رواية عنيده في قلبي الفصل الثاني عشر والثالث عشر


 رواية عنيده في قلبي 

" الفصل الثانى عشر "

استيقظت سارة صباح     اليوم التالى على صوت رنين هاتفها ، كانت مرهقة ومجهدة فلم تنم بالأمس إلا فى وقت متأخر جدا ... بالكاد استطاعت فتح عينيها ...     تناولت الهاتف بكسل من جانب سريرها وضيقت عينيها حتى تعتاد على الضوء ... كان الرقم غريبا .... استقامت جالسة وضغطت على زر الإجابة

المتصل:

  -سارة أحمد الجوهرى معايا ؟!

سارة :

  -أيوه أنا .

ثوان معدودة وارتفعت     دقات قلبها بفرحة جلية ممتزجة بالصدمة التى انعكست على ملامح وجهها ..... هتفت تضع يدها على صدرها بعدم تصديق :

  -حضرتك متأكد من إسمى ؟

أجابها مؤكدا:

  -أيوه يا فندم ...ولازم حضرتك تشرفينا بكرة ان شاء الله الساعة ١٠ عشان نتفق على كل حاجة .

أومأت برأسها فى سعادة وقالت بامتنان تنهى المكالمة:

  -تمام .... بإذن الله ... شكرا جدا لحضرتك .

لم تصدق ما التقتطه أذنها..    ...ولم تستوعب أيضا بأن الفرصة التى كادت تجزم بأن احتمالات قبولها فيها تكاد تكون شبه مستحيلة....ولكن مع ذلك      تمسكت بالأمل والأخذ بالأسباب ، السببان الرئيسيان بعد فضل الإله فى اجتيازها ذلك الاختبار ...... شبكت يديها ببعضهما تتمتم بحمد الله وشكره.

أزاحت الغطاء عنها وأنزلت قدميها عن الفراش تهرول خارج الغرفة باحثة عن أمها لتبلغها بهذا الخبر السعيد .....

كانت سامية بالمطبخ إذ سمعت صوت ابنتها .... لتنتبه مغمغمة مع نفسها "خير يا ترى" ....     لتلج سارة قائلة بحماس :

  -ماما انا اتقبلت .... كلمونى دلوقتى وقالولى انى اتقبلت ويومين وهبدأ شغلى .

لم تر سامية ابنتها بهذه السعادة تقريبا منذ وفاة والدها ، ورغم أنها ليست على اقتناع تام أو شعور بأريحية كاملة تجاه تلك الوظيفة ولكن فرحة ابنتها      تجبرها على الابتسام لها والسعادة من أجلها .... اقتربت من سارة تقبلها من وجنتيها وهى تمسد بيديها على كتفيها :

  -مبروك يا حبيبتى.....يارب المكان ده يكون خير ليكى وربنا يكتبلك التوفيق والسعادة فيه ...

ابتسمت سارة لوالدتها بسعادة وخرجت تفكر فيما هى قادمة عليه وما عليها فعله.

.....

  -ها ..... بلغتوها ؟

  -أيوه يا باشا .... اتفقت معاها انها تكون هنا بكرة ان شاء الله.

أومأ كريم بارتياح وتطلع أمامه .... ليقاطعه سؤال  صديقه :

  - معلش سؤال يعنى .... ليه دى بالذات ؟

  اشمعنى سارة ؟

اعتلت شبه ابتسامة ثغر يزيد ليجيب بهدوء:

 

  - مش عارف .... بس ليه لأ ؟

  يعنى اللى زى دى ليه تترفض ؟

مش شايف مبرر انها ماتبقاش موجودة هنا .... فيها الشروط اللى احنا عايزينها سواء المؤهل أو السن .... انا شايف انها مكتملة ... سنها صغير ، صحيح لسه بتدرس ولكن احنا معندناش مانع من الناحية دى .

توقف لبرهة ثم استطرد وهو يسلط بصره على صديقه قائلا بشئ من الجدية  :

  -كمان محجبه ولبسها مش لافت .... وبصراحة دى ميزة عجبانى جدا .

وأضاف متهكما:

  -خدنا أيه من عارضات الأزياء !!!

....

