رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم شمس حسين


 رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم شمس حسين


دخل من الباب بخطوات تقيلة، وكأنه شايل جبل على كتافه، لكن عينيه بتقول إنه لسه متشبث بكبريائه مهما كانت الضربة اللي أخدها، وشه مش هو الوش اللي كان زمان بيخوفني، لكن معالمه متحجرة، لا خجل ولا ندم ظاهرين عليه، نظرة عينه فيها محاولة يائسة إنه يبين إن كل حاجة عادية، وكأن القيد اللي في إيده مجرد إكسسوار.. حسيت بحاجة خانقة في صدري وأنا قاعدة هناك، مش قادرة حتى أبلع ريقي، كل حاجة حواليا بقت ضباب، إلا هو…فضلت مثبته عيني عليه، رغم إني كنت بتمنى أقدر أبص بعيد، لكن مفيش مهرب، عقلي بدأ يعرض شريط ذكريات كامل... مشهد ورا مشهد كأن حد قاعد يقلب في كتاب حياتي بالغلط، كنت قاعدة و شايفه قدام عيني كل لحظة اتوجعت فيها، كل مرة حسيت إني مش مرغوبة، كل كلمة جارحة خرجت منه ليا، وكل نظرة كانت كافية تحسسني إني أقل من أي حد في الدنيا، الهوى كان تقيل بيننا، صمت خانق مالوش تفسير، كل ده عدى في ثانية واحدة، لحظة صمت بيننا كانت مليانة بكل اللي مقدرش يتقال طول السنين اللي فاتت، كان واقف قدامي وأنا بحارب نبضات قلبي اللي بتدق بغضب، قهر، ووجع مكتوم.







بعد لحظات قعد قدامي وهو رافع رجل على رجل، عينيه فيها تحدي كأنه في موقف قوة مش قاعة زيارة في سجن، بص لي بنظرة تقيلة وسألني بصوت جاف فيه بعض السخرية: "إيه؟ جاية هنا ليه؟ جاية تشمتي فيا؟"، حاولت أتماسك رغم رعشة صوتي والدموع اللي كانت على حافة عيني بتحارب عشان متخرجش، و رديت وأنا بحاول أبان ثابتة: "لا... جاية علشان أساعدك"، ضحك ضحكة عالية صوتها كان بيدوي في المكان، وقال بسخرية قاطعة: "إنتي؟ إنتي اللي هتساعديني؟"، ضحكته كانت زي ضربة مباشرة على قلبي، هزّتني من جوة، وقبل ما أرد، كمل بنفس النبرة: "ما طبيعي... لازم تقولي كدا، مانتي دلوقتي بقيتي حاجة كبيرة، مهندسة معروفة، شركتك بتتكلم عن نجاحك وصورك مالية كل الأخبار، بتطلعي في برامج والناس شايفة فيكي قصة نجاح ملهاش زي"، فضلت ساكتة، عيني لسه مثبتة عليه، مش عارفة أرد إزاي، كل كلمة منه كانت تقيلة عليا بشكل غريب، لقيته كمل وقال: "طول عمرك كده... مهما كنت بحاول أوقعك، كنت بتقومي، كنت أعمل كل حاجة عشان تخسري وتفشلي، بس دايمًا بتعاندي وبتنجحي، عايزة اعرف فيكي إيه زيادة عني؟ ليه مش زيي؟ ليه كل مرة بتفضلي واقفة علي رجلك؟ ليه دايمًا أحسن مني؟ ليه جاية دلوقتي تساعديني بعد كل اللي عملته فيكي؟ ليه؟"، صوته كان غريب، مليان حاجة ما بين ندم وغيرة، مشاعر عمرها ما ظهرت قدامي منه قبل كده، حسيت إن الأرض بتتهز تحت رجلي، عقلي بيحاول يستوعب اللي قاله، لكن كل اللي قدرت أعمله إني فضلت ساكتة... لأن السؤال فعلاً مالوش إجابة.


