رواية دموع مؤجلة واحتضان اخير الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم شمس حسين
رجعت البيت وأنا مش قادرة أشيل كلام أحمد من دماغي، كنت تايهه ومش عارفة أركز في أي حاجة، لما دخلت، لقيت ماما قاعدة في الصالة بتتفرج علي مسلسل، أول ما شافتني، ابتسمت وقالت: "تعالي يا حبيبتي... ها احكيلي عملتي أي في الإجتماع انهاردة؟شكلك مرهقة؟"، قعدت جنبها وأنا ماسكة دموعي بالعافية، حسيت إني محتاجة أحكي لها، بصيت لها وقلت: "ماما، هو أنا... ممكن أكون فاهمة حاجة غلط؟ يعني لو حسيت إن في حد بيهتم بيا، ممكن أكون متخيلة حاجات مش موجودة؟"، ماما بصت لي باستغراب، ومسكت الريموت و قفلت المسلسل وقالت بهدوء: "تعالي، قولي لي في إيه؟ مين اللي خلاكي تفكري كده؟"، حكيت لها كل اللي حصل بيني وبين أحمد، وكل كلمة قالها لي في المكتب، كنت بحكي وأنا حاسة بالحيرة والزعل، مش عارفة ليه كلامه كان كأنه بيبعدني بدل ما يقربني.....لما خلصت، ماما فضلت ساكتة شوية، كأنها بتحاول تفكر في اللي هتقوله، بعدين قالت بابتسامة خفيفة: "شمس، ممكن يكون أحمد فعلاً بيهتم بيكي، بس بطريقته، مش كل حد بيعرف يعبر عن مشاعره بالطريقة اللي إحنا متوقعينها،
ساعات الناس اللي بيحبوكي بجد بيبقوا خايفين يوقفوا في طريق نجاحك، ويمكن هو شايف إن الفرصة دي هتخليكي سعيدة أكتر، انتي بس حسيتي بكدا، علشان أول مرة تجربي الشعور ده، كل الاحاسيس دي جديده عليكي، وانتي معندكيش أي خبرة فيها"، رديت وأنا مش مقتنعة: "بس ماما، هو كلامه كان واضح، كأنه عايزني أمشي وأبعد"، قربت مني وحطت إيدها على إيدي وقالت بحنان: "وإنتي عايزة تمشي؟ يعني لو فعلاً الفرصة دي هتغير مستقبلك، إيه اللي يمنعك؟ أحمد كان صادق لما قال إن القرار في إيدك، وده اللي لازم تفتكريه، حياتك ملكك إنتي، مش حد تاني"، الكلام ده كان بيحسسني براحة غريبة، كأنها بتحاول تزيل السحابة اللي على قلبي، ماما دايمًا بتعرف إزاي تهدي الدنيا جوايا، بس المرة دي كنت محتاجة أكتر من كده، سألتها بصوت ضعيف: "وهو لو فعلاً بيهتم، ليه محاولش يخليني أفضل هنا؟ ليه حسيت إنه بيدفّعني بعيد؟"، ابتسمت بحنية وقالت: "لأن الحب الحقيقي، يا شمس، مش بيخلي حد يحتجزك أو يقيدك، يمكن أحمد شايف إنك تستحقي فرصة أحسن، وهو مش عايز يحرمك منها، فكري في ده كويس، ومتحمليش الكلام أكتر مما يستحق"، فضلت ساكتة بعد كلامها، بحاول أستوعب كل حاجة، يمكن هي عندها حق... ويمكن أنا محتاجة أفكر بهدوء قبل ما أتسرع في أي قرار.
