رواية ارقام في العتمة الفصل العاشر 10 بقلم اسماعيل موسي


 رواية ارقام في العتمة الفصل العاشر 10 بقلم اسماعيل موسي


#ارقام_فى_العتمة


                 ١٠


وقف سامر امام السبوره ونظر للحضور للحظة طويلة، ثم أمسك بالقلم وبدأ يكتب على السبورة معادلة


∫[e^(x²) * sin(x) dx] + Σ(n=1 to ∞) [(1/n!) * (∂ⁿ/∂xⁿ) (x⁴)] = ?


انتهى من الكتابة، والتفت إلى الطلبة والأساتذة الموجودين في القاعة، وقال بصوت هاديء


"هذه  هى المعادله التى تحدثت عنها، ولا اقول لديكم ساعه لحلها او حتى يوم ، بل أسبوع، ثم ابتسم بسخريه ويقول او حتى شهر

 ثم رفع يده بطريقه مسرحيه وهمس الكل مدعو للمشاركة: طلبة، أساتذة، وحتى أي شخص من خارج القاعة الباب مفتوح للجميع 


ثم وضع القلم على الطاولة، وسحب كرسيًا وجلس في زاوية القاعة، صامتًا، يراقب الوجوه المتفاجئة والمتسائلة.






ساد الصمت في القاعة بعد أن جلس سامر في زاويته، وظلت الأنظار مركزة على السبورة

 بدأ الطلاب والأساتذة بتدوين المعادلة، بعضهم بحماس وبعضهم بتوتر واضح.


محاولات بدت على وجوههم، أقلام تتحرك بسرعة فوق الأوراق، وأعين تتابع المعادلة وكأنها تحاول فك شفرتها، ومع مرور الوقت، بدأت علامات الفشل تظهر بوضوح.


أحد الطلاب توقف عن الكتابة، وأسند ظهره إلى المقعد وهو ينظر إلى السقف بإحباط، أستاذ آخر جلس في ركن القاعة، يحدق في دفتره بعينين شاردتين

 وهناك من حاول أن يتظاهر بالثقة، لكن التوتر كان يفضحه.


وفي وسط هذا المشهد، كان سامر يجلس بهدوء، وكأن الأمر لا يعنيه لكن في داخله، كان يعرف تمامًا وزن هذه المعادلة، كانت معادلة لعالم رياضيات مغمور، توفي قبل أن ينهيها أو يثبت صحتها، سامر نفسه، مع غيره من العلماء، حاولوا حلها في وقت سابق وفشلوا.


نظر إلى السبورة مرة أخرى، دون أن يظهر على وجهه أي تعبير، وكأن المشهد بأكمله مسرحية وهو المخرج الصامت.


مرت ساعات طويلة منذ أن كتب سامر المعادلة على السبور. الطلبة والاساتذة جميعهم في حالة من الإنهاك العقلي، وكأن المعادلة تحمل في طياتها شيئًا أكبر من قدرتهم على الاستيعاب كان البعض منهم يكرر المحاولات بحماس يائس، بينما انسحب آخرون من المواجهة بصمت محرج.


على أطراف القاعة، تجمع بعض الطلبة في مجموعات صغيرة، يحاولون تبادل الأفكار والاقتراحات، لكن سرعان ما تتلاشى أصواتهم، وهم يدركون أن كل محاولة جديدة تنتهي بنفس الطريق المسدود

 أحد الأساتذة حاول أن يعيد التفكير من نقطة البداية، لكنه رمى قلمه بغضب على الطاولة، كان يعرف ان سامر مغرور ومعتد بنفسه لكنه لم يتصور ان يحرجه هو وزملائه امام الطلبه


أما سامر، فكان يجلس في زاويته، مغمورًا في صمته

 عيناه لا تفارقان السبورة، لكنه لم يظهر أي اهتمام بمحاولات الآخرين أو تعليقاتهم كان عقله غارقًا في ذكريات بعيدة، يسترجع اللحظة التي واجه فيها المعادلة لأول مرة

 كيف جلس لأسابيع يحاول حلها، وكيف كان كل مسار ينتهي إلى طريق مغلق، حتى اضطر إلى التوقف.


"لماذا تركها ذلك العالم ناقصة؟" تساءل سامر في سره، لم يكن لديه إجابة، لكن ما كان يعرفه يقينًا هو أن هذه المعادلة لم تكن مجرد اختبار للرياضيات؛ بل كانت تحديًا يتجاوز المنطق التقليدي.


