رواية احرقني الحب الفصل الحادي عشر 11 بقلم ديانا ماريا
الجزء 11
أفاقت هديل وهي تسمح أصوات مبهمة حولها، كان هناك من يضرب برفق على خدها وعندما زالت الغشاوة عن عينيها كان وجه حسام هو أول ما تراه أمامها.
تجمعت الدموع في مقلتيها وهمست بصوت بائس: حسام!
اسندها حسام حتى جلست وهو يناولها كوب ماء حتى ترتشف منه وهو يحثها برفق: اشربي شوية مية بس متتكلميش دلوقتي.
شربت بضعة رشفات حتى أبعدته عنها بإشارة الاكتفاء، نظرت حولها لتجد الضابط يقف أمامها وفي وجهه نوع من الشفقة عليها التي سرعان ما غُلفت بالصرامة.
نظرت لحسام وقالت بصوت ينضج قهرا: حسام هو أنا كدة هتحبس؟
حدق إليها حسام للحظة دون أن يرد وهو يشعر بالعجز لمرآها أمامه بهذا الشكل.
تجلى الإحباط على وجهها حين لم يرد وفكرت ببؤس أنها حتى لو بريئة سيتم سجنها.
أمسك بيدها وضغط عليها هادرا: صدقيني مش هسيبك وهعمل كل اللي أقدر عليه علشان تخرجي في أسرع وقت ممكن.
شدت على يده وهي تتمالك نفسها من الانهيار مرة أخرى.
اجلى الضابط حلقه قبل أن يقول بصرامة: طيب نقدر نكمل التحقيقات دلوقتي للأسف يا مدام هتتحجزي هنا
دلف عسكري ليأخذ هديل، في البداية تمسكت بحسام بشدة الذي أمسكها بدوره وعيونه تحدق بها، قلبه يتمزق أنه لا يستطيع فعل شيء لها حتى لم يعد هناك فاضطرت لترك قبضته أخيرا وإفلات يدها من يده ثم غادرت وعيناها لم تفارقانها، حين خرجت هديل تغيرت قسمات وجه حسام بالكامل من الحزن للغضب الشديد و لمعت عيناه برغبة عارمة للانتقام.
نظر لضابط الشرطة وهدر بحنق: فين البواب يا حضرة الضابط علشان نكمل التحقيقات؟
طلب الضابط العسكري الواقف بالخارج وأمره: دخل البواب علشان نكمل التحقيق.
رد العسكري بتعجب: بس البواب مشي يا فندم.
رد الضابط بدهشة قائلا: مشي! إزاي تسمح له يمشي أنت اتجننت؟
أجاب العسكري بخوف: ماهو حضرتك طلع ولما كنت هوقفه قالي أنه التحقيق خلص خلاص.
زفر الضابط بعصبية بينما نظر له حسام وكتف ذراعيه: شوفت يا حضرة الضابط؟
رفع الضابط حاجبه باستغراب: شوفت إيه؟
رد حسام بسخط: دي كلها مؤامرة على هديل علشان هي تكون كبش الفدا لناس تانية.
تطلع له الضابط باهتمام: لمين بالضبط مش فاهم؟
أخذ حسام نفسا عميقا وتحدث بهدوء: لتجار المخدرات اللي ظافر كان شريك ليهم.
اتسعت عيون الضابط من الذهول ورد: ياريت تشرح لي كل حاجة.
جلس حسام أمامه وسرد له كل شيء من بداية إخبار هديل له حتى اليوم.
ثم أضاف بإحباط: بس إحنا مش عارفين أسماء شركائه إحنا متأكدين أنهم ناس كبار وكنا هنوصلهم بسهولة لو ظافر كان اتقبض عليه علشان كدة ضحوا بيه.
