رواية طلاق بائن الفصل السابع عشر 17 بقلم ديانا ماريا
الجزء 17
اتسعت عيون حلا بصدمة وهي لا تستوعب ما تسمعه منه فهزت رأسها بعدم تصديق ليؤكد لها مالك بهدوء: أيوا أنتِ كان عايز يوجعني فيكِ أنتِ لأني.....
حاول أن يجد الكلام المناسب ليعبر عما يريد قوله ثم تنهد بقلة حيلة: لأني حبيتك.
كانت ترفض تصديق ما تسمعه بالتأكيد الحقيقة ليست ما يقوله مالك الآن.
ابتسم مالك بألم: عارف أنك مش مصدقة اللي بتسمعيه بس دي الحقيقة واللي حصل من سنين.
عاد مالك بذاكرته للوراء ورغم أن عدم الارتياح بينه وبين بسام يعود لسنوات طوال تشمل طفولتهم ومراهقتهم إلا أن الأمر احتد عند بلوغ مرحلة الشباب فقد كان بسام يكره بشدة سماع المديح لمالك من جميع من حوله لأنه رغم صغر سنه فقد كان مسؤول عن إعالة نفسه ووالدته بعد وفاة والده وقد تحمل المسؤولية منذ صغره عكس بسام الذي كان عمه يؤنبه دائما بسبب انعدام مسؤوليته واستهتاره الدائم على الرغم من أنه ومالك في نفس العمر ولكن حب بسام للعبث واللهو كان المسيطر على حياته وقد سئم عمه وجميع من حوله من نصحه لتغيير نمط حياته وعلى الجانب الآخر فقد كان جميع من في منطقتهم يمدحون مالك وأخلاقه دائما لذلك كرهه بسام رغم أن مالك لم يتطرق له يوماً بسوء إلا أن جاء ذلك اليوم.
حين كان بسام قد أشترى ثياب جديدة بالنقود التي أعطتها إياه والدته خلسة من وراء عمه بعد أن منع عنه النقود عقاباً على مشكلة افتعلها فارتداها ثم هبط من المنزل ليلحق بموعده مع جالا.
كان هناك عدة أولاد يلعبون الكرة ولسوء حظ ذلك الولد فقد ركلها لقوة فاصطدمت بصدر بسام وتترك بقعة كبيرة من الطين عليها.
نظر بسام لملابسه المتسخة بذهول ثم عاد يحدق بغضب للطفل الذي يبادله التحديق برهبة.
خطى بسام بسرعة وعصبية نحو الطفل الذي شعر بالخوف حتى أنه تراجع ليمسكه بسام من ياقة ملابسه صارخاً بغضب: إيه اللي أنت عملته يا حيوان! أنت عارف القميص ده بكام علشان تبوظه؟
كان الطفل ينظر إليه بخوف ولم يجب فهزه بسام بقوة أكبر هو يتابع بغيظ: أنت غبي ومتربيتش علشان تعمل كدة!
كان مالك عائد من عمله في ذلك الوقت ورأى ماحدث حين كان يعبر من الشارع فاقترب يقول باستغراب: في إيه؟ أنت ماسكه ليه كدة؟
لم ينظر له بسام وهو يقول بحنق: ملكش دعوة أنت متدخلش.
وضع مالك يده على كتف بسام وقال برزانة:مش شايف نفسك مسخرة وأنت عامل عقلك بعقل طفل وماسكه بالشكل ده؟
ترك بسام الطفل ليهرب خوفاً بينما يلتفت لمالك وينظر له بحنق: أنت قولت إيه؟
نظر له مالك من أسفل لأعلى بسخرية خفيفة وقال ببرود وهو على وشك الذهاب لأنه ترك الطفل أخيرا:شوف طولك وطوله قبل ما تتخانق معاه.
أمسكه بسام من ياقة قميصه بشدة وهو يحدق إليه بغيظ فنظر مالك لموضع يده ثم لبسام بطريقة جعلت بسام يرخي من قبضته عليه.
أبعد مالك يده كأنه ينفض شيء عن ملابسه واستدار ليغادر فتملك بسام الغضب الشديد ونظر حوله ليجد أنظار الجميع مسلطة عليه معنى ذلك أن مالك أهانه أمام الجميع ويجب أن يرد على إهانته حالا وإلا سوف يفقد كرامته.
قال بسام بصوت عالي:رايح فين ولا خايف تقف قدامي؟
أكمل مالك سيره بلامبالاة فنظر بسام حوله وهو يبتلع ريقه بصعوبة لشدة الإحراج الذي يشعر به.