عاد نظره إلى القاعة، كان الطلبة منهكين، والأساتذة يبدون مترددين بين الاستمرار أو الاعتراف بعدم قدرتهم، ورغم ذلك، لم يقل سامر كلمة واحدة، وكأنه يستمتع بمراقبة صراعهم الداخلي مع المجهول.


انتهى اليوم الدراسي دون أن يتمكن أحد من حل المعادلة، ومع مرور الوقت بدأت القاعة تفرغ تدريجيًا

 الطلاب كانوا يغادرون بخطوات بطيئة، بعضهم يهمهم بأفكار غير مكتملة، والبعض الآخر يلتزم الصمت، غارقًا في شعور بالعجز والإحباط

 الأساتذة أيضًا غادروا، ولكن بنظرات تحمل خليطًا من التحدي وخيبة الأمل.






سامر بقي في القاعة بعد أن أُغلقت الأبواب،

وقف أمام السبورة للحظة، يتأمل المعادلة مرة أخرى، مرر أصابعه على معصمه وكأنه يزن ثقل اللحظة، ثم تنهد بعمق، وأخذ قطعة قماش لمسح السبورة، لكنه توقف،بدلًا من ذلك، ترك المعادلة كما هي، وكأنه يريد أن تكون شاهدًا على اليوم الذي وقف فيه الجميع عاجزين، حتى هو نفسه وقف عاجز أمامها ورغم اعتقاد الكل غير ذلك الا انه تمنى ان يتمكن اى شخص من هزيمة تلك المعادله، ان ينتصر عليها


جمع أوراقه وأطفأ الأنوار وغادر القاعة بهدوء، خطواته تدوي في الممرات الفارغة

 لم يكن يشعر بأي انتصار أو خيبة

كل ما في الأمر أن هذه المعادلة كانت بالنسبة له فصلًا مفتوحًا، حكاية لا تزال تبحث عن نهايتها، حتى لو لم يأتِ الحل أبدًا.


في الخارج، كان الطلاب يتجمعون في حلقات صغيرة، يناقشون بصوت منخفض محاولاتهم الفاشلة

 بعضهم قرر أن يكرس وقته في الأيام القادمة لدراسة أعمق، بينما اختار آخرون أن ينسوا الأمر بأكمله

في زاوية بعيدة، وقف اثنان من الأساتذة يتحدثان بصوت خافت، أحدهما يقول للآخر:

"هل تعتقد أن سامر يعرف الحل؟"

رد الآخر بابتسامة غامضة:

"أشك انه يعرف وان  كان يعرف، فلن يخبر أحدًا."


وفي تلك الليلة، عادت المعادلة ترافق عقول الجميع إلى منازلهم


كانت القلعه خاليه عندما دلف شخص  إلى القاعة، حيث كانت المعادلة مكتوبة على السبورة، والجو هادئ تمامًا، لم يكن هناك أحد في القاعة سوى المعادلة التي كانت تنتظر من يفسرها.


وقف أمام السبورة، عينيه تتابعان المعادلة بنظرة تمعن، وكان يبدو أنه يدرس كل جزء منها بتركيز تام

 مرَّت أكثر من ساعة، وهو في نفس المكان، لا يتحرك سوى لتعديل وضع يده على السبورة بين الحين والآخر.


ثم، فجأة، أمسك بقلمه، وبدأ يكتب بشكل هادئ

كانت الكتابة بطيئة، كأن كل حرف وكل معادلة في ذهنه تأخذ وقتًا طويلاً قبل أن يُدرجها على السبورة.


كتب ببساطة، كما لو أنه لا يحاول تقديم تفسير نهائي، بل مجرد افتتاحية لشيء ما:


∫[f(x) * g'(x) dx] = [f(x) * g(x)] - ∫[g(x) * f'(x) dx]


عند انتهائه، ترك القلم على الطاولة، وأخذ خطوة للخلف ليتأمل ما كتبه

ثم، في صمت، غادر القاعة كما دخل، دون أن يترك أي كلمة أو تعليق.


السبورة بقيت كما هي، تحمل تلك الإضافة الغامضة، متروكة وسط الصمت الذي غمر القاعة بعد مغادرته.

             

          الفصل الحادي عشر من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا    

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×