رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم شمس حسين


 رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم شمس حسين


«أحمد نجم»

وصلت تانى يوم الشركة وانا متاكد خلاص انها افتكرتنى، مكنتش متخيل تعاملها معايا هيكون ازاى بعد كدا، لأن فكرة إن مديرها في الشغل شافها داخلة عيادة نفسية ممكن يكون موقف حساس بالنسبة لها، علشان كدا كنت مقرر اوصل لها إن الموضوع مش مهم، ولا فارق إذا كنت شفتها أو لأ، وإننا مجرد اتنين اتقابنا في نفس المكان، وان كل واحد عنده مشاكله الخاصة، كان هدفى أنى أتصرف كأن محصلش حاجة، وإن اللي حصل كان مجرد موقف عابر، ومش فاكره، وده علشان تكون مرتاحة في تعاملها في الشغل وتلغي أي توتر ممكن تحس بيه، أول ما طلعت كنت بدور عليها بعيني طول الوقت، بس هى كانت مختفية في مكتبها لحد ميعاد الاجتماع مع الفريق، أول ما دخلت غرفة الاجتماعات، كانت هي أول واحدة موجودة، بصيت لها بنظرة سريعة وعديت علطول، وقتها حسيت إنها اتوترت لما شافتني، وحاولت تشغل نفسها بالورق اللي قدامها بأي طريقة بس برضو كان باين عليها التوتر، لكن بعد ما الفريق كله حضر، وبدأ الاجتماع، فجأة لقيتها بقت واحدة تانية خالص، ملامحها كانت كلها تركيز في كل كلمة بتتقال، وتعليقاتها كانت بتثبت إنها مهندسة ممتازة بجد، ومع كل إجابة بتقولها كانت بتفاجئني أكتر و بشوف فيها حاجات مكنتش متخيلها.


طول الإجتماع من وقت للتاني كانت عيني بتقع عليها و بشيلها فوراً اول ما أحس انها ممكن تاخد بالها، كل نظراتي ليها وقتها كانت لاإرادية، ومكنش عندي أي تفسير أنا ليه بعمل كدا، وفى اليوم التالى وصلت الشركة وأنا مستعد ليوم طويل ومرهق شوية، بداية سنة جديدة يعني مؤتمرات وندوات لشرح خطة العمل، وده كان دايمًا يوم مكثف بالنسبة لي، خاصة إني متعود أكون فيه لوحدي، لكن السنة دي الوضع كان مختلف تمامًا، لأن شمس هتكون معايا طول اليوم، وده بناءً علي تعليمات عمي أيمن، كان لازم تفهم كل خطوة بتتم، وكل قرار بيتاخد في يوم زي ده، و علشان أسهل الأمر من البداية قررت قبل ما نبدأ اليوم أشرح لها كل حاجة بالتفصيل، و طلبت من سارة تبعتهالي المكتب بس قالت لي إنها في إستراحة الشركة، علشان كدا روحت لها هناك، أول ما وصلت الكافتيريا ومن اللحظة اللي شفتها فيها، أدركت إن اليوم ده مش بس مختلف... ده كمان هيكون غير متوقع، كانت واقفة ضهرها ليا، وصوتها كان غاضب شوية، نفس النبرة الحادة اللي سمعتها أول مرة في العيادة لما اتعصبت، فضلت واقف مكانى أسمعها بدون أي ردة فعل، كنت مستغرب نفسي... ليه عصبيتها دي بالذات بتشدني؟ يمكن لأنها بتحاول تبان قوية قدام الناس، رغم إن الظاهر من جواها إنها هشة.







