رواية عنيده في قلبي الفصل الرابع عشر والخامس عشر


 رواية عنيده في قلبي 

"الفصل الرابع عشر "

ثلاثة أيام مضت ...

دلفت سارة إلى مكتبها فى وقت مبكر كعادتها وفى معادها المحدد ... كان الأفراد فى       الشركة محدود عددهم حتى الآن ... جلست تراجع بعض الأوراق والملفات التى عملت على إتمامها فى الأيام الماضية لتتأكد      من أن كل شئ على مايرام ... ساعة مرت تقريبا وهى قابعة فى مكانها حتى وجدت علاء مقبل عليها يلقى التحية الصباحية .

  -أخبارك أيه النهاردة ؟

سارة بابتسامة عذبة :

  -الحمدلله.

  -ها .... انطباعك ايه لحد دلوقتى عن الشركة والشغل هنا بما إن بقالك يومين تلاته معانا ؟

  أومأت برأسها تقول بهدوء ونفس الإبتسامة:

  -تمام ... بصراحة ماكنتش     اتوقع انى أنسجم بالسرعة دى .... وكمان الشغل سهل مش صعب ..... أبسط مما كنت متوقعة .

ليتنهد علاء بارتياح يقول :

  -طيب تمام اوى .

استغلت سارة الفرصة لتسأل علاء عما استشعرته من تأخر حضور رئيسها فى العمل حتى هذا الوقت .... قالت بتحفظ :

  - هو سينيور كريم اتأخر النهاردة ولا انا بيتهيألى؟

 

لتعتلى الدهشة وجه       علاء وهو يرمقها بنظرات لم تفهمها :

  -ايه ده هو مقالكيش ولا ايه ؟

عبست سارة قائلة :

  -مقاليش ايه بالظبط؟

  -سينيور كريم خطوبته النهارده .

فغرت سارة فمها قليلا وارتفع حاجباها متفاجئة بما قاله علاء .... لتقول بعد ذلك بحرج :

  -لا بصراحة مقاليش.

هز علاء رأسه يقول :

  -عموما احنا دوامنا النهاردة مش هيطول وده يوم استثنائى عشان الخطوبة طبعا ....      يعنى كلها ساعتين وتقدرى تمشى ... انا اصلا شايف ان حضورك النهاردة مكانش ليه لازمه ....

ودلوقتى انا همشى عشان ورايا حاجات كتير لازم اخلصها.... ولو طلبتى اى حاجه كلمينى.

ابتسم علاء لسارة المشتتة      ذهنيا الآن وغادر .... لتشرد هى فى تفكيرها المتداخل والعديد من الأسئلة والعبارات تدور برأسها.... لماذا وكيف لم     يخبرها بأمر خطبته على اعتبار أنها مساعدته ؟! أو ربما دعاها إلى الحفل !!! بالطبع سيكون حفلا يليق برئيس الشركة وعائلته.

لم تنتبه أصلا إلى هذا الشأن     أبدا منذ قدومها للعمل بالشركة وحتى التقت به فلم تفكر عما إن كان رئيسها فى العمل أعزب أم متزوج ؟!

ترى كيف هى خطيبته ؟!!

مؤكد أنها قمة فى الجمال     والحسن !! طويلة القامة أم متوسطة؟

وشعرها أسود شرقى أم ذهبى كالغربيات ؟

 

أفاقت سارة أخيرا حين وجدت نفسها تنزلق فى منعطف هذا التفكير الفضولى كما وصفته!

نهرت نفسها لتفكيرها بهذه الأمور التى لا شأن لها بها .... ومع ذلك فإن أمر تجاهل كريم      لإخبارها أو التلميح لخطبته على الأقل مازال يزعجها ... ويبقى السؤال الشاغل لديها

"لماذا لم يخبرنى ؟ هل يرانى لست جديرة بالمعرفة ؟ أم أن أيامى القليلة التى قضيتها هنا تحتم عدم وجود أهمية لإخبارى بالأمر "

......

صدح صوت الألعاب النارية فى سماء القاهرة الواسعة ليلا ،وعلت أصوات السيارات القادمة إلى داخل المنزل الفخم معلنة الوصول .... لتتوجه أنظار الحاضرين نحو الموكب الصغير المتجه لإتمام مراسم الخطبة ...    . خطبة الإبن والإبنة البكران كل منهما لعائلته .... ليترجل كريم المرتدى لحلة أنيقة من اللون الكحلى حررها من رابطة العنق أظهرته بجاذبية ملفته، أسفلها قميص أبيض ..... ترجل من السيارة بعد دقائق ليلحق بمى التى كانت مبهرة الليلة بفستانها الذهبى البسيط والذى رغم بساطته أظهر رشاقة قدها وتنافست ذهبيته مع ذهبية خيوط شعرها الحريرية المعقودة للخلف بفورمة جميلة مع بعض من الخصلات على جانبى وجهها .... وتحمل بيدها باقة من الزهور الوردية .

اتجه الجميع للداخل وجلس كل من الفتاة والشاب إلى جوار بعضهما إلى أن حان موعد     ارتداء خواتم الخطبة المسماة  ب "الدبلة " أو "المحبس" ..... لتتعالى الصيحات المهللة بعد ذلك حفاوة بالمشهد مع التصفيق المصاحب والزغاريد .

....

  - مش هينفع اخد أجازة يا ماما.

 

هتفت سارة بضيق لتهدر والدتها بانزعاج ودهشة جليان :

  - يعنى ايه مش هينفع تاخدى أجازة!!!

  امال الفستان والحاجات إللى احنا عايزينها دى هنجيبها أمتى ؟!!