تاني يوم صحيت على صوت تليفوني بيرن، قلقت بسرعة وقمت لقيت الوقت متأخر تقريبا كنا في نص اليوم، وأنا مش فاهمة إزاي اتأخرت كده، بصيت للتليفون بعين واحدة وفتحت الخط بصوت مليان خمول: "ألو؟"، كان صوت سما مليان طاقة كعادتها: "يا نهار أبيض، لسه نايمة؟ قومي بقى! عاملة إيه؟ ملحقتش أشوفك امبارح، مشيتي بسرعة ليه"، حاولت أعدل صوتي وقلت: "آه، كنت تعبانة شوية، فمشيت"، ردت بسرعة: " الف سلامة عليكي يا حبيبتي لسه إيدك بتوجعك؟"، قلت لها :" شوية يعني"، قالت لي:" أن شاء الله هتكوني كويسة، اه صحيح أنا متصلة علشان اقولك مبروك! الشركة كلها بتتكلم عليكي وعلى نجاحك، شمس! بجد انتي اشطر حد شوفته في حياتي"، ابتسمت بخجل وقلت: "ده من ذوقك يا سما، متشكرة"، فضلنا نتكلم شوية عن الشغل، وأنا بحاول أركز في الكلام، لكن فجأة صوتها اتغير وبقت نبرتها هادية: "على فكرة، أحمد ممكن الاسبوع ده ميبقاش موجود في الشركة هو كمان"، قلبي اتشد غصب عني، حسيت بكلمة "أحمد" كأنها لامست حاجة جوايا، حاولت أخبي استغرابي وسألتها بسرعة: "ليه؟ في حاجة؟"، ردت: "چيهان بنت خالته رجعت من السفر، ودي يا ستي بقي كل ما تيجي مصر، أحمد بيكون معاها أغلب الوقت، لحد ما ترجع تسافر تاني"، كأن الدنيا وقفت فجأة "جيهان"... الاسم ده غريب عليا، لكن وقع الكلام خلاني أحس بحاجة مش مفهومة، ليه قلبي انقبض كده؟ ليه فكرت إن ده معناه إن أحمد مش هيكون موجود زي الأول؟ حاولت أتماسك وأرد عادي، لكن جوايا كان في حاجة غريبة، مش حزن بالمعنى المعروف، ومش غضب صريح... بس شعور غريب، تقيل على قلبي، سما كملت كلامها عن جيهان وكأن الموضوع عادي جدًا، وأنا كنت ساكتة، مستنية المكالمة تخلص بأي شكل، عقلي مشغول، واللي قالته سما كان بيتردد في دماغي زي صدى مش مفهوم، قطعت سرحاني لما سما قالت: "شمس، إنتي معايا؟"، رديت بسرعة: "آه آه، سمعاكي، معلش كنت شوية سرحانة"، ضحكت وقالت: "طيب ماشي، اسيبك تقومي تفطري بقي و تفوقي كدا، المهم لو محتاجة أي حاجة، أنا موجودة، مع السلامة"، قفلت المكالمة، وحطيت التليفون جنبي وأنا حاسة بشيء غريب في قلبي، مش عارفة ليه الكلام عن أحمد و"چيهان" بالذات عمل جوة دماغي دوشة، ليه حسيت كده لما قالت إنه هيكون معاها؟ كنت بحاول ألاقي سبب منطقي للشعور ده، لكن كل ما أحاول، مفيش حاجة واضحة، هل هو إهتمام مني؟ ولا مجرد فضول؟ ليه حسيت إن غيابه ده ممكن يأثر عليا؟ هو أنا غيرانة؟ ....قلت لنفسي:" وبعدين بقي هو انا كنت ناقصاكي يا چيهان انتي كمان".
في نفس اليوم بعد ما صحيت بشوية كنت قاعدة في البيت حاسة بزهق وضيق مالهمش حل، وكأني محبوسة فعلاً، وأفكاري بتلف حوالين نفس النقطة... لحد ما صوت تليفوني قطع السكون، لما شفت الاسم، استغربت... البشمهندس أيمن؟، رديت بسرعة: "أيوة، يا بشمهندس؟" صوته كان هادي وواضح: "أخبارك اي يا شمس؟ كنت عايزك ضروري في الشركة، تقدري تيجي؟"