لما فجأة لفت وشافتني واقف، كل حاجة فيها اتغيرت، التوتر بان عليها فورًا، عينيها بقت بتدور كأنها بتدور على طريقة تخفي بيها ارتباكها، كان واضح إنها اتلخبطت... و فوراً شاورت لها تيجي على مكتبي، كان هدفي إننا نراجع جدول اليوم، زي ما كنت عايز، لكن هي اتسرعت، و مدتليش فرصة أكلمها، وده بسبب إنها فاكرة إن وجودها معايا انهاردة كبديلة للمساعدة بتاعتي، مش كمهندسة لازم تكتسب خبرة، رد فعلها السريع والحكم المسبق خلاني مبقتش قادر أفسر شخصيتها نهائيا، وبعدها نزلت من المكتب وأنا بدور عليها، لقيتها واقفة لوحدها فى الجراچ، هيئتها كانت زى طفلة مش عارفة تعمل إيه، ملامحها وقتها أثرت فيا بشكل غريب، وأنا مش قادر أفهم ليه، كنت عايز أتعامل معاها بأسلوب مختلف، و أكون ألطف، بس لقيت نفسي متحفظ جدًا، يمكن لأني كنت خايف يحصل أي حاجة تعطلنا، اليوم كان طويل ومليان شغل، ومحتاج تركيزى كله ومفيهوش مجال لأى غلطة، لكن للاسف هي كانت سبب في لخبطة أفكاري بعض الوقت، كل حركة صغيرة منها كانت بتشدني طريقة عبوسها وهي بتركب العربية، أول لقاء لها مع عم فكري لما افتكرها المساعدة الجديدة، نظرة الدهشة في عينيها عند كل محطة من يومنا، ومع كل مؤتمر بنحضره كنت شايف تركيزها الشديد في كل كلمة بقولها، في كل عرض بقدمه، كانت عيونها بتلمع وكأنها بتحاول تستوعب كل شيء، كنت حاسس إنها بتستفيد من كل لحظة، على الرغم من إن في بعض الأوقات كان بيبقى واضح عليها الارهاق، بس كانت بتحاول تخفيه وده كان شيء عظيم في حد ذاته، علشان كدا مع اخر مؤتمر، قررت أديها فرصة إنها تعرض مشروعها.


كنت متأكد إنها اتعلمت من خلال تركيزها طول اليوم، وقلت إن دي الفرصة علشان تثبت إنها قد المسؤولية، لما طلعت على المنصة، عينيها كانت بتقول حاجات كتير: خوف، توتر، لكن وراهم حاجة بتقول إنها مستعدة، بصيت لها وكأني بقول: "أنا واثق فيكِ.. انتي قدها"، ولما بدأت تشرح؟ بصراحة، فاجئتني اكتر ما كنت متوقع كانت مبهرة، وقفتها، طريقة كلامها، ثقتها، كل حاجة كانت ممتازة، شمس في شغلها كانت شخصية تانية تمامًا، مختلفة عن شخصيتها العادية، كانت قوية، مركزة، و... جميلة.


لكن للأسف بعد ما خلصت عرضها، لامتني، كانت بتتكلم وكأنها بتفرغ كل ضغط اليوم فيا، نبرة صوتها كانت غاضبة بشكل مش عادي، لما سمعتها بتتكلم بالشكل ده، كنت متأكد من إن فى سبب تانى لغضبها غير ان فاجئتها و خلتها تطلع تعرض المشروع.


وإحنا راجعين في العربية، الطريق كان زحمة جدًا، والعربية كل شوية بتقف، كنت حاسس بشعور غريب، وكأني مش عايز اليوم يخلص، رغم كل المناوشات اللي حصلت بيني وبينها، ورغم نبرة صوتها الغاضبة أحيانًا، إلا أن اليوم كان مختلف، كنت مستمتع بالشغل معاها، ومبسوط إني اكتشفت جوانب جديدة عنها، كنت بسرح وأنا ببص عليها طول الوقت في المرايا، كانت ملامحها سرحانة و واضح عليها آثار التعب، بس في نفس الوقت كانت فيها لمعة غريبة، وكأنها بتستمتع بالإنجاز اللي حققته النهارده، لما العربية وقفت على الكورنيش، ولد صغير ظهر فجأة وجيه عندها، إدالها وردة، عيونها لمعت وقتها، شفت فرحة بسيطة لكنها جميلة، بس استغربت انها ماخدتهاش.