بعد لحظة صمت فجأة رفع عينيه وبص لي بنظرة مليانة غضب مكتوم وسخرية جارحة، وقال بصوت تقيل زي الحجر: "كنتي دايمًا بتسألي... ليه بعاملك كده؟ ليه مبحبكش؟ أهو جيه الوقت اللي لازم تعرفي فيه"، كلامه وقع عليا زي الصاعقة، حسيت برجفة في جسمي، وحاولت أهز دماغي بعنف، عايزة أوصّله إني مش جاية عشان كده، والله مش جاية عشان أحفر في الماضي، لكن مفيش فايدة... هو كان خلاص قرر يتكلم.


هز رأسه وبدأ يحكي بنبرة كلها وجع وغضب مكبوت: 

"أبويا كان الكبير وسط إخواته، كان شاب كل اللي حواليه بيشاوروا عليه إنه القدوة، واللي هيشيل اسم العيلة بعد أبوه، كان بيحب بنت عمه «سماح» حب مالوش وصف من وهما صغيرين، ولما كبروا اتجوزها، وعاش معاها عشر سنين بس خلال المدة دي كلها مخلفوش، لفوا على الدكاترة، جرّبوا كل حاجة، لكن مفيش فايدة، كان إخواته كلهم اتجوزوا وخلفوا، وكل شوية واحد منهم يجيب عيل جديد، وأبويا لا، كان شايل الهم، مش بس علشان نفسه، لأ علشان جدي وستي اللي كانوا مستنيين حفيد يشيل اسم العيلة منه هو تحديداً، الابن الكبير بقي، لما طولت الحكاية، قرروا يجوزوه تاني، هو كان رافض، علشان بيحب «سماح»، ومش عايز يوجعها، لكن جدي غصب عليه، وبعد محاولات كتير وافق"


"كان في عيلة ساكنة في الحارة عندهم، ناس غلابه جاية من الصعيد، وملهمش حد هنا، وعندهم بنت واحدة بس إسمها «إلهام» .... جميلة وأدبها عالي، كانت عاجبة ستي اووي و علشان كدا قررت إنها تكون العروسة لابويا، اتجوزها أبويا غصب عنه، وعدت سنة ورا سنة وبرضو مكانتش بتحمل زي سماح، طبعاً ده كان مفرح سماح جداً، وكان سبب في أنها كل يوم تقوي أبويا عليها علشان يطلقها، لكنه مقدرش بسبب جدي وستي اللي كانوا متمسكين بيها خصوصاً أن مبقاش ليها حد بعد وفاة ابوها و امها"


"«إلهام» فضلت 5 سنين عايشة في ذل... خدامة في البيت بلقمتها، أبويا كان بيدوقها جميع أنواع الذل اللي في الدنيا كله، وهي كانت مستحملة علشان ملهاش حد، لحد ما في يوم «سماح» حملت، الفرحة مكانتش سايعة البيت كله وخصوصاً ابويا، وبعد 9 شهور خلفت توأم ولاد، وبقت هي الملكة، و«إلهام» زاد عذابها في البيت اكتر، و عدت سنة و «سماح» حملت تاني، وخلفت المرة دي بنتين توأم، البيت كله كان بيحتفل بيها، و«إلهام» بقت مجرد ظل محدش بيشوفه إلا لما يحب يذله"







"وبعد 7 سنين تانيين، «إلهام» تعبت و ستي اخدتها للدكتور و اكتشفوا إنها حامل، الصاعقة نزلت على أبويا اول ما سمع الخبر، مكانش عايز منها عيال، كان مكتفي بولاده من «سماح»، وقرر ينزل الحمل، طبعا وقتها ستي رفضت، بس «سماح» كانت بتقويه عليها ومكانتش عايزة الولد هي كمان، علشان كدا كان أبويا بيضربها كل يوم، بكل الطرق اللي ممكن تخليها تسقط، لكنها برضو مسقطتش، و فضلت صامدة لحد ما خلفت ولد... واتسمي حسين... و الولد ده يبقي أنا".