رد الضابط بفطنة: كدة كل شيء بقى منطقي شوية، كلامك خطير جدا عندك أدلة عليه؟
أجاب حسام بحزم وعيونه تتطلع بثقة للضابط: طبعا ده غير أنه هديل في الوقت ده كانت معانا في المستشفى علشان عملية أخوها وفيه شهود كتير شافوها حضرتك مش واخدة بالك من كمية الأمور اللي مش طبيعية اللي بتحصل؟
أجاب الضابط بمنطقية: أكيد بس المشكلة أنها المتهمة الرئيسية الظاهرة قدامنا خصوصا أنه مفيش دليل مادي على براءتها، بصماتها على السكينة، كان دايما فيه خلاف بينهم وكمان حتى كاميرات المراقبة لقيناها متعطلة قدام وحوالينا العمارة دي حاجات كلها مش في صالحها لازم دليل مادي وأنت كمحامي عارف كدة كويس.
أرجع حسام ظهره للوراء وحدق أمامه بشرود ثم همس بوعيد: وأنا وربي على كل دمعة نزلت منها لجيبهم واحد واحد وأوديهم ورا الشمس.
مضت الأيام على هديل كأنها سنوات عجاف طوال، لم تتوقف عن البكاء في أول الأيام التي أمضتها في السجن وهي تشعر بالظلم الذي تعرضت له يسحق روحها، كأن ما حدث لها في حياتها لا يكفي حتى يأتي هذا الأمر ليُكمل عليها!
كان حسام يزورها كل يوم ليطمئنها ويتحدث معها وقد أوصتها ألا يأتي أحد من أهلها لزيارتها فقط كانت لا تريد أحد منهم أن يراها بهذا الشكل، وقد بدأت تتأقلم بعد مرور عدة أيام بسبب توصية حسام عليها فلم يكن أحد يجرؤ على مضايقتها أو التعرض لها.
غضب حسام بشكل جنوني حين اكتشف اختفاء البواب ورغم بحثه عنه لم يجده كأنه اختفى من على الأرض وشدد على مساعديه بالبحث عنه في كل مكان يمكن أن يوجد به.
في نفس الوقت كان يكثف جميع جهوده حتى يستطيع الكشف عن شركاء ظافر وإيجاد أي دليل يسهل عليه مهمته كان بالكاد ينام أو يأكل ولا يشعر بالارتياح طالما هديل مسجونة ظلما.
بالمقابل كانت هديل تذبل أكثر فأكثر من مرور الأيام فلقد مرت أكثر من أربعة أشهر وهي مازالت هنا دون دليل على أي خروج قريب لقد خشيت بشدة أن تقضي حياتها كلها هنا دون أن تظهر براءتها.
في يوم حضر حسام مع مساعدته التي سبق ورأتها في المكتب، حدقت إليها هديل وشعرت بالنقص داخلها، كانت الفتاة أنيقة للغاية في بذلة عمل رسمية بينما هي في المقابل ترتدي ملابس السجن ووجهها شاحب وعيونها خالية من أي معاني الحياة.
أشار لها حسام أن تجلس فجلست بجانبه بينما كانت سارة تجلس على الجانب الآخر بالقرب منه.
كانت عيون هديل مركزة من سارة حتى لفت حسام انتباهها وهو يعرض عليها بعض الصور قائلا بجدية: هديل
عايزك تبصي للصور دي كويس وتشوفي لو تعرفي حد فيهم أو شوفتي حد فيهم في يوم من الأيام مع ظافر مثلا جه معاه البيت مرة.
عرض عليها بعض الصور التي ركزت فيهم هديل بكل حواسها حتى وصل لصورة شخص ما فأشارت لها هديل على الفور: ده! أنا كنت بشوفه مع ظافر اه مكنش بيجي كتير بس فاكراه.
ارتسمت ابتسامة ارتياح على فم حسام وقال لها: تمام شكرا جدا يا هديل استني دقيقة هقول حاجة للضابط واجي تاني.
نهض معه الصورة التي يمسكها بينما بقيت هديل وسارة فقط، كانت هديل تفرك يديها بتوتر فتطلعت إليها سارة وقالت بابتسامة ذات معنى: أستاذ حسام شهم أوي مش كدة؟
نظرت لها هديل بدون فهم للحظة حتى قالت بتأكيد مرتبك: ااه اه طبعا.
تنهدت سارة بشكل مبالغ فيه وتطلعت أمامها بهيام: أستاذ حسام ده جنتل مان جدا أي بنت بتيجي بتعجب بيه فعلا لأنه شخص شهم ولطيف ده غير مكانته المرموقة.