بعد وقت بسيط، عم فكري طلب منها يجيب لها أكل بعد ما خلصت مكالمتها مع والدتها، لكنها رفضت فكرة الأكل وقالت إنها هتاكل مع والدتها، فهمت وقتها قد إيه هي متعلقة بيها، صوتها كان فيه شوق وهي بتتكلم عنها، وده خلاني أتأكد إن فى علاقة مميزة بينها وبين والدتها، بس برضو حسيت بذنب غريب، وكأني السبب في تعبها وإرهاقها النهارده، لأني مفكرتش إنها ممكن تكون جاعت طول اليوم أو إنها مكانتش مرتاحة، مفكرتش انها بنت، لا كنت بتعامل معاها زى اى مهندس جديد لازم يتعود على ضغط الشغل معانا.


ولما ركبت العربية مع خالها ومشيت بعد ما وصلنا قدام الشركة، فضلت مكاني أبص عليها، عيوني متعلقة بأثرها، كنت حاسس بشيء غريب، كأن حاجة مني مشيت معاها، كان في إحساس جوة قلبي مش مفهوم، كل ما بيعدي وقت بكتشف أن جوايا من ناحيتها مزيج بين فضول وإعجاب بيشدني ليها بشكل مش قادر أشرحه.


«شمس»

وصلت البيت، وأول ما دخلت لقيت الجو عائلي، كان خالي مع مامتي، ومعاهم أولاد خالي، قعدنا سوا واتعشينا، والحديث كان دافئ جدآ، حسيت إن الجو معمول علشان يخفف عني، المهم ضحكنا وقعدنا شوية، بس أنا طول الوقت كان عقلي مشغول بحاجة تانية، علشان كدا استأذنت إني ادخل أنام بسبب إني عندي شغل الصبح ومش قادرة أسهر اكتر، ودخلت أوضتي، وحاولت أرتاح، بس كانت تفاصيل اليوم لسه مش راضية تخرج من دماغي، وخصوصاً لحظات التوتر اللي كانت بيني وبين أحمد طول اليوم، مكنتش لاقية تفسير لعصبيتي الزايدة في بعض المواقف طول اليوم و حكمي المسبق عليه، بالرغم من أنه كان كويس معايا و بيساعدني أتعلم و أداني فرصة كبيرة مكنتش اتخيلها، يمكن فكرة إنه لسه متجاهل مقابلتنا في العيادة هي اللي مخلياني أتصرف بالطريقة دي، مكنتش عارفة الصراحة بس هو كان فيه حاجة غريبة بتخليني اول ما بشوفه بتصرف تصرفات غريبة ومش من طبعي أساساً، فضلت افكر كتير وبرضو مكنتش فاهمة حاجة، وحسيت إني محتاجة نور جنبي أكتر من أي وقت فات، بس للأسف هي كمان كانت مش احسن حاجة، و ده بسبب إن ابن عمتها، واللي كان كمان خطيبها، توفى فجأة، علشان كدا سافرت السعودية عند عمتها فوراً، والمصيبة دي قلبت حياتها فوق تحت، نور كانت هناك عشان تقف مع عيلتها في اللحظة دي، وأنا هنا مش عارفة أمد لها إيدي أو أكون جنبها زي ما هي دايمًا جنبي، كنا بنتكلم في التليفون كل شوية آه، بس صوتها كان مليان حزن، حزن مش متعودة عليه، ومع كل مرة أقفل المكالمة أحس إن في حاجة ناقصة، حاجة تقيلة واقفة على قلبي، دي تقريبًا كانت أول مرة نفترق عن بعض بالشكل ده، من ساعة ما عرفنا بعض، دايمًا كنا سوا، في الحلوة والمرة، نضحك مع بعض ونمسح دموع بعض، غيابها حسسني إن الدنيا فضيت من الأمان اللي كنت بحسه معاها.