سكت لحظة، وكأن الكلام كان بيخنقه وهو طالع من صدره، عينه كانت بتحكي وجع سنين، أنا كنت قاعدة قدامه، جسمي متخشب وكأن الأرض بتتكسر تحتي، مصدومة من اللي بسمعه، قلبي بيدق بشكل مخيف، ودموعي محبوسة جوا عيني، بتتحايل عليّا تنزل، كان بيحكي وملامحه متحجرة، لكن في لمعة مش مفهومة في عينه، و كأنه فجأة رمي القناع اللي كان لابسه ووراني إنسان تاني، كل كلمة قالها كانت زي طعنة جوه صدري، وكأن سنين الألم اتجمعت في اللحظة دي عشان توجعني أكتر، كان باين من ملامحه إن الكلام اللي جاي تقيل.... تقيل لدرجة يخنق أنفاسه، أخد نفس عميق ورجع يكمل بصوت مبحوح: 

"كبرت وأنا شايف الظلم بعيني، إخواتي بياخدوا الحب والاهتمام، وأنا مكاني دايما بره الصورة.... مجرد ظل مالوش قيمة، حتى أمي اللي كانت أحن مخلوق في حياتي مكانتش بتقدر تحميني منه.... كانت هي كمان ضحية زيها زيي، صوتها وهي بتتوجع من ضربه لسه بيرن في وداني، فاكر  في ليلة وأنا لسه صغير... حاولت أحميها لما مسكها وكان بيضرب فيها قدامي، جريت عليه بكل اللي فيا من شجاعة طفل صغير، لكن قبضته كانت أقوى، ضربني لحد ما وقعت على الأرض، أمي رمت نفسها عليا علشان تحميني بجسمها، لكنه فضل يضرب فينا احنا الاتنين لحد ما تعب، و سابنا منهارين ومشي وكأن مفيش حاجة حصلت، كنت أقعد بعد كل مرة بيضربنا فيها في ركن الأوضة وأراقب أمي وهي بتمسح دموعها كانت دايما تقولي تقول لي: "معلش يا حسين... بكرة تكبر وتبقى أقوى و تخلصنا من اللي احنا فيه"، لكن الحقيقة؟ كنت بحس إن كل ليلة بتتكسر مني حتة، لحد اما مبقاش في حيل للحلم حتى"


"عمره ما شافني طفل يستحق تعليم أو اهتمام، لما كنت أطلب أروح المدرسة زي إخواتي، كان الرد هو الضرب... لحد ما بطلت حتى أطلب، كنت بقف قدام الشباك أتفرج علي اخواتي و ولاد اعمامي وهما رايحين مدارسهم وأنا واقف مكاني زي تمثال مالوش حق في الحياة، حتي يوم العيد اللي كل العيال كانت بتستناه، أنا مكنتش بحبه يجي، لأن الكل بيبقي فرحان بلبسه الجديد والعيديات و أنا كنت ببقي واقف على جنب... طفل منكسر هدومه قديمة، و العيال بتتريق عليه، فاكر مرة لما حاولت أخد حقي زيهم؟ و وقفت مع اخواتي و ولاد عمي قدام أبويا في العيد علشان يديني عيدية، وزع على الكل، ولما جه عندي مد إيده واداني ربع جنيه مصدي، الضحك ملأ المكان.... كل العيال كانوا بيتريقوا عليا وأنا واقف مكسوف و دموعي في عيني، رميت الفلوس في الأرض قدامه، وقتها بص لي بنظرة نار، وهجم عليا قدام الناس كلها... ضربني لحد ما وشي ورجلي ما بقوش قادرين يتحملوا، أمي جريت عليا، حاولت تشدني من تحته... لكنه نقل الضرب عليها، فضل يضرب فيها، والعيلة واقفة بتبص بس محدش جرؤ يقرب، كانت بتصرخ وأنا مبقتش قادر أتحرك... كنت مجرد جسد ممدد على الأرض بيشوف أمه بتموت قدامه، فضل يضرب فيها لحد ما نفسها انقطع الناس ساعتها كانوا واقفين عاجزين، وبعد يومين... ماتت، ماتت وهي بتاخد الضرب اللي كان المفروض يكون ليا، ماتت علشان كانت بتحميني من أبويا".