نزلت مى لتجد والدتها جلسة فى حديقة البيت تحتسى كوبا من الشاى .... بابتسامة مشرقة دنت منها وطبعت قبلة على وجنتها .

  -ابتدينا ننام كتير .

هدرت هناء بعتاب زائف ، وأردفت :

  -اليومين الجايين معندناش وقت للنوم ... عايزاكى تصحصحى أكتر .... الخطوبة بالكتير هتكون الأسبوع الجاى ...مش عايزين نزنق نفسنا على اخر الوقت .

خفق قلب مى تلقائيا لسماع كلمة "الخطوبة" فعقبت قائلة بحماس :

  -ماتقلقيش ..... بالنسبة للفستان والميكب ارتست ؟

  -انا هكلم كذا حد من صحابى     أشوف معاهم أحدث الموديلات والتصاميم واخليهم يرشحولى ميكب ارتست كويسة ... اطمنى.

أومأت مى تنظر أمامها وهى تفكر .... عليها بدء الاستعداد من الآن .

.....

صباح اليوم التالى

نهضت سارة من الفراش بعدما صدح صوت منبه هاتفها لتستعد ليوم مميز وخاص فى حياتها     ....توجهت إلى الحمام واغتسلت لتخرج وترتدى ثيابها .... وعلى عجل تناولت بضع لقيمات تسندها فى صباحها .... لتودع أمها وتغادر.

فى بداية الأسبوع فالطريق      لم يكن صعبا والمواصلات العامة ليست مكتظة بالركاب بقدر المرة السابقة ... كان هذا مريحا لها إلى حد ما ... وصلت أخير إلى مقر الشركة التى قارنت بين أول مرة أتت إليها وكانت     ممتلئة بالأشخاص المتقدمين للوظيفة مثلها ، وبين هذه المرة التى كان المكان طبيعيا ..... استقبلها وجه عرفته جيدا وازداد تأكيدها بمعرفته صوته الذى كان مألوفا لها .

  - آنسة سارة صباح الخير .

مد يده يصافحها ورغم      تحفظها تجاه مصافحة الجنس الآخر كانت رهبة المكان والموقف أقوى منها فصافحت تخفى ارتباكها واستغرابها ...

ردت بابتسامة صغيرة :

  -صباح النور .

  - طبعا بهنيكى على قبولك     معانا بالظبط زى ما هنيت زميلاتك التانيين اللى اتقبلوا ... واتمنالك كل التوفيق .

حافظت على ابتسامتها المجاملة :

 

  -شكرا .

ليستطرد بجدية :

  - طبعا زى ما قولتلك      امبارح فى المكالمة .... كان لازم تيجى النهاردة عشان توقعى وتستلمى الشغل بشكل رسمى .... والأهم طبعا انك هتقابلى سينيور      كريم رئيس الشركة بعد دقايق من دلوقتى ... وعايز اقولك ان المسئولية معاه كبيرة بس ان شاء الله تكونى قدها .... خصوصا انه اختارك بنفسه.

كانت سارة فى موقف لا تحسد عليه ..... تشعر بالرهبة خاصة بعد كلام هذا الرجل...... رد باقتضاب :

  -ان شاء الله.

  -من غير كلام كتير عشان ماكترش عليكى ... سينيور كريم فى مكتبه بيعمل شوية مكالمات     أول مايخلص هيستدعيكى ... وطبعا الكلام إللى هيقولهولك هيكون مختلف عن كلامى وبشكل رسمى أكتر .

لينهض بعد ذلك وينهى حديثه :

  -بالتوفيق مرة تانية .

لتشير سارة برأسها مبتسمة .

......

بالفعل بعد عشر دقائق تم     استدعاء سارة لمقابلة رئيس الشركة..... تشعر بدقات قلبها تزداد بتوتر .... أخذت شهيقا عميقا وزفرته محفزة نفسها  "     تشجعى سارة ولا تقلقى من شئ " .... أنزلت قبضتيها إلى جانبيها وعدلت من وضع حقيبتها ومضت إلى المكتب .

فى الداخل كان كريم جالسا وقد أنهى مكالماته....ليسمع بعد ذلك صوت طرقات على الباب فأدرك أنها سارة ....

  -اتفضل .

