رواية وعد في العتمة الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم اسماعيل موسي
#وعد_فى_العتمه
٢٥
رفع معاذ عيون مستفسرة وهمس لفريدة، دا عوض حارس المقابر إلى كلمتك عليه زمان
سلم معاذ على عوض وسرت برودة فى جسده، كانت يد عوض الحارس مثلجه كأنها خرجت للتو من فريزر ثلاجه
انت سبت الجنازة وجاى تعمل ايه فى المقابر يا عوض؟
ابتسم عوض ابتسامه ساخرة خرجت من نفس محبطه
هو انا سبت المقابر اصلا يا دكتور؟
تقصد ايه سيد عوض؟ همست فريده بنبره رقيقه ناعمه
ارتفع حاجبى عوض الحارس وتلفت حوله، ابويا يا دكتور معاذ، من لحظة الدفنه بعد ما الناس ما مشيو وهو بيصرخ فى قبرة طول الليل، مقدرتش اسيبه وامشى
ميت بيصرخ؟ استفهمت فريدة
وميت بيحضر شنق مدحت؟ اردف معاذ متذكر تلك الأيام التى فتحت عليه أبواب الجحيم، رابطآ بين الأحداث
انا... انا لازم اخرج والدى من المقبره دى وادفنه فى مقبرة تانيه
اطلق معاذ السؤال الذى تأخر يوم كامل وكان يدرسه فى عقله
انت ليه اصلا دفنته هنا؟ انا من امس وانا بفكر فى كده
معرفش يا دكتور معاذ عملت كده ازاى، لكن امبارح من ساعة ما والدى اتوفى وحاجه بتصرخ فى عقلى ادفنه هنا، الغريبه انى استجبت من غير تفكير، حاجه أقوى منى اجبرتنى اعمل كده
وانت يا دكتور معاذ ايه إلى جابك المقابر؟
عونى يا عوض، عونى طلب منى انزل المقابر، اخبرنى ان الحقيقه موجوده هنا
مفيش حقيقه للأسف يا دكتور، انا نفسى مش حقيقه وانت مش حقيقه والعالم كله مزيف
تسحب الليل من خلفهم واغرق المقابر فى ظلام حالك
هتساعدنى يا دكتور معاذ؟ انا عايز والدى يستريح فى تربته
هساعدك يا عوض يلا بينا
ابتعدت فريدة عن مكان الحفر، اعصابها مكنتش تستحمل رؤية جثه ميته تخرج من المقبره وتجر لمقبرة أخرى
بينما فتح عوض باب المقبرة
من داخل القبر المظلم خرجت رائحه قاتمة، رطوبه متعفنه لاجساد أكلها الدود، انزل معايا يا دكتور معاذ
نزع معاذ سترة زرقاء من الجينز وهبط إلى القبر هو ده
امسك معايا يا دكتور معاذ
رفع الكفن الذى كان بخفة ريشه!!
هو الكفن خفيف كده ليه انا حاسس انه فاضى، ابويا راح فين؟
فتح عوض الكفن ولم يكن به سوى عظام لجثة ماتت من سنين طويله
ابويا راح فين؟ صرخ عوض بفزع، ثم انطلق بلا وعى يبحث داخل القبر
عوض استنى اكيد فيه حاجه غلط همس معاذ برعب
مفيش حاجه غلط لازم اعثر عليه
سمع فحيح ثعبان لمعت عينيه فى الظلام، ثعبان بدا ضخم
عوض؟ عوض لازم نخرج
مش هخرج لازم الاقى والدى، كان بصيص من الضوء يتسرب من فتحة المقبره ثم فجأه تحول كل شيء لظلام وسد باب القبر
ارتفع صراخ معاذ، فريدة؟ فريدة؟
لكن صوته لم يغادر جدران القبر ولم تسمعه فريدة ولا غيرها
ثم دوى صوت مفزع انت التالى، انت التالى
زحف عوض على الأرض حتى عثر على المعول الذى فتح به باب المقبرة
هتسيب ابويا فى حاله هسيبك فى حالك، غير كده انا مستعد للموت
___انا ابوك يا عوض سيب المعول
انت مش ابويا، ابويا مات وشبع موت صرخ عوض بنبره متحديه
انت فاكر انك تقدر تقتلني؟ انا الى عملتك ياعوض
هو ابوك محكش ليك انت جيت ازاى؟
كان الرعب تملك معاذ تماما وغير قادر على التفكير او اخذ اى قرار، باب القبر كان خلفه فراح ينبش باظافره فى التراب والطين الذى بدا مثل سد ضخم وليس مجرد فتحة صغيره
فقد عوض اعصابه وارتفع صراخه كالمجنون قلتلك سيب ابويا فى حاله ابويا كان رجل طيب وميستاهلش كل إلى بيحصل معاه وراح يضرب الهواء بشكل عشوائي، اخر ما يتذكره معاذ، صرخة عوض المستغيثه، الحشرات التى تزحف فوق جسده ويد فريدة التى تجذبه خارج القبر
هو فيه ايه يا معاذ قالت فريده بصراخ؟ فين عوض وايه الصراخ ده