بصلي بعينين غرقانين في دموع حاول يخبيها طول عمره، كان صوته مليان قهر و ذكريات بتنهش فيه، وانا كنت منهارة و مصدومة من اللي بسمعه، مكنتش مصدقة، معقول الاب اللي كان طول عمره رمز للقسوة بقي فجأة طفل صغير بيعترف بألم سنين طويلة؟!.


كمل حكايته وقال:

"بعد ما أمي ماتت... الدنيا بقت ضلمة في ضلمة، كنت طفل صغير، بس كنت شايف كل حاجة قدامي واضحة، مبقاش في حد بيحميني منه، كنت لوحدي معاه، مع الوحش اللي كان أبويا، كان بيشوفني زي العدم، مفيش في قلبه حاجة غير القسوة، بس مكانش حد بيشوفنا، كل العيلة كانت مشغولة بحياتها، وأنا كنت ضايع في وسط الجرح والدموع، كنت عايش تحت رحمة الضرب والشتايم، لحد ما جه يوم ما مات، يوم كنتي مستنيه بفارغ الصبر، كنت حاسس إن حياتي هتبدأ من تاني، يوم ما مات، حبيت الموت أكتر من أي حاجة، لأنه كان هو السبب في كل آلامي، في كل ليلة ضايعة، في كل حلم تحطم، حسيت بشعور مكنتش اتخيل إن عندي القدرة إني أحس بيه... فرحة، فرحة عن نهاية لعمر مليان بالألم، عن بداية جديدة مليانة بأمل مش قادر أفسره، كنت زي طفل رجع له حلمه المفقود، رجع له حقه اللي ضاع منه، كنت شايف الدنيا أول مرة بعيون بريئة، كأن الضوء رجع ليها بعد ما كان مغشي عليها".







كنت باصّة في عينيه وحاسة بشيء غريب، فرحة هستيرية كانت طالعة من عينيه، مش قادر يخفي الفرحة اللي مليّاه، وكأنّه بيعيش لحظة موته أبوه تاني قدامه، فجأة قطع شرودي فيه وكمل:

" كنت متأكد من أن حياتي هتتغير بعد ما أبويا مات، و فعلاً ده حصل، أعمامي كانوا موجودين وقت توزيع الورث، وهما اللي خلوا ميبقاش في تفرقة بيني وبين إخواتي، كله كان بالتساوي، زي ما المفروض يحصل، فضلت عايش مع إخواتي في نفس البيت، وبقيت أشوف فيهم حاجة مختلفة، كانوا بيعاملوني معاملة كويسة، عكس اللي كنت بشوفه منهم وقت أبويا، كانوا دايمًا جنبي، بيشجعوني، ويقفوا معايا في كل خطوة، ومع مرور الوقت، لما كل واحد منهم اتجوز، كانوا بيقولوا لي: "إحنا لازم نجيبلك عروسة عشان تبدأ حياتك زي ما كلنا بدأنا حياتنا"، فرحت وقتها إني هعيش زيهم و إن حياتي هتبدأ من نقطة جديدة، وهكون مطمئن، مش محكوم بالماضي اللي فات".