،الحقيقة أول ما سمعت كده، وافقت من غير تفكير، حسيت إن ده سبب كويس جدا علشان أروح الشركة، قلت لماما: "أنا نازلة ياماما رايحة الشركة، محتاجني ضروري، و ارجوكي يا ماما وافقي علشان أنا زهقانة و حاسة إني محبوسة فعلا"، ماما بصت لي وقالت بحنان: "طيب يا حبيبتي بس متضغطيش على نفسك، خلي بالك من إيدك"، ابتسمت وقمت جهزت نفسي بسرعة ونزلت، وصلت الشركة ودخلت مكتب أيمن، وكان في انتظارني بإبتسامة، قال لي: "اتفضلي يا شمس، تعالي اقعدي" قعدت قدامه، وهو بدأ كلامه معايا: "كنت عايز أتكلم معاكي في موضوعين مهمين"، بعدها فتح درج مكتبه وطلع شيك، مدّهولي وقال: "الحسابات قالوا لي إنك بعتلهم الشيك ده امبارح، وده شيك الأكاديمية لما طلعتي الأولى، ممكن أعرف ليه رجعتيه؟"، أنا بصيت له وقلت: "لأنه مش حقي، الشيك ده من حق الشركة"، أبتسم وقال لي: "مين قال إنه من حق الشركة يا شمس؟ ده حقك إنتي"، رديت عليه: "لا، مش حقي، ده حق الشركة، مين اللي قدم لي في الأكاديمية دي؟ ومين اللي كان بيساعدني طول فترة الدراسة؟ ومين اللي لو لولاه مكنتش نجحت وطلعت الأولى؟ مش هنا... الشركة... يبقى هو حق الشركة"، ابتسم تاني وقال لي: "بس ده كان اتفاق بينا من الأول، إنك تيجي هنا وإحنا هنتكفل بكل حاجة خاصة بتدريبك، وكمان إنتي مقصرتيش، كنتي بتتعبِي وبتشيلِي فوق طاقتك، كمان إنتي نجحتي علشان عندك موهبة، يعني سواء بمساعدتنا أو من غيرنا إنتي كنتي هتنجحي، يعني ده حقك، وأنا مش هقبل إنه يدخل في حسابات الشركة، وياريت تقفلي الموضوع ده وتسمعي الكلام وتاخدي الشيك"، حسيت بتضارب، وكلامه دخل قلبي شويه، لكن لسه مش قادرة أستوعب، مديت إيدي وأخدت الشيك، وأنا بقول: "المبلغ كبير أوي..." ضحك وقال: "ده حقك يابشمهندسة"، بعد ما خلصنا من موضوع الشيك، طلع عقد من مكتبه وقال لي: "ده موضوع تاني كنت عايز أتكلم فيه"، بصيت للعقد وسألته: "إيه ده؟" قال بهدوء: "ده عقدك الجديد، اقريه كويس ولو في حاجة قوليلي قبل ما تمضي"، فتحت العقد وبصيت عليه، ولما شفت قيمته، اتصدمت، رفعت عيني وسألته: "بس ده كتير أوي..."، قال: "لا مش كتير، ده حقك، لو كنت وافقتي على عرض الشركة الأجنبية كنت هتاخدي أكتر من كده كمان، وإنتي أو غيرك اللي طلع الأول ووافق يجي يشتغل معانا كنا هنعمل له نفس العقد ده، علشان ده حقك يا شمس، زي ما رفضتي العرض بتاع الشركة الأجنبية يبقى لازم توافقي على العقد هنا علشان تاخدي حقك بالكامل"، كلامه خلاني أحس برهبة غريبة، كان عندي شعور بالامتنان رهيب، أنا فعلًا استحق ده؟، أخدت القلم ومضيت العقد، وأنا حاسة بمزيج من الامتنان والخجل، سلمته العقد وقلت له بابتسامة صغيرة: "متشكرة جدًا على كل حاجة"، أيمن رد بابتسامة وقال: "مبروك علينا انتي يا بشمهندسة شمس"، خرجت من المكتب وأنا ماسكة العقد والشيك في إيدي، بحاول أستوعب اللي حصل.