تابعت وهي ترفع يديها لتعبث في خصلات شعرها المصفوفة بعناية: بقعد أفكر دايما مين دي المحظوظة اللي هيبقى من نصيبها؟ أكيد هتبقى بنت مميزة أوي مش أي حد لأنه شخص مميز زيه المفروض مراته تبقى أنيقة ومن عيلة وخلفية يمكن حد زيي كدة.
نظرت لها عن قصد مع آخر كلماتها وكأنها تقصد التقليل من شأنها والتحقير منها بينما صمتت هديل وهي تنظر للأرض بوجوم حتى عاد حسام فنهضت وطلبت العودة لزنزانتها بصوت لا يقبل النقاش مما أثار استغراب حسام الشديد.
عادت هديل للداخل وجلست على سريرها وهي تحاول تمالك أعصابها، أغلقت جفنيها بقوة ثم فتحت ولاحظت وجود مرآة على الجدار فنهضت واقتربت منها ببطء.
تطلعت إلى نفسها في المرآة ورفعت يدها لوجهها تتحسسه كما بدى وجهها شاحب وبشرتها باهتة ومتعبة مقارنة ببشرة سارة التي تلمع ووجهها التي تضع عليه مساحيق التجميل بإتقان.
أزاحت وشاح السجن عن رأسها وهي ترفع يدها لخصلات شعرها الذي وقارنته بخصلات سارت اللامعة بينما شعرها هي قصير ومقصف وقد بهت لونه.
فجأة انفجرت دموعها على وجهها وانهارت على الأرض وهي تبكي شهقاتها ترتفع بألم، التمت حولها بقية النساء وقد فزعوا من بكائها العالي حاولوا تهدئتها ومعرفة سبب بكائها دون فائدة حتى ساعدوها وأسندوها حتى تنهض وتتمدد على سريرها.
تمددت هديل على جانبها وبقيت تبكي حتى نامت، مرت عليها بضعة أيام كانت خلالها مكتئبة للغاية وقد رفضت تناول الطعام إلا القليل منه وحتى رفضت مقابلة حسام مما أثار استغرابه وقلقه، لقد كانت سارة محقة إن حسام يستحق فتاة مميزة للغاية وليس فتاة مشوهة من الداخل والخارج مثلها ورغم معرفتها الحتمية بذلك فهذا لم يمنع عنها الألم أبدا.
في يوم تم استدعائها وقد أخبرتها الحارسة أن مدير السجن يريدها لأمر ضروري.
تعجبت هديل وسارت رفقتها بخليط من القلق والأمل، هل يمكن أن يكون هناك حد جديد بشأن قضيتها؟
دلفت إلى الغرفة وعيناها تركزان على المدير الذي يجلس على مكتبه ولم تنتبه لأي من الحاضرين الذي يجلسون على أريكة أمامه.
لاحظت عيناه المبتسمتان فالتفتت لتتسع عيونها بشدة من الصدمة، كان والدها يجلس هناك بجانبه رجل يرتدي حُلة يظهر منها أنه مأذون شرعي وبجانبه حسام يرتدي بدلة أنيقة ويحدق إليها بابتسامة ساحرة، عيناه تتألق بالحماس والتوق.
ظلت تحدق لذلك المنظر فاغرة فاهها وهب تستوعب ما يحدث.
نهض حسام وقال بعاطفة عميقة: هديل أنا عارف أنه ممكن ميكونش الوقت مناسب أبدا بس أنا استنيت سنين طويلة ومقدرتش استنى أكتر من كدة أنا نفسي تبقي مراتي النهاردة قبل بكرة نفسي أقدر اواسيكي وأقف جنبك بدون أي حواجز بيننا، أنا حبيت أعملهالك مفاجأة وجهزت كل الأمور اللازمة، تقبلي تتجوزيني؟
تطلعت إليه مشدوهة ولكل ما حولها ما حولها مخطوفة الأنفاس حينها سيطر عليها تفكير واحد فقط وردت باندفاع ودون أن تشعر: لا.
#يتبع.
#أحرقني_الحب.
بقلم ديانا ماريا.