"بعد ما قرروا يجيبولي عروسة، بدأوا يدوروا على عيلة محترمة، عيلة كبيرة، و قد كان، جابولي بنت من عيلة كبيرة فيها كل الصفات اللي أي حد بيحلم بيها، كانت بنت متعلمة، وأدبها واخلاقها على مستوى عالي، وجميلة كمان، مكنتش قادر أصدق لما قالولي عليها، الموضوع في البداية كان صعب، لأن أهلها مكانوش موافقين، كانوا شايفين إني مش مناسب لبنتهم، بس بعد ما روحت وقابلتهم، وبدأوا يسألوا عني، قالوا ده غلبان، يتيم، أنا وقتها مكانش عندي حاجة تخليني أغريهم غير المال، لكنهم مكانوش مهتمين بيه، كانوا شايفينني شخص بسيط، طيب، مش فارق معاهم أنا معايا كام، و وافقوا أخيراً عليا، وبعد ما تم الاتفاق واتخطبنا، حياتي معاها كانت أروع حاجة ممكن اتخيلها، عيشت معاها طول فترة الخطوبة، أجمل قصة حب، كل لحظة كنت بعيشها معاها كانت بتحسسني إني في حلم، كنت حاسس إن أخيرًا ربنا رتبلي حياتي زي ما كنت بحلم، كانت دايمًا بتدعمني، وكنت أنا متأكد إن أنا لقيت في قلبها كل حاجة كنت مستنيها، العلاقة بينا كانت مليانة احترام، حب، وتفاهم، وأنا كنت عارف إن دي البداية لعمر جديد كله سعادة، كانت أمك هي «أمل» عمري".


"بس بعد الجواز... حاجات كتير اتغيرت، أو يمكن أنا اللي اتغيرت، فجأة بقيت مش قادر أتحكم في أعصابي، حاجات صغيرة كانت بتستفزني، وبقيت أشوفها أقل من اللي كنت بشوفه فيها، كانت كل اما تضحك أو تحاول تقرب مني، أفتكر أمي وهي بتحاول مع أبويا، وأفتكر نظرة الانكسار اللي في عينيها، كنت بحس إني لازم أثبت نفسي، أكون الطرف الأقوى... زي ما أبويا كان بيحاول يثبت علطول إنه المسيطر، ومع الوقت، من غير ما أخد بالي، بدأت أعاملها نفس المعاملة اللي كنت بكرهها في أبويا، كأني بقيت نسخة منه، والصوت اللي كنت بحاول أهرب منه جوايا بقى هو اللي بيخرج أول لما يحصل خلاف بينا، كان فيه لحظات براجع نفسي فيها وأقول: إنت بتعمل إيه؟ ده مش إنت... بس كنت أرجع تاني وأفشل في الهروب من العقدة اللي سابت جرح عمره ما التئم، مكنش في حاجة تمنعني وقتها إني أكون أسوأ نسخة من نفسي، كل اللي شفته في حياتي من ضرب وشتيمة وإهانة كان بيتكرر بس المرة دي كنت أنا اللي في مكان أبويا وهي في مكان أمي، كنت فاكر إني عمري ما هطلع زيه، بس الحقيقة طلعت نسخة أسوأ، كل مرة أهلها كانوا بياخدوها مني بعد اللي عملته فيها، كانت بترجع برجليها، عشان كانت مصدقة فيا أمل ميت، مصدقة إني ممكن أتغير، بس أنا؟ أنا كنت غرقان في غضبي، مش شايف غير صورة واحدة... أبويا اللي كان بيدوس على أمي وأنا صغير، وكأني لازم أعيد نفس المشهد كل يوم، لحد ما جت اللحظة اللي عرفت فيها إنها حامل فيكي... كنت عايز أخلص من الحمل ده بأي طريقة، كنت عارف إني مش هقدر أكون أب كويس، مكنتش عايز طفل يدوق نفس المرار اللي دقته، كنت عارف إن مفيش خلاص مني... مفيش تغيير، كنت بضرب فيها بكل قوتي علشان تموتي قبل ما تتولدي، بس انتي كنتي عنيدة و مصممة تيجي علي الدنيا، وفجأة كل حاجة تصاعدت بسرعة، أهلها وقفوا قصادي أخيرًا، وقاموا بينا للطلاق عشان ينقذوها من إيدي، ساعتها حسيت إنهم سحبوا مني الفرصة اللي أنا مستاهلهاش".