وانا واقفة قدام مكتب بشمهندس أيمن، رفعت عيني لقيت أحمد ماشي وجنبه بنت طويلة شويه، شياكتها لافتة ومميزة، لابسة ملابس أنيقة جدًا وجريئة على قد ما هي راقية، شعرها طويل ومفرود على ضهرها، وملامحها واضحة إنها من عيلة راقية، في اللحظة دي، حسيت إنها ممكن تكون هي جيهان اللي سما قالت لي عليها في التليفون، قلبي بدأ يدق بسرعة، ولقيت أحمد جاي ناحيتي، ماشي بسرعة، وحسيت إنه كان مبسوط جدًا وهو شايفني، كانت نظراته وكأنه مش شايف غيري في المكان كله، كأن كل شيء توقف حواليه، حاجة غريبة كانت جوّايا، حسيت بسعادة مش قادرة أشرحها، لدرجة إني نسيت جيهان اللي واقفة جنبه، ونسيت أي حاجة تانية في الدنيا، وكل دقات قلبي كانت موجهة تجاهه بس، أحمد وصل عندي وقال بهدوء: "خلصتي مع عمي أيمن؟"، أنا حاولت أخبي توتري وقلت له: "أنت كنت عارف؟"، أحمد ابتسم ابتسامة هادية وهز دماغه، وأنا ابتسمت ليه من غير ما أحس، كان جوايا شعور تجاه بالامتنان و الراحة، فضلت عيونا متعلقة ببعض، فجأة، قطعت اللحظة دي جيهان بنظرة غريبة، كنت شايفة الشك في عيونها، وكأنها حست بالتفاعل اللي كان بيني وبين أحمد، وبدأت تحاول تغيير الوضع، وقالت فجأة بنبرة واضحة: "مش هتعرفنا يا أحمد؟"، أحمد فاق من شروده فيا وقال: "آه، نسيت أعرفكم ببعض"، بص لي وقال بهدوء: "دي جيهان، بنت خالتي، لسه جاية من كندا إمبارح"، وبعدها التفت لجيهان وقال: "ودي شمس، أكتر حد مجتهد ممكن تشوفيه في حياتك"، جيهان ابتسمت وقالت: "يااا للدرجة دي؟ شكلك شاطرة يا شمس، أحمد عمره ما بيشكر في حد كده"، أحمد في نفس الوقت قال بنبرة هادية: "هي مش أي حد"، حسيت بشيء غريب جوايا، حاجة زي الدفء أو الأمل، لكن في نفس الوقت لاحظت إن جيهان بدأ يظهر على وشها ضيق واضح، حاولت إنها تحط حد لللحظة دي بسرعة وقالت: "طيب يا أحمد، أنا عايزة أروح، مش هتوصلني ولا إيه؟"، أحمد حس بتوتر جيهان وقال: "آه، طبعا، يلا بينا"، سبقت جيهان أحمد بخطوة، لكن هو وقف قدامي وقال لي: "استني، متروحيش، أنا عايزك"، أنا كنت لسه مش مستوعبة الموقف كله وقلت له بهدوء: "تمام"، أحمد و جيهان مشيوا قدامي، وأنا لسه واقفة في مكاني، بفكر في حاجة واحدة بس: "چيهان"، مش قادرة أخرج من الصورة اللي شفتها، كان في حاجة في تصرفاتها، في نظراتها، مش مريحة، مهما حاولت، مقدرتش أهرب من الإحساس ده، الطريقة اللي دخلت بيها في الكلام، نظراتها اللي كانت متجمدة، كأنها كانت بتفكر في حاجة أنا مش فاهمها، هي مبتسمتش بس الإبتسامة دي كانت باينة إنها مش صادقة، يمكن ده الإحساس الغريب اللي خلاها مش مألوفة بالنسبة لي، كانت بتراقب كل خطوة بيني وبين أحمد، لدرجة إني حسيت إنها مش راضية عن أي تفاعل بيننا، كنت حاسة إن في حاجة غلط، مش عارفة إيه هي بالضبط، بس مفيش راحة جوايا تجاه البنت دي.
قررت مستناش أحمد و خرجت من الشركة و طلعت علي عيادة أشرف، كنت حاسة إني محتاجة الكلام معاه بالذات في الوقت ده، وصلت العيادة، دخلت، شفته قاعد على مكتبه زي العادة، مبتسم، أول ما شافني، ضحك وقال: "اي ده! المتجبسة جت! عاملة إيه؟"، ضحكت وأنا برفع دراعي المتجبس: "آهو، زي ما انت شايف كده، متضحكش عليا علشان بنت عمك السبب!"، أشرف ضحك معايا وفتح لي المكان على الكنبة القريبة وقال: "تعالي، اقعدي هنا أما اضحك عليكي شوية"، قلت له وانا بقعد:" اضحك اضحك علي أحزاني"، اول ما قعدت سكت شوية، اشرف كان بيبصلي، عيني كانت كلها ضباب من التفكير، لسه مش قادرة أفهم نفسي كويس، هو كان عارف إني مش على طبيعتي، فابتسم وقال: "في إيه؟ شكلك مش في مزاجك النهاردة؟"، اتنفست بشوية تعب وحسيت إني مش عارفة منين أبدأ، قلت له: "بصراحة... في حاجات مش واضحة عندي، ومش عارفة أرتبها، يعني... أنا مش فاهمة مشاعري كويس"، أشرف ضيق عينيه وقال: "طيب يلا تحبي تبدأي منين"، قلت له وأنا باخد نفسي: " هو فيه غيره... أبن عمك اللي مجنني"، ضحك و بعدها قال:" خير عمل اي بس"، قلت له :" مش قادرة أفهم مشاعره تجاهي، أنا مش عارفة إذا كان هو فعلاً مهتم أو لا، تصرفاته معايا أوقات بتخليني أحس إنه عادي، بس نظراته فيها حاجة بتقول إنه في حاجات تانية"، أشرف سكت شوية وبصلي بتركيز، بعدها قال: "عادي جداً، ده بيحصل لما تكون أول مرة تحسي بحاجة زي دي، أوقات، بنشوف في عيون الشخص قدامنا حاجة مش قادرين نفهمها، خاصة لو إحنا مش متعودين على المشاعر دي، وساعات بتبقى نظراته هي اللي بتتكلم، أكتر من تصرفاته"، حسيت إن كلامه بدأ يوضح لي شوية، لكن كان فيه حاجة لسه مش واضحة تمامًا، قلت له: "طب يعني... أنا حاسة بتشويش كبير، وأوقات كتير تصرفاته بتلغي اي إحساس جوايا، مبقتش عارفة اتعامل إزاي أو أتصرف إزاي، حاسة اني تايهة و مش فاهمة حاجة"، أشرف بصلي بهدوء وكأنه بيقرأ كل كلمة في عقلي، بعدها قال بصوت هادي وعميق: "شمس، الحب مش مجرد شعور سطحي نقدر نحدده من أول لحظة، الحب معقد، مش سهل، إنتي أول مرة تحسي بيه، فمش دايمًا هتكوني عارفة إزاي تتعاملي معاه، لأنك لسه مش فاهمة المشاعر دي جوه قلبك، ولا حتى في دماغك، ساعات بيكون الحب مش بس الإعجاب أو الاهتمام، ساعات بيكون حاجة أكبر من كده، مشاعر متشابكة، مواقف بتخليكي تتلخبطي وتفكري هو ده حب ولا شيء تاني"، وقف شوية، وكأن كلامه كان بيغمرني، كمل وقال: "الحب مش دايمًا بيظهر في الشكل اللي إحنا متوقعينه، ساعات بيظهر في الأفعال الصغيرة، في نظرة بتدوم شوية، أو كلمة بتخرج في وقت مش مناسب، وأوقات بنكون مش فاهمين ليه الشخص ده بيفكر فينا بالشكل ده، أو ليه بنحس إننا مش قادرين نبعد عنه، الناس مش دايمًا بتقول كل حاجة، ولكن لو ركزتي كويس هتلاقي إن الأفعال هي اللي بتقول كل حاجة"، أشرف بصلي بنظرة مليانة فهم، وقال: "اللي إنتي حاساه دلوقتي هو جزء من رحلة فهم مشاعرنا، مش لازم تكوني فاهمة كل شيء من أول لحظة، الحب مش دايمًا ليه تفسير منطقي، هو مجرد إحساس عميق بيظهر في أوقات معينة، وأنتي دلوقتي بتعيشي بداية فهم الحب، خلّي بالك، مش كل حاجة هتكون واضحة، لكن لما تسيبي نفسك للمشاعر، هتلاقي الطريق بتاعك"، قلت له: "يعني قصدك إني مش لازم أستعجل؟"، أشرف ابتسم بهدوء وقال: "أيوة، مفيش استعجال، خدي وقتك في فهم مشاعرك، وكل حاجة هتتوضح مع الوقت، المهم متسبنيش نفسك لدماغك، و اسمحي لقلبك يعبر"، فهمت وقتها كل كلمة قالها وحسيت إني اتخلصت من كل الدوشة اللي في دماغي، و شكرته، لكن قبل ما أقوم افتكرت جيهان و قررت أسأله عنها و قلت :" أنا عايزة اعرف أي حكاية جيهان دي؟"، بصلي باستغراب و قال:"جيهان مين؟"، قلت له بسرعة:" ركز معايا يا أشرف جيهان بنت خالة احمد اللي لسه راجعة من السفر دي"، اندهش بفرحة وقالي:" اي ده هي جيهان رجعت من السفر، ازاي معرفش؟، أنا لازم اكلمها فوراً"، فضلت باصة له باستغراب، بعدها هو أستوعب وضيق عينه وقال:" مالها جيهان عايزة تعرفي عنها؟"