وضعت سارة يدها الباردة على مقبض الباب تديره بتمهل.... حتى انفتح الباب ودلفت بهدوء...ولكن قبل أن تقترب من المكتب جاءها صوت كريم الآمر بهدوء :

  -اقفلى الباب .

لتستشعر الحرج وتغلقه ..... بينما نهض كريم متجها إلى الكراسى الجلدية الضخمة بعيدا عن المكتب ليشير إلى سارة بيده لترافقه وبهدوء امتثلت لما طلب .

تطلع كريم فى سارة الجالسة على بعد لا بأس به منه .... رمقها بنظرة شمولية تقييمية لم تنتبه إليها .... بدءا من حجابها الزهرى المهندم ثم الكنزة الناعمة أسفلة والتى يعلوها جاكيت من الجينز الأزرق الغامق .... انتهاء من الجيبة ذات قماش الجينز الأزرق أيضا وحتى حذائها الرياضى الأبيض ....

ملابس محتشمة وملامح هادئة .... يريد كريم أن يستكشف المزيد !

  -ازيك يا سارة ..... نورتى الشركة.

  -الحمدلله .... شكرا .

إتكأ كريم بساعديه على ركبتيه يضم يديه إلى بعضهما.....وبملامح أكثر جدية وتركيز أردف مسلطا بصره فى عينى سارة :

  -النهاردة تقدرى تقولى إنه     بمثابة تعارف بس مش أكتر..... انتى اكيد عندك خلفية عن شركتنا وعارفه انتى جايه هنا ليه .... وان شاء الله مع الوقت تكتسبى خبرة أكتر بس خلى بالك.... أنا شخصية جادة     جدا فيما يتعلق بالشغل واحب اللى يفهمنى بسرعة ويفهم شغلى .... كل ما خدتى وقت أقل واستوعبتى بسرعة كل ما كان أفضل ودى النوعية اللى بحبها.

كانت سارة تلتهم كلامه بحواسها

  -ومش قصدى طبعا انى      اقلقك او احطك تحت ضغط يفوق طاقتك ... بالعكس شغلنا أبسط بكتير .

 

لم يغفل كريم عن تلك النقطة التى توحى بالاطمئنان خاصة عندما رأى اكتساء ملامح سارة بالجدية والتركيز.

أراد أن يشركها فى الحوار ليتعرف عليها أكثر  :

  -انتى سنك صغير وحسب ما قرأت من الc.v انك لسه فاضلك سنة فى الجامعة صح ؟

  أثيرت حواسها بسؤاله المباغت لتحاول الإجابة بثبات وثقة يتنافيان مع ضجيجها الداخلى واضطرابها :

  - فعلا أنا طالبة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بدرس فى الفرقة الرابعة .... بس فى حاجة .

حرك كريم رأسه متسائلا .

  -تقريبا متبقى شهر على بداية الدراسة ... فأول ما الدراسة تبتدى أنا دوامى هنا هيكون ٣ أيام فى الأسبوع بس .... ده علشان الجامعة والمذاكرة.

عقد كريم حاجبيه يفكر بما قالته.... ظنت سارة أنه لربما يعترض أو ثمة مشكلة ستحدث ....       ليتنهد كريم ويقول بثبات :

  -عموما مش عايزين نسبق الأحداث .... أصلا الشهر ده هيكون تقييم وكذلك استفادة واكتساب خبرة ليكى برضو .... بعدين نشوف موضوع الجامعة .

تنهدت بارتياح ممتنة له على تفهمها.... ليتابع كريم :

  -قدامك مهلة يوم تكونى على أتم الاستعداد .... واكيد فهمتى انا اقصد ايه ... يعنى تجهزى لبسك إللى هيكون رسمى شوية وده شأنك انتى تقدرى تستفسرى اكتر عن الموضوع ده ..... وبرضو تكون استعديتى من كل النواحى لإننا هنبدأ على طول .

  -تمام .

ارتاح كريم أكثر فى جلسته ليقول وهو يتطلع إليها :

  -أنا تقريبا خلصت كلامى .... لو عندك اى استفسار انا جاهز ... لو معندكيش تقدرى تتفضلى.

لتقف سارة وتتسائل بترقب  :

  -بالنسبة للحضور والانصراف ؟

ينهض كريم ويقف بطوله الذى جعلها تلقائيا ترفع بصرها إليه وهو يدس يديه فى جيبى بنطاله قائلا :

  -من ٨ ل ٢ .

لتستعد سارة للمغادرة وتتمتم شاكرة له :

  -تمام .... متشكرة.

رمقها كريم بنظرات ثابتة هادئة وظل يراقبها إلى أن غادرت .

بعد أن خرجت ظلت تفكر وتحلل ما دار بينها وبين رئيس الشركة.... ليقطع أفكارها رنين هاتفها ... خمنت بما لا يقبل الشك بأن المتصل والدتها ولكنها تفاجئت بالإسم الذى ظهر على الشاشة أمامها " عبد الرحمن "

تعجبت لاتصاله بها ترى ماذا يريد منى الآن ولماذا يتصل .... كانا قد تبادلا أرقام هواتفهما ليلة أول أمس بعد قراءة الفاتحة وبناء على طلب عبدالرحمن .   ... ترددت فى البداية لتقرر منحه رقمها أخيرا.

وضعت الهاتف على أذنها وأجابت :

  - عبد الرحمن.... ازيك ... فى حاجة ؟

ليأتيها صوته :

  -انا تمام يا سارة انتى ازيك ....

لا أكيد مش لازم يبقى فى حاجه عشان اتصل بيكى .... انا قولت اتطمن عليكى بس .... فينك دلوقتى فى البيت ولا فين ؟

وهنا انعقد لسان سارة ....      لم تعرف بم تجب ، بل لم تضع فى بالها أمر معرفة خطيبها المستقبلى بالعمل من الأساس ....

"الفصل الثالث عشر"

لمح علاء سارة وهى تقف بالخارج ليستنتج من ذلك بأن لقائها مع كريم قد انتهى وغادرت .     ... ليتجه بعد ذلك إلى مكتب صديقه .....ولج للداخل ليجد كريم فى المكتب مائلا بظهره للخلف فى مقعده

  -المقابلة خلصت صح ؟ انا شايف سارة واقفة تحت .

أشار كريم برأسه بصمت ... ليعتدل بعد ذلك قائلا :

  -أيوه ... لسه حالا .

بفضول تسائل علاء :

  -طب وانت أيه رأيك .... أو انطباعك عنها يعنى ؟

مط كريم شفتيه ليستطرد بثبات :

  -أنا متفائل.... شكلها مش من النوعية اللى بتحب الهلس أو النوع اللعبى اللى أى كلام .... باين عليها انها جد وعارفه هى عايزه أيه .

ثم صمت لبرهة وتابع :

  - بس برضو مش مقياس يخلينى متأكد قوى .. شغلها وطريقتها معايا هو اللى هيعرفنى كل حاجة .

ليهدر علاء مؤكدا :

  -أنا برضو ملاحظ ده و حاسس انها هتكون مكسب ليك.

لينهض كريم بعد ذلك ويلتقط مفاتيحه يستعد للمغادرة وهو يقول بإرهاق:

  -أنا لازم امشى... مش قادر حاسس انى مجهد أوى مش قادر استنى أكتر من كده .

أومأ صديقه متفهما:

 

  - مع السلامة انت ماتقلقش انا هتابع كل حاجة .

ليقول كريم وهو يغادر :

  -هبقى اكلمك .... سلام .

.....

فرغت سامية فاهها بصدمة     عندما أخبرتها ابنتها بمكالمة "عبدالرحمن" المفاجئة عندما غادرت مقر الشركة لتسألها بقلق :

  -وقولتيله أيه ؟

ردت سارة بوجوم :

  -ماقولتلوش انى كنت فى الشركة ولقيت شغل جديد طبعا لإنى متأكده انه كان هيدخل فى سين وجيم وانا مرهقة وعايزه اروح .

عبست سامية تقول بتأنيب ضمير:

  -ازاى غفلنا عنها دى وماقولنالهمش انك لاقيتى شغل.....

وأضافت متهكمة :

-لا ومش أى شغل كمان !!!

لتردف سارة بجمود:

  -ماما احنا مابنعملش حاجة غلط ..... وبعدين الموضوع جه فجأة أصلا هما لسه ردين عليا امبارح !!

يعنى مفيش داعى تلومى نفسك.

هدرت سامية بجدية :

  -المهم ... الشبكة خلاص كلها أيام .... شدى حيلك شوية..... عايزين نجهز نفسنا من دلوقتى .

 

تلقائيا شعرت سارة بثقل يجثم على صدرها .... لتتنهد وتنهض بعد ذلك بإرهاق ظاهر :

  -أنا عايزه ارتاح دلوقتى بعدين نكمل كلامنا .

.....

أنهت سمية مكالمتها الهاتفية للتو مع صديقتها هناء لتجد كريم مقبلا عليها .

  -لسه كنت بكلمك طنط هناء دلوقتى .

كريم بملامح شبه باردة وهو يلتهم من طبق "الترمس" فى يده :

  -عامله أيه ؟

  -هما كويسين .... اعمل حسابك بقى الشبكة هتكون يوم التلات ان شاء الله .... فضيلى نفسك من دلوقتى عايزين نعمل حاجة تليق بيكوا.

كانت سمية تتحدث بحماس وتلقائية ... ربما لا تعرف طبيعة ابنها المحب للبساطة والعملية....أو لربما من فرط استعدادها لأن تفرح ببكرها الوحيد تناست ذلك !!

لم يملك كريم سوى أن يشير برأسه ويوافقها:

  -ربنا يسهل .

.....

كان يوما مميزا فى حياتها للغاية... ذلك اليوم الذى ستباشر فيه عملها بشكل رسمى .   .... فى اليومين الماضيين لم يكن يحتل تفكيرها سوى أن تجهز نفسها لتكن على أتم الاستعداد من أجل البدء وإثبات نفسها ووضع أول خطوة فى طريق بناء وتحقيق ذاتها .... هكذا ظنت .

دخلت الشركة بثقة وحماس داخلى تجوب بنظرها فى أركانها ...وفى سيرها وجدت "علاء" فى طريقها لتتشبت أنظارها به فهى لا تعرف سواه هو ورئيس عملها بالطبع .... أشرف عليها بابتسامة لتبادله إياها:

  -أهلا يا سارة ايه الأخبار ؟

 

  -الحمدلله .

  -أنا هكون معاكى وهاخدك فى جولة سريعة كده واعرفك على مكتبك وكمان هشرحلك حاجات بسيطة أو فكرة عامة يعنى لغاية ما سينيور كريم يوصل هو عامتا مش باقيله كتير .

أومأت برأسها لتذهب بصحبته .

بعد قليل كانت تجلس فى مكتبها المنمق والقيم أيضا فى غرفة صغيرة ، أخبرها علاء بأنه      تم إعادة تصميمها خصيصا لأجلها ... وبناء على رغبة كريم .... ورغم أن الغرفة لم تكن واسعة إلا أنها كانت تحتوى على نافذة صغيرة  من خلفها يظهر منظر البنايات العالية والشوارع     والسيارات المارة .... شملت سارة الغرفة بنظرات متفحصة جعلتها تستنتج بعد ذلك أن ذوق مديرها على مستوى عال رغم البساطة .

ولكن هذا الشعور بالسعادة لم يدم ... إذ هاجمتها كلمات والدتها وتذكيرها بمعاد الخطبة والترتيبات لها     ... تشعر بأنها فى نفق مجهول النهاية خاصة مع تراكم الأحداث واستلام تلك الوظيفة .... وأخيرا ماذا عن يوم الإجازة الذى طلبت منها أمها بأن تناله لأجل يوم الخطبة ؟!!

كيف تستفتح عملها بطلب إجازة ؟!!

وكأنه لا مجال للراحة أبدا !

قطع خلوتها صوت رنين الهاتف الأرضى الصغير الذى جعلها تجفل وتنتبه إليه     .... لتتذكر حديث علاء بأن هذا الهاتف هو وسيلة التواصل معها ومع كريم فى العمل .... لترفع السماعة وتضعها على أذنها .... ولم تتاح لها الفرصة لقول مرحبا !

 

  -سارة تعاليلى على مكتبى .

ليغلق الخط بعد ذلك وسط دهشتها الشديدة ونبضات قلبها الأشد !

نهضت تعيد ترتيب ثيابها وخرجت متجهة لمكتب رئيسها .

طرقت الباب لتلتقط أذنها     الإذن بالدخول ... كان كريم واقفا يولى ظهره إليها يتطلع فى النافذة .... ليستدير ملتفتا إليها وتقع عينه التى لم ترتفع بعد ذلك على أجمل منظر قد رآه فى حياته !!

بوميض من الإعجاب والانبهار المخفيان حدق كريم فى سارة الواقفة أمامها بإطلالتها الأنثوية الناعمة المختلفة قليلا عن المرة السابقة فى اللقاء       الأول بينهما ...ورغم ملابس العمل المكونة من جيبة قماشية واسعة بخطوط رفيعة أعلاها كنزة صغيرة سادة أبرزت تفاصيلها الأنثوية الرقيقة ... تحكم فوقها "جاكيت" أبيض اللون بأزرار     عند منطقة أسفل الصدر ... لتتوج طلتها  بحجاب رقيق من اللون النبيذى أبرز بياض بشرتها التى تزينها بزينة خفيفة .

استدرك كريم الموقف واستفاق ليجلس ويطلب من سارة الجلوس أيضا .

قال بنبرته الرجولية الجادة المعتادة والتى تستشعر سريانها فى أوصالها بطريقة غير عادية :

  - علاء قاللى انك هنا من فترة وانه شرحلك المطلوب منك وفرجك على مكتبك ... أتمنى يكون أفادك بحاجة.

أومأت سارة بشبه ابتسام:

  -بالظبط.... وفعلا أنا استفدت منه وعرفت معلومات كتير جدا .

  -كويس جدا .... عجبنى     التزامك وحضورك بدرى فى معادك استمرى على كده .... وبالتوفيق .

أطرقت برأسها فى خجل وسعادة وامتنان بداخلها من ثناءه عليها .... ليستطرد كريم وهو يراقبها  :

  -نبدأ الشغل .... دلوقتى انا هسلمك مجموعة ملفات هى فى الحقيقة متراكمة من فترة وكان المفروض انها مسئولية البنت اللى قبلك واضطريت تأجيلها لما مشيت وقررنا نشوف حد بدالها ....

كانت سارة تتابع كلامه بتركيز شديد وحماس بائن فى أعينها العسلية

  -الاختيار ليكى ... سواء ق   ررتى تشتغلى عالملفات هنا فى مكتبك أو لو حبيتى تاخديها معاكى البيت تكمليها هناك ده براحتك.

  -هبدأ فيهم هنا ولو احتجت وقت أكتر هاخدهم معايا البيت بما إن مفيش مشاكل.

تقريبا لم يركز كريم فى جملة سارة الأخيرة... لاحظ أنها لا تجيد التواصل البصرى وتحيد ببصرها دائما عنه رغم أنه لا ينكر أن للتحديق فى مقلتيها ل     ذة وحلاوة عذبة خاصة مع ذلك الكحل الذى يحيط بهما ، ولكنها تصر على حرمانه منهما .... أرجح السبب بأنها ربما تخجل منه أو ليست معتادة عليه كشخص جديد فى حياتها و    هو لا يشكك بأى من السببين.... لوهلة قارن بين سارة الجالسة أمام مكتبه وبين مى المفترض أنها ستكون خطيبته حيث أن مى لم تكن لترفع عينيها عنه عندما يتحدثان وجها لوجه أو حتى مع العائلة كان يلاحظ نظراتها التى تتشرب منه .... والآن... شتان بين سارة ومى !!!

أليسا من نفس الجنس ؟

لماذا هن لسن مثل سارة ؟!

نفض عنه تلك الأفكار ولبرهة وبخ نفسه على عقد تلك المقارنة بين فتاة يفترض أنها ستكون      خطيبته بعد أيام وتحبه وبين فتاة أخرى لم يلتقى بها إلا منذ يومين تقريبا ولا يعرف عنها سوى القليل وليس من العدل أن يجزم بالأمور فلربما تخبئ سارة خلفها الكثير !

هتف مرجعا كرسيه للخلف:

  -تمام تقدرى تتفضلى دلوقتى .

كانت سارة تتوقع وقتا أطولا للقاء ولكن على كل حال أومات بصمت وغادرت إلى مكتبها تحت نظرات رئيس 



                          الفصل الرابع عشر من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×