أم لا
وان راما لن تصفى لها مهما حاولت أن ترضيها
شيء اخر هناك شيء داخل جين كان يرغب بالقتال
في الصباح، استيقظت جين قبل الجميع، كالعادة. لكن هذه المرة، لم تقف على حافة السرير تتأمل الجدار الفارغ، لم تبكى على حياتها الضائعة
نهضت بخفة، وكأن الهواء صار أقل ثقلًا.، اليوم كان مختلفًا اليوم ستبدأ العمل.
ارتدت ملابسها بعناية، رتبت شعرها، ثم خرجت من الغرفة في المطبخ، كانت راما تجلس تحتسي قهوتها، ترفع حاجبًا عندما رأت جين بكامل أناقتها.
"رايحة فين؟"
جين لم تتوقف، تناولت حقيبتها بهدوء، ثم ردت دون أن تنظر إليها:
"عندي شغل."
للحظة، لم تقل راما شيئًا. ثم وضعت كوبها ببطء، مالت بجسدها للأمام قليلًا وقالت بصوت هادئ:
هو انتى لقيتى شغل؟ وكانت نبرتها ساخره
هذه المرة، توقفت جين عند الباب، التفتت لتنظر إلى راما مباشرة
اه شغل فى شركه رخيصه على قد حالى ،ثم خرجت، مغلقة الباب خلفها.
الهواء في الخارج كان باردًا، لكنه لم يكن قاسيًا.
جين مشت بخطوات ثابتة، لكن قلبها كان ينبض بسرعة. لم يكن الخوف، لم يكن التوتر، كان شيئًا أقرب إلى الحياة تعود إلى جسدها ببطء.
لم تكن تعرف ما الذي ينتظرها في هذا العمل الجديد، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا، لن تعود كما كانت.
في المساء، عندما عادت، وجدت آدم يجلس في غرفة المعيشة، هاتفه في يده، لكنه لم يكن ينظر إليه.
كان ينتظرها.
عندما دخلت، رفع عينيه ببطء، تفحص مظهرها، ثم قال بهدوء:
"كيف كان يومك؟"
لأول مرة منذ وقت طويل تشعر ان نبرته ودوده، ابتسمت جين ابتسامة صغيرة، لكنها حقيقية.
"كان جيدًا."
آدم لم يرد فورًا، فقط أومأ، وكأنه يستوعب الأمر، ثم قال بصوت منخفض:
"أنا مبسوط عشانك "
هذه الكلمات، رغم بساطتها، جعلت شيئًا في قلب جين يهدأ
لم تكن وحدها تماما وراح عقلها يعمل بطريقه جد غريبه
احقا يعنى قوله؟
_______
٣٤
كان الجو باردًا في الخارج، والمطر بدأ يهطل برفق، يرسم خيوطًا شفافة على زجاج النوافذ جين دخلت الشقة، أغلقت الباب بهدوء، ثم خلعت معطفها المبلل.
آدم كان في المطبخ، يسكب القهوة في كوبين، عندما التفت ورآها، رفع حاجبه قليلاً.
"اتأخرتِ النهارده."
لم يكن في صوته عتاب، فقط ملاحظة عابرة، لكنها حملت في طياتها شيئًا دافئًا.
جين اقتربت منه، نظرت إلى الكوبين ثم إليه، وكأنها تحاول فك شفرة هذا المشهد.
"كنت مستنينى ؟"
آدم لم يرد فورًا، فقط أعطاها الكوب الثاني. "اتفضلي."
أخذت القهوة وجلست على الطاولة، شعرت بدفئها في يديها، لكنها لم تشرب فورًا.
"يومك كان عامل إيه؟" سأل بصوت هادئ.
جين، التي لم تكن معتادة على هذا النوع من الأسئلة منه، نظرت إليه للحظة قبل أن ترد.
"كان طويل شوية، بس كويس."
أومأ آدم، ثم ارتشف قهوته، وكأن المحادثة لم تنتهِ بعد. وبعد لحظة من الصمت.......