، ضيقت عيوني و بصيت له بتركيز و قلت بهدوء :" كل حاجة يا أشرف"، ضحك علي طريقتي و قالي:" شكلك مضحك اووي متحاوليش تعملي شريرة"، قلت بسرعة:" اخلص يا اشرف اي حكايتها"، قالي:" دي يا ستي الضلع التالت في المثلث بتاعنا أنا و أحمد، اصدقاء طفولة، عيشنا كل طفولتنا سوا، و احنا التلاتة قد بعض علفكرا، هي عايشة في كندا من وقت الثانوي تقريبا مع مامتها، و باباها متوفي من سنة، و هي اللي بتدير كل أعماله هناك في كندا، بس كدا هي دي كل حاجة عنها"، قلت له يعني :" انتو التلاتة أصحاب بس ولا في حاجة تانية"، ضحك اكتر و قال:" اه يا ستي أصحاب لاء اخوات كمان، مفيش اي حاجة اتطمني"، قلت له :" طيب"، و اخدت شنطتي و قمت و بعد ما وصلت عند الباب رجعت عنده تاني وقلت بتلميح:" صحيح أي أخبار تجهيزات العيادة، عملت اي مع مهندسة الديكور"، خلصت كلامي و غمزت، هو انفجر في الضحك وقالي:" كل خير بس مش هريحك المرة دي، بعدين هقولك"، قلت له :" ماشي يا أشرف"، قالي:" يلا بقي في حالات تانية غيرك هتقضي كل اليوم هنا"، ضحكنا سوا و بعدها خرجت.
«احمد نجم»
بعد ما وصلت جيهان البيت، رجعت الشركة بسرعة علشان اشوف شمس، كانت وحشاني بطريقة غريبة، دخلت المكتب بسرعة وسألت ندي: "شمس فين؟"، ردت وهي بتعدل الورق اللي قدامها: "خرجت بعد ما حضرتك خرجت علطول، بس تقريباً في حاجة حصلت"، سألتها بتوتر: "اي اللي حصل؟ ليه بتقولي كدا؟"
هزت كتفها وقالت: "مش عارفة، حاولت أنادي عليها وهي ماشية، بس مردتش عليا و شكلها كان مضايق"، كلامها وترني اكتر، مسكت تليفوني بسرعة، وقررت أتصل بيها، لكن تليفونها كان مقفول، حاولت مرة واتنين… نفس النتيجة، القلق بدأ يسيطر عليا، حسيت كأن فيه حاجة مش مفهومة… فكرت: يمكن تكون مع نور، رنيت على أشرف، وقلت له: "أشرف، معاك رقم نور؟"، رد باستغراب:"ليه؟ حصل حاجة؟"
قلت له: "تليفون شمس مقفول، وندي بتقول إنها خرجت وهي متضايقة، قلت أكيد نور ممكن تكون معاها أو تعرف هي فين"، رد عليا بهدوء: "هي كانت عندي من شوية، ولسه نازلة"، قلت له: "طيب تليفونها مقفول ليه؟ أنا قلقان عليها"، قال: "متقلقش، هي كانت كويسة، هبعتلك رقم نور كلمها، يمكن تعرف هي فين"، أخدت رقم نور، واتصلت بيها، شرحت لها الموقف، وهي حاولت تهديني وقالت إنها هتكلم مامتها من غير ما تقلقها، دقائق عدت، لكنها كانت بالنسبة لي أطول من أي حاجة، رنت عليا وقالت: "لسه مروحتش البيت"، حسيت إن كل حاجة حواليا وقفت، عقلي بدأ يدور… هي ممكن تكون فين؟ المكان الوحيد اللي جه في بالي هو الكورنيش، أول مرة شوفتها فيها كانت هناك، اخدت العربية وطلعت على الكورنيش، لما وصلت، كان وقت الغروب، السما كانت مزيج من الألوان الدافية، وكأنها مرسومة مخصوص للوقت ده، نزلت من العربية، وفضلت أدور بعيني… وفعلاً لقيتها، كانت قاعدة على الرصيف، قدام النيل، ضهرها ليا، وباصة للمياه، المشهد كله كان شبه الحلم، شمس كانت دايمًا مختلفة… حتى وهي قاعدة لوحدها كانت بتقدر تملي المكان كله حضور، وقفت مكاني شوية، كنت عايز أستوعب اللحظة، كنت بفكر في كل حاجة… إزاي وجودها بقى جزء من يومي، وإزاي كل لحظة معاها بتسيب علامة في قلبي، خوفي وقلقي عليها من أقل شيء، في اللحظة دي، حسيت إني مش قادر أكتم أكتر مشاعر كتير كانت محبوسة جوايا، وكل حاجة حوالي كانت بتقولي: هو ده الوقت المناسب، مشيت ناحيتها بهدوء، وخطواتي كانت محسوبة، كل خطوة كنت بحس كأني بقرب من حقيقة جديدة… حاجة هتغير كل اللي بينا، قربت أكتر، وفضلت أراقبها في صمت، تفاصيلها وهي قاعدة، هدوءها، تركيزها في منظر النيل… كلها حاجات كانت بتقول قد إيه هي مختلفة، أخيرًا....جمعت شجاعتي، وقعدت جنبها بهدوء وقلت: "كنت متأكد إني هلاقيكي هنا".