"بعد طلاقي من أمك، كنت فاكر الدنيا هتقف، بس لأ... إخواتي كانوا أول ناس فرحانين باللي حصل، كانوا مستكترينها عليا، شايفين إني ماستاهلش واحدة زي «أمل»، وبعدها بفترة قصيرة، لقيتهم جايبين لي عروسة جديدة، في البداية مكنتش طايق الفكرة، كنت فاكر إني خلاص مش نافع لا لجواز ولا لعيلة، بس لما قابلتها، حسيت إني قدام نسخة قوية من مرات أبويا... «سماح»، وهي «حكمت»، كانت قوية نفس طريقتها، مبتسمحش لحد يتعدى حدوده معاها، وقفت قصادي، ومكنتش قدها، وبدل ما أنا اللي أسيطر عليها زي ما عملت مع أمك، هي اللي سيطرت عليا بحكمتها وقوتها، ومع الوقت، لقيت نفسي بتغير من غير ما أحس، اتحولت لنسخة تانية... النسخة الكويسة اللي أبويا كان بيطلعها مع «سماح»، بقيت أحبها وأعمل لها ألف حساب، وأحاول أرضيها بدل ما أذيها، وأجمل لحظة في حياتي؟ يوم ما شلت بنتي مرام بين إيديا لأول مرة".


كنت قاعدة قدامه، وكل كلمة بتخرج منه كانت زي سكين بيقطع في قلبي، كلامه عن أمي صدمني، مكنتش قادرة اصدق أنها اتحملت كل الوجع ده، حسيت كأني وقعت في حفرة مالهاش آخر، مكنتش عارفة أتعاطف معاه ولا أكرهه أكتر... بس الحاجة الوحيدة اللي كنت متأكدة منها، إني مش هنسى، مسحت دموعي بسرعة و قلت له بهدوء:" طيب وانا؟"، أول ما سمعني، لقيته مسح دموعه اللي علي وشه، و عدل قعدته، و رفع رأسه وبدأ يتكلم ومفيش أي ذرة ندم في صوته، كلامه كان ماشي في اتجاه واحد، كأنه بيحكي عن إنجازاته، مش عن جرائمه، بصته ليا كانت باردة، وكأنه بيحاسبني بدل ما يعترف بظلمه ليا و قال وهو بيبصلّي من فوق لتحت: 

"عمري ما قدرت أحبك، ولا حتى فكرت، إنتي كنتي نقطة سوداء في حياتي، كل ما كنت بشوفك كنت بفتكرني وانا صغير، بفتكر ايام العذاب اللي عشتها مع ابويا و بتحول تلقائي زيه، كنت عايز ادوقك نفس اللي أنا دوقته، علشان تبقي زيي، وأثبت للكل اني مش وحش و أن أي حد اتعرض للي أنا اتعرضتله هيبقي كدا، بس للأسف فشلت، حاولت أحرمك من التعليم، لكن أمك؟ لأ، أمك كانت واقفة زي الحارس ليكي، بتدافع عنك وبتديكي كل اللي أنا اتحرمت منه، علي عكس أمي كانت ضعيفة، مالهاش كلمة ولا ليها حد يقف معاها، وأنا كنت زيها... مسحوب مني الكرامة، بس انتي؟ لأ، كنتي غير، كل مرة كنت بحاول أكسرك وأوقعك، ألاقيكي بتقفي على رجلك تاني وبتبقي أقوى، كنتي بتكبري غصب عني، وده كان بيوجعني أكتر، الناس كلها بتتكلم عنك... شمس الناجحة، اللي بتتقال سيرتها بكل فخر، وده كان بيقهرني... علشان أنا كنت عكسك تمامًا، أنا الناس كلها كانت بتتريق عليا، عايزاني إزاي ما أكرهكش؟ كنت كل مرة أشوفك بحس إنك بتفضحيني من غير ما تنطقي، كل محاولة منك للنجاح كانت طعنة ليا، و فوق ده كله النتيجة..... لسه نقية، لسه قلبك زي ما هو، متحولتيش لنسخة مني معرفش إزاي؟ أنا حاولت أدوس على كل حاجة حلوة فيكي... لكن فشلت، فشلت لحد ما وصلت للحظة دي و انتي داخلة عليا علشان تساعديني، أنا مش عايز مساعده منك، أنا هفضل طول عمري شايفك قليلة، مفيش حاجة هتعمليها هتغير نظرتي ليكي".