ارتفعت زاوية فم مالك بابتسامة لأنه يعلم أن ذلك أقصى ما عنده ولكن بسام كان يحاول إيجاد أي شيء يحفظ ماء وجهه لذلك انطلقت الكلمات التالية من فمه دون تفكير:طبعا لازم تخاف هستنى إيه من عيل يتيم بيجري على أمه الفقيرة علشان يعرفوا ياكلوا وأبوك معلمكش تقف زي الرجالة هتقف إزاي قدام اللي أعلى منك!
توقفت مالك في مكانه فجأة وثبتت عيناه أمام دون تعبير أما بسام نظر له بانتصار بعد أن علم أن كلماته أصابت هدفها وانتظر الجميع بترقب رد فعل مالك على تطاول بسام عليه.
التفت مالك ببطء ووجه نظرة من عينيه لبسام نظرة جعلت بسام يتراجع للحظة عن موقفه ثم قال بصوت جامد: موتك على إيدي النهاردة.
وفي ثلاث خطوات كبيرة كان قد وصل لبسام ولكمه بشدة حتى أن بسام وقع على الأرض، لم يتوقف مالك للحظة بل مال عليه ورفعه ليلكمه من جديد وتتابع الضرب بتلك الطريقة هناك من رأى وخاف الإقتراب بسبب الغضب الظاهر على وجه مالك فقد خاف أن ينال شيء من بطشه إن تدخل وهناك من وقف متفرجاً بلامبالاة وبعضهم بتشفي لأن من نظرهم يستحق بسام ذلك على كلماته الحقيرة.
حين رأى البعض أن مالك يكاد يفتك ببسام تدخلوا وحاولوا إبعادهم عم بعضهما أو بالأحرى إبعاد مالك عن بسام الذي أشبعه مالك ضرباً دون أن يرد له واحدة حتى من ضرباته، كان مالك يمسك بسام بقوة حتى أن الأمر تطلب مجهود بضعة رجال ليبعدوه وذلك لا يعود لقوة مالك الجسدية حينها بل لشعوره بالحرقة من حديث بسام عنه وعن والديه.
أتى في تلك اللحظة عم بسام وأخواته فقال فهمي بتساؤل: إيه اللمة دي في إيه؟
لمح بسام الملقي على الأرض بطرف عينه فنظر له بصدمة وتقدم إليه: إيه اللي عمل فيك كدة؟
قال مالك ببرود: أنا اللي عملت فيه كدة.
نظر له فهمي بدهشة فتابع مالك بنفس البرود: ولو كان بإيدي كنت شوهت ملامح وشه كلها.
نظر مالك لفهمي وقال بهدوء: ولو عايز تعرف اللي حصل أسأله.
ثم استدار وغادر فتلفت فهمي حوله بحيرة ليسأل: إيه اللي حصل حد يرد عليا!
تطوع أحد الرجال الواقفين وشرح ما حدث سريعاً وما قاله بسام لمالك فتسبب في إثارة غضب مالك.
تحول وجه فهمي وتغيرت قسماته بسبب الذهول ونظر لبسام بعصبية.
نظر لعادل وقال بحدة: هاته ورايا على البيت!
كان غضب فهمي يتأجج ولم يدخر قولاً في توبيخ بسام عن فعلته الشنيعة حتى عادل وبقية إخوة بسام حاولوا تهدئة فهمي دون فائدة وقد جلس بسام مطرق الرأس وازدادت كراهيته لمالك وتوعد له بالانتقام ففي المساء هبط من المنزل وترقب خروج مالك من منزله.
حين خرج مالك اختبئ بسام حتى لا يراه وتبعه منتظر فرصة لينفرد به ويأخذ حقه، سار ورائه حتى وصل مالك لمكان وانتظر فانتظر بسام هو أيضا باستغراب.
اعتدل مالك عند خروج فتاة من المكان وراقبها مبتسماً ثم تبعها حتى وصلت لمنزلها وقد استنتج بسام أن هذه الفتاة هي التي يحبها مالك وبعدما عاد لمنزله ظل يفكر كيف يمكن أن يأخذ حقه بأكثر طريقة مؤلمة ممكنة، علم مكان سكن تلك الفتاة فذهب في اليوم التالي وجمع عنها بعض المعلومات ولم تكن فكرة بسام في البداية أن يتزوجها ولكن حين تحدث أمام جالا عن مالك وما فعله ثم المعلومات التي عرفها عن الفتاة وأنها ابنة وحيدة لرجل مقتدر فكر في البداية في أخافتها ولكن جالا أعطته الحل الأنسب فقد رأت في ذلك فرصة لا تعوض إن تزوج بسام من تلك الفتاة الغنية سيتوفر لهم المال الذي يمنعه عنهم عم بسام ورغم ذهول بسام في البداية ورفضه إلا أنه اقتنع وأسرع يعرض الأمر على عمه معتبراً ذلك الطريق الذي سيتمكن من تقويمه وإصلاح حياته فوافق عمه لعل ذلك يكون الطريق لنضوجه وبدأ بسام وجالا في تنفيذ خططهم لدخول حياة حلا.