«شمس»
لما قرب أحمد وقعد جنبي، كنت لسه عايشة في عزلتي وسط النيل ومنظر الغروب، لحد ما قطع الصمت بصوته وقال لي: "كنت متأكد إني هلاقيكي هنا"، اتفاجئت، نظرتي كانت كلها استغراب… قلت له: "أحمد! عرفت إزاي إني هنا؟"، رد بابتسامة خفيفة وهو بيقول:
"انتي قاعدة رايقة هنا، وسيباني أدور عليكي"، زاد استغرابي، وسألته: "تدور عليا إزاي؟"، رد بكل بساطة: "تليفونك مقفول ليه يا شمس؟"، افتكرت ساعتها إني كنت قافلة التليفون لما دخلت عند أشرف… قلت لنفسي: يا نهار! طلعته بسرعة من شنطتي، وفتحته وأنا بتمتم: "نسيت خالص!"، بعدين رفعت عيني ليه وقلت له: "استنى بس متغيرش الموضوع… عرفت إزاي إني هنا؟"، كان لسه هيبدأ يتكلم، لكن فجأة التليفون بتاعي رن، استغربت… الرقم كان غريب، بصيت له، وكان شكلي باين عليه الحيرة، فقال لي: "أي؟"، كنت هجاوبه، لكن الموبايل رن تاني بنفس الرقم، كنسلته مرة تانية وأنا أقول: "رقم غريب"، قال لي: "ردي يمكن يكون حاجة مهمة…"، مسكت التليفون بتردد، وقررت أرد قلت: "ألو؟"، لكن اللي سمعته كان زي الصاعقة، الصوت كان صوت مرام… أختي: "شمس! شمس! يا شمس أرجوكي اسمعيني!" صوتها كان مليان بكاء وانهيار، اتجمدت مكاني، وقلبي بدأ يدق بسرعة… قلت: "مرام؟!" ردت بصوت منهار أكتر: "أرجوكي متقفليش، اسمعيني يا شمس!"، مكنتش قادرة أتكلم، فضلت ساكتة و مستغربة الموقف كله، لقيتها قالت، وصوتها كله رجاء:
"الحقينا يا شمس، أرجوكي! البنك حجز على البيت… هيطردونا، مفيش حد نروح له، الكل اتخلى عننا… إحنا هنبقى في الشارع!"، الكلام نزل عليا كالصاعقة… مكنتش مصدقة اللي بسمعه، شلت التليفون من ودني، وسكت للحظة، بصيت قدامي، لكن عيني مكانتش شايفة حاجة، أحمد كان قاعد جنبي، وقلق لما شافني مصدومة بالشكل ده، لكني مكنتش قادرة أنطق، كل اللي في دماغي كان: مرام! البيت! الشارع! صوت مرام كان لسه بيدوي في وداني، وهي بتقول: "الحقينا يا شمس!"، كنت بحاول أفكر… أستوعب اي اللي بيحصل، أعمل إيه؟ أتصرف إزاي؟!........
يتبع....
تفتكروا شمس هتعمل اي بعد مكالمة أختها؟
تفتكروا چيهان هتأثر علي علاقة احمد بشمس؟
قولولي توقعاتكم للقادم ♥️
#بارت_29_اختبار_قوة
#حكاوي_أبوية_مُره
#دراما_نفسية
#دراما_اجتماعية