تاني يوم، وصلت الشركة وكان يوم مليان أكتر من أي يوم قبله، ضغط الشغل كان كبير، بس خلصت كل المطلوب مني، وبعد الشغل، رُحت الأكاديمية الأمريكية اللي الشركة سجلتني فيها كان الهدف منها إني أتعلم حاجات متطورة ومختلفة عن اللي درستها قبل كده، زي تصاميم جديدة وطرق شغل بعيدة تمامًا عن التقليدي، أول ما بدأت أول محاضرة، حسيت بصعوبة كبيرة، كل حاجة كانت جديدة وغريبة عليا ومش مفهومة، وأول ما خلصنا طلبوا مننا نبدأ نشتغل على تصاميم من فكرنا، بناءً على الشرح اللي أخدناه، رجعت البيت، ومن أول ما وصلت وأنا قاعدة على مكتبي، بذاكر بدور في اللي أخدته، كل ما أحاول أفهم أكتر، أحس إن الموضوع أكبر مني، وقتها حسيت بخيبة أمل، حسيت إني مش قد المسؤولية، وبدأت أفكار كتير تلعب في دماغي طول الليل، لحد ما نمت بصعوبة، وتاني يوم وأنا في الشركة، كان جوّايا حمل تقيل، أول ما وصلت، قررت أروح علطول لبشمهندس أيمن، يمكن ألاقي عنده حل، خبطت على بابه ودخلت، أول ما شافني رفع نظره وقال بابتسامة صغيرة: "صباح الخير، يا شمس... تعالي اتفضلي"، قعدت قدامه و فضلت محتفظة بسكوتي، لكنه لاحظ وقال: " في إيه؟ شكلك مش طبيعي، في حاجة حصلت"، قلت وأنا باين عليا التوتر: "أنا... أنا محتاجة أتكلم مع حضرتك"، ضحك ضحكة صغيرة وقال: "خير، قولي، إيه اللي شاغل بالك؟"، اخدت نفس وحكيت له كل اللي حسيته من إمبارح، بداية من صعوبة الكورس، والضغط اللي كان عليا، لحد التصاميم اللي مش عارفة أبدأها ازاي، وأنا بتكلم كان وشي كله مشاعر خوف وقلق، وهو كان سامعني بتركيز شديد، ولما خلصت كلامي، سكت شوية وبعدين ضحك وقال: "بس كده ... هي دي المشكلة اللي مخلياكي زعلانة بالشكل ده، أنا قلت في حاجة كبيرة حصلت، بصي يا شمس ده طبيعي جدًا، اي حاجه جديده بتكون دايمًا مخيفة ومربكة، مفيش حد بيبقى فاهم كل حاجة من أول مرة، وده مش معناه إنك مش شاطرة أو مش قد المكان، ده معناه إنك خارجة من منطقة الراحة بتاعتك، ودي أول خطوة للنجاح"، هزيت دماغي وأنا باين عليا إني اقتنعت شوية، بس لسه برضو كان في توتر جوايا، قلت له: "طب أنا حتى مش عارفة أبدأ التصاميم المطلوبة مني، حاسة إني تايهة، يا بشمهندس"، هز دماغه وقال بابتسامة هادية:"دي بسيطة جدًا، التصاميم اللي مطلوبة منك مش حاجة مستحيلة، إنتي شاطرة وعندك موهبة، لكن دلوقتي، علشان الموضوع يبقى أسهل عليكي، روحي لأحمد"، وقفت مكاني فجأة وسألته: "أحمد؟".

يتبع....


#بارت_23_أحمد_و_شمس

#حكاوي_أبوية_مُره

#دراما_نفسية

#دراما_اجتماعية


           الفصل الرابع والعشرون من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا     

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×