وبعد فترة علم مالك بخطوبة حلا ولكن لم يعلم من العريس فكان ذلك صدمة له وألم لقلبه ولكن الصدمة الكبرى أتت حين علم من العريس في يوم عقد القران فذهب إلى هناك لا يرى أمامه من شدة الغضب وطلب من أحدهم استدعاء بسام فحين رآه بسام ابتسم بخبث ليتقدم مالك ويضربه بجنون ورغم أن مالك يضربه كان بسام يضحك في وجهه فقال له: شوفت خدت حقي إزاي؟ اه مش قدام الناس زي ما كان نفسي بس حرقت قلبك العمر كله.
جن جنون مالك ليضربه بقوة أكبر وبسام يتظاهر بالاستسلام حتى أن من يراهم يظن أن مالك يعتدي على بسام وبسام لا حول له وقد كان في تلك اللحظة التي هبطت بها حلا لترى ذلك المشهد.
كان مالك ينظر لها وهي تصرخ عليه لأجل بسام وقد أصبحت زوجته هو ولا شيء يمكن أن يعبر عن قلبه الذي يحترق داخله ثم غادر وقد غادر مالك تلك المنطقة مع والدته التي توفيت بعد فترة.
عاد مالك للحاضر وهو يحدق لحلا التي كانت تجد صعوبة كبيرة في تصديق ما سمعته الآن، رغم كل ما علمته عن بسام ورغم ظنها أنه وصل الحد النهائي من الحقارة تعلم أمرا جديدا يثبت خطأها.
رأى مالك صدمتها فقال بنبرة مشتدة مغلفة بالحزن: أنا عارف أنك مصدومة وبتسألي نفسك ليه رجعت بعد كل ده بس أنا بجد بحترم نفسي وبحترمك أنا عملت ده علشان أساعدك وبس ومش عايز أي حاجة تانية.
انهمرت دموعها على وجهها وتسارعت أنفاسها فهزت رأسها بشدة وهي تتراجع للوراء، تقدم مالك خطوة وهو يرفع يده لاشعوريا ويقول برجاء: حلا.....
نظرت له للحظة ثم استدارت وهي تركض بشدة فنظر مالك ليده المعلقة في الهواء وأغلق يده على قبضته بعجز، نظر لها بنفس العيون الدامعة كما فعل منذ سنوات في يوم زواجها بينما تبتعد وتختفي عن ناظريه فابتسم بمرارة والتفت ليغادر.
عندما عادت حلا للمنزل وجدت عم بسام ووالدته قد عادوا بعد زيارة المستشفى للاطمئنان على قدمها لأن حلا قد أقنعتهم أن ذلك أفضل حتى يروا مدى تحسن حالتها وقد وجدوا الأمر غير طبيعي فاضطرت حلا أن تشرح لهم ما حدث.
جلس عم بسام على الأريكة مصدوم بينما صرخت والدة بسام بفزع: مستحيل! مستحيل يعمل كدة!
نظرت لهم حلا بإشفاق: للأسف يا ماما الكلام كله صح وبالأدلة كمان.
نهض فهمي وضرب بعصاه الأرض وهو يقول بصلابة: خديني هناك حالا.
خافت حلا فأطاعت أمره كانت والدة بسام على وشك مرافقتهم حين رفع العصا في وجهها وأمرها بحدة: خليكي هنا لحد ما أرجع وعلى ما أرجع أقعدي وفكري إيه اللي عملناه في حياتنا علشان يطلع لنا ولد كدة.
وصل فهمي لمركز الشرطة وانتظر بينما تنتهي التحقيقات مع بسام وجالا وطلب أن يحظى بفرصة ليتحدث مع بسام.
دخل مع حلا إلى غرفة التحقيق التي كان بسام يجلس فيها مقيد اليدين، نظر له بسام بلامبالاة بينما وقف فهمي يرمقه بإشمئزاز جلي.
نفخ بسام بملل: ناوي تقف كدة كتير؟
نظر له فهمي بعدم تصديق: وكمان بجح! أنت إزاي كدة؟ طلعت كدة إزاي وامتى؟ قصرت في إيه معاك علشان تطلع زبالة كدة!
نظر له بسام بكره: وأنت عملت إيه معايا علشان أطلع غير كدة؟ طول عمرك حارمني من حقي ومن كل حاجة حلوة في حياتي!
أمسكه فهمي من ياقة ملابسه ليقف أمامه، بصق فهمي في وجهه فشهقت حلا وأغمض بسام عيونه بقوة ليسيطر على غضبه.
هزه فهمي وهو يقول بانفعال شديد: حارمك من حقك اللي كنت عايز تبعتره يمين وشمال وبحافظ لك عليه! كل حاجة حلوة زي إيه؟ صحابك الصيع! ولا البت اللي كنت ماشي معاها وعايز تتجوزها وسمعتها سبقاها في كل مكان! حياة الصياعة والاستهتار وقلة القيمة هو ده اللي حرمتك منه؟ علشان كنت عايزك تبقى راجل وبدل ما ترفع رأسي وطيتها وكسرت ضهري وفضحتنا!
أنهى كلامه بصفعة قوية على وجه بسام من شدة غضبه وخيبة أمله الذان يشعر بهما.
نظر له بسام بكره ودفعه وهو يصيح بحنق: كفاية بقى أنا بكرهك وبكره كل حاجة عملتها معايا ولو كنت أطول كنت خدت حقي منك ومنكم كلكم ورميتك في الشارع بس أنا هوريك وهتشوف!
أسرعت حلا بذعر وأمسكت بفهمي قبل أن يقع على الأرض فاسندته بقلق: أنت كويس يا عمي؟
نظر فهمي لبسام بعدم استيعاب مما حدث فحثه حلا برفق وهي تنظر لبسام باحتقار: تعالى يا عمي أقعد برة وارتاح.
عادت حلا مجدداً وجلست أمام بسام الذي جلس بفعل إجبار العسكري.
قالت ببرود: أحكي.
فهم مقصده فاعتدل وهو يضع يديه على الطاولة وقال بمشاكسة: أحكي إيه يا قلبي؟ من بداية حبي ليكِ؟
رمقته حلا بتقزز من أسلوبه وقالت بحزم: لا من بداية حقارتك مع مالك.
رفع حاجبه: كمان بتناديه مالك؟ ده واضح الموضوع متطور أوي.
ضربت على الطاولة بعنف: الحركات دي بتاعتك أنت دلوقتي تتكلم وتقول كل حاجة فاهم؟
زفر بضيق ثم بدأ الكلام: مالك ده أنا كنت بكرهه طول عمري كان دايما عامل نفسه أحسن مني لحد ما حصلت خناقة بيننا وكنت عايز أخد حقي ومشيت وراه لقيت واقف بيراقبك وبعدها عرفت عنك كل المعلومات، جالا هي كان صاحبة فكرة أني اتجوزك كدة هقدر اقهره وأخد حقي منه وفي نفس الوقت نستفيد علشان أبوكِ غني.
لم يتابع كلماته فتابعت حلا بابتسامة ألم: علشان لما بابا يكون تعرف تستغلني وتسرق الورث زي ما عملت؟
لم يجب وهو يشيح بوجهه عنها فقالت حلا بأسى: ياخي سبحان الله أنا كل مرة بتفاجئ أنت ممكن توصل لأقصى مستويات الحقارة علشان خاطر الفلوس.
كان الألم الذي بداخلها هائلا فهي كانت مجرد دمية في لعبة قذرة طوال الوقت.
ابتسمت له وقالت بتشفي: بس شوفت الدنيا بتدور إزاي؟ اللي أنت عملت علشانها كل ده كانت ناوية تغدر بيك علشان الفلوس وأنت خسرت كل حاجة حتى الفلوس.
نظر لها بسام بغيظ شديد فتابعت حلا بشماتة: خسرت كل حاجة أنا رجعت حقي وأطلقت منك وأنت هتقضي وقت كبير أوي من عمرك في السجن ومالك اللي قهرته قبل كدة هو دلوقتي اللي قهرك وفاز عليك.
لمعت عيون بسام وقد أثار جنونه ما تقوله، نهضت هي بثقة وكانت على وشك الذهاب وهي ترميه بنظرات انتظار، حين استدارت نهض بسام وقال بنبرة هستيرية: اللعبة لسة مخلصتش يا حلا مش بسام اللي يخسر!
وقبل أن تدرك أسرع وضرب العسكري الذي في الغرفة بقوة وسرعة وخطف منه مسدسه فصرخت حلا بصوت عالي وهي تضع يدها على فمها.
وجه المسدس ناحيتها كان الحنون يسيطر على قسمات وجهه ويظهر في عينيه التي يحدق بهما إليها بينما حلا تقف مشلولة ولا تقوى على إبداء أي رد فعل.
قال بهوس: لا أنتِ ولا مالك هتكسبوا عليا أبدا!
حدث كل شيء في لحظات معدودة وكأنه استسلام لمصيرها الحتمي رفعت يديها تغطي وجهها فيما يضغط بسام على الزناد وتنطلق الرصاصة خارجة من المسدس.
#يتبع.
#طلاق_بائن.
بقلم ديانا ماريا.