فضلت قاعدة مكاني، حاسة بجسمي كله بيرتعش وأنا بسمع الكلام اللي بيقوله، مكانش مجرد كلام، كان كأنه بيطلع وجع سنين دفنه جوا صدره، وأنا... أنا كنت الضحية اللي اتحملت كل ده، إيدي كانت بترتعش، حاولت أضمها على بعض عشان أتحكم في نفسي، بس قلبي كان عمال يدق بطريقة توجع، كلامه كان زي السكاكين، لتاني مرة بسمع منه اعترافه أنه مبيحبنيش، الوجع اللي كنت حاسه بيه المرة دي كان مختلف، مش عشان بس اللي حصله، لا... عشان اكتشفت إن حياتي كلها كانت عبارة عن عقاب على حاجة ماليش فيها أي ذنب، بلعت ريقي بصعوبة وطلعت مني الكلام من غير ما أفكر: "كل ده... عشان كنت مظلوم؟ عشان اتحرمت من أمك؟ كنت بتعاقبني على وجعك؟"، هو مردش، فضل ساكت، وملامحه فضحت كل حاجة كان مداريها، اتنفست بصعوبة، وقلت بصوت مكسور بغضب مكتوم: "كنت فاكرة طول عمري إنك بتكرهني، وإن مفيش في قلبك غير القسوة ليّا... بس النهارده عرفت حاجة أوجع بكتير، عرفت إنك كنت بتصب وجعك فيا بدل ما تواجهه، ليه؟ ليه أنا؟ ليه محاولتش تبقى أبويا بدل ما تبقى نسخة من اللي أذاك؟"، كان بيحاول يمسك نفسه، بس عنيه كانت بتحكي حاجات أكتر من أي كلام، قلت له بصوت مخنوق:" أنت كنت فاكر إن تعاملك معايا بالطريقة دي هو اللي هيخليك تنتصر؟ كنت فاكر إن تكسيرك ليا هيصلح اللي اتكسر جواك"، قمت من مكاني، بصيت له وأنا قلبي بينفطر بين القوة والوجع: "عارف يا بابا... أنا مش هقدر أقول إني سامحتك، مش عشان مش عايزة، لكن لأن الوجع اللي جوايا محتاج وقت... يمكن كتير... بس اللي أقدر أوعدك بيه إني مش هكرر اللي عملته فيا... مش هورّث الوجع ده لحد تاني.... انت انتهى دورك في إني أعيش مظلومة بسببك"، لفيت وكنت ماشية للباب، لكن رجعت بخطوة وقلت بصوت هادي بس ثابت: "ربنا يسامحك... لو قدرت تسامح نفسك"وسبت المكان، ودموعي مغرقة وشي وأنا ماشية... بس لأول مرة حسيت  بشيء بيتحرر جوايا، وكأني بخرج من سجن ماضيه اللي حبسي فيه سنين طويلة. 

 

عايزة اعرف مين اتعاطف مع أبوها و مين لاء؟♥️

هل اللي حصل لابوها مبرر لكرهه ليها؟

اي رأيكم في أنه برضو لسه بيكرهها لحد الان؟

#بارت_31_المواجهة_الاخيرة_ذنب_ما_ارتكبتهوش

#حكاوي_أبوية_مُره

#دراما_نفسية

#دراما_اجتماعية

          

           الفصل الثاني والثلاثون من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×