لمح معاذ التراب تحت قدميه يتحرك نحو باب المقبره قبل أن يتجمع مع بعضه ويشكل كتلة طين سدة باب القبر، ارتسمت صورة مدحت على المقبره هكذا لمحها معاذ فى الظلام صورة تحمل نظره ساخرة تخبرة ان لا فائده من المقاومه
راحت فريدة تصرخ من الرعب، معاذ خرجنى من هنا
انا قلبى هيقف من الخوف، ودوى صوته الساخر فى كل المقابر انت التالى مع صراخ عوض المفزع ونخراته المتقطعة
تحرك معاذ وهو يهرش جسده مهرول بعيد عن المقابر
همست فريده بخجل عوض مات يا معاذ ولا ايه؟ هنبلغ الشرطه؟
رفع معاذ مع أول ضوء كم قميصه ولمح لسعات الحشرات التى كانت تزحف فوق جسده
معاذ رد عليه؟ احنا سبنا عوض داخل القبر؟
انتى سمعتى بنفسك صوت عوض، تتوقعى لسه حى؟
صرخ معاذ بيأس
كل إنسان بيواجه مصيرة بمفرده فى لحظه من العمر من غير مسانده
وبعدين عوض كده كده كان نازل القبر وهينفذ إلى فى دماغه
طيب عونى طلب منك تروح المقابر ليه؟
فين السر إلى هنكتشفه؟
فين الحقيقه يا معاذ
مفيش حقيقه يا فريدة احنا عايشين فى الوهم ولا نستحق الحقيقه، قدرنا ان نلهث خلف الأوهام ونعيشها
الحقيقه تحتاج رجال شرفاء لا وجود لهم الان.
_______
انتى مين وواخدانى على فين؟ سأل محمد إسماعيل الفتاه التى تقود السيارة بلا مبلاه
ا نا فاعلت خير يا دكتور واول ما اوصلك وجهتك مش هتشوف وشى تانى
دورى فى قصتك صغير جدا، مع ان لو كان سمح لى كنت هعمل دور أكبر من كده
اصل لكل واحد فى الحياه دور محدد يا دكتور وللأسف مقدرش يحيد عنه
عايز اعرف واخدانى على فين؟
انا بنقذك من سرنجه وداغو لأنك مش قدهم وبنصحك تبعد عن كل ده وبلاش تفتش فى الماضى
لازم اعثر على والدتى لازم
والدتك هى إلى طلبت منى ابلغك الرساله، متدورش عليها متحاولش تقابلها
اتفضل انزل
توقفت السياره على جانب الطريق العام فى وسط القاهره
باستسلام نزل دكتور محمد إسماعيل
وسجل فى ذاكرته رفم لوحة السيارة وهى راحله
ثم اشعل سيجاره دخنها بغضب، طول عمرى بدور عليها ببحث عنها واول ما أقرب تبعدنى عنها؟
ثم رن صوت الكيان فى عقله، انت مستعد للغفران يا دكتور؟
والدتى ماشيه مشى بطال؟
ثار الغضب داخله، لم يتحمل فكرة ان والدته تبعده عنها بالقوه، تتبراء منه
ليه بتعملى كده؟ انا عشت حياتى كلها مستنى اللحظه دى
يا ريتنى فضلت أعمى ولا عرفتش انك حيه
الكيان هو الى وصلك ليها يا دكتور محمد، واكيد الكيان مش بيفكر غير فى مصلحته همس صوت المنطق داخله
لكنه غير مستعد بعد ان وصل تلك المرحله ان يدير ظهره ويترك كل شيء، خلفه ويعود لحياته السابقه
انها تعيش فى العار فى الخزى كيف ترضى ذلك؟ كيف تخلت عنه؟
اخذ محمد اسماعيل بعضه بعد أن نظر الى هاتفه الذى اوشكة بطاريته على النفاذ
كانت هناك عدة مكالمات فائته من معاذ، لم يجد رغبه فى الرد عليها
وصل شارع البنايه وبداء يمشى بحذر متحسس سلاحه المخفى تحت سترته
كان مدخل العماره هاديء الا من حارسها الذى يتملق المارين فى الشارع
سرنجه، وداغو انهم اعدائه الحقيقين، داغو بالذات يتذكر انه رأة من قبل، نعم كان ذلك وجهه الذى اطل تلك الليله، الصوت الذى همس فى اذنه اجرى يلا
احتمى بسترته من دفقات الريح التى تلسع جسده أكثر من ساعتين
ثم رأها تدلف من مدخل العمارة، كانت والدته تبدو مثلما تركته لكنها أكثر اناقه، يسير جوارها شخص مسن تبدو صحته جيده، حياهم الحارس بحماس ووجه مبتسم
ضغط محمد اسماعيل على سلاحه تلفت فى كل اتجاه حنى وجد طفل صغير منحه عشرة جنيهات وطلب منه أن يخبر الحارس ان هناك امرأه تنتظره على ناصية الشارع كان يعرف ان ما من رجل يرفض امرأه تأتيه بالمجان، عندما غادر الحارس البنايه عبر الشارع ثم تسلق السلم شاهرآ سلاحه