قالت سارة بتذمر:

  -هبقى اطلع بدرى يوم وخلاص بقى .... مش هينفع اخد اجازة انا لسه فى البداية.... هيقولوا عنى مستهترة.... ابقى اطلع بدرى ونروح نجيب الحاجات اللازمة .

تأففت سامية ناهضة وهى تصيح بحنق:

  -والله ده إسمه عك اللى بتعمليه ده اسمه عك وشكلنا وشنا هيسود مع الناس .

مطت سارة شفتيها بامتعاض .... تتمنى لو أن تغفو وتستيقظ لتجد أمر خطبتها ذا قد مر     وانتهى .... ولكن العمل لديها هو الأولوية دائما .... ولأول مرة ستفكر بأنانية لمصلحتها ولن تفعل أى شئ قد يهز صورتها فى العمل أو يترك المجال للقيل والقال وإن كلفها ذلك تضحية ما !!

.....

تبادل كل من مى وكريم الملاعق الممتلئة بقطع "الكيك" وسط أنظار الحاضرين السعيدة لأجلهما والساعين لأخذ الصور لتوثيق تلك اللحظة .

مر الحفل الصغير أخيرا ليسمح ل كريم بأن ينفرد بخطيبته قليلا

  -مبروك .

ردت مى بسعادة خجلة :

  -مبروك لينا.

لمح علاء صديقه عن بعد ليذهب إليه ويهنئه مجددا :

  -مبروك ياسينيور عقبال الفرح ان شاء الله.

  -الله يبارك فيك يا علاء وعقبالك قريب .

بعد قليل مال علاء على صديقه ليقول :

  - هو انت ماقولتش لسارة ان شبكتك النهاردة ؟

 

عقد كريم حاجبيه يقول :

  -لا ماقولتلهاش....مافتكرش انى لمحتلها حتى .. بتسأل ليه ؟

 

  -أصل احنا اتكلمنا النهاردة واتفاجئت انها ماتعرفش .

أومأ كريم برأسه يقول بنبرة عادية :

  -لا أصل انا مش متعود عليها يعنى أو لينا كلام كتير مع بعض وبالذات فى المسائل الشخصية دى وكمان مجاتش مناسبة.

ليغمغم صديقه بتفهم :

  -تمام .

......

صباح اليوم التالى نهضت سارة من فراشها باكرا كعادتها وسريعا توجهت لتغتسل     وتؤدى فريضتها ثم ترتدى ثيابها العملية التى أصبحت يومية مؤخرا ... لتودع أمها وتغادر للعمل .

كانت تجلس فى مكتبها الصغير حتى رن الهاتف الموضوع فى زاوية المكتب أمامها ولكن قبل أن تجيب كانت تفكر ... هل حضر سينيور اليوم ؟

بالطبع حضر سارة ومن سيكون غيره !

لتحسم الأمر وترفع السماعة ويأتيها صوته كما توقعت:

  -سارة تعاليلى.

تلقائيا تعالت نبضات قلبها وفى حقيقة الأمر هى تكون متوترة جراء كل ما يتعلق بأمر رئيس عملها .... أخذت نفسا ينعش صدرها ويخفف من توترها ثم مدت يدها للملفات الموضوعة أمامها بترتيب وألقت نظرة على هيئتها لتغادر...

طرقت عدة طرقات ثم فتحت الباب وولجت للداخل .... ليرفع كريم بصره عن الأوراق أمامه إليها ..... وكعادتها كل يوم تحلو عن ذى قبل !

ولكن لا مجال لهذا التفكير مجددا الآن.... فقد أصبح لديه "خطيبة"

  -ها أيه الأخبار.... فى أى جديد حصل امبارح ؟

تقدمت سارة بيدها التى تحمل بعض الملفات .

  -دى الملفات إللى حضرتك     طلبت اخلصها اليومين اللى فاتوا بس حضرتك مكنتش موجود امبارح عشان اسلمها ليك .

تفحص كريم الأوراق بيده وملامحه توحى بالثناء .

  -تمام قوى ..... واضح انك زى ما توقعت كل يوم بتثبتيلى حاجة جديدة وباخد عنك فكرة أحسن من اللى قبلها.

كان قلبها يتراقص فرحا لثنائه على عملها ولكن مع ذلك واجهت الموقف بكل ثبات !

مجرد شبح ابتسامة خفيفة ظهرت على محياها ليس أكثر !

رمقها كريم يتوقع أى رد فعل أو كلمة شكر طبيعية فى مثل تلك المواقف ، ولكنها لم تنظر إليه من الأساس !! ومؤخرا بات يبغض تلك الحركة .

قال بهدوء :

  -تمام يا سارة تقدرى تتفضلى تتابعى شغلك دلوقتى ولو احتاجتك تانى هطلبك .

لفت نظرها ذلك المحبس الذى ارتداه فى بنصره الأيمن لتتمتم بعد ذلك مغادرة :

  -تمام .

"وتانى مره يا سارة عايز اشوف عينيكى وانا بكلمك "

 

هدر كريم بثبات لتتسمر فى مكانها مصعوقة من جملته وتتسع عيناها غير متوقعة لأن يلحظ مديرها ذلك بل وينبهها أيضا بكل ثقة .... استدارت تنظر    إليه لا تعرف بم تقول .... ولكنها وجدته يتطلع أمامه فى حاسوبه متجاهلا لها .... فكان هذا أفضل من أجلها كثيرا لرفع الحرج عنها لتستدير ثانية وتغادر مغلقة الباب من خلفها .

.....

جاء اليوم المنتظر منذ فترة وهو يوم خطبة سارة إلى عبدالرحمن.... باحتفالية بسيطة جدا أقيمت فى منزل سارة حضرها عائلة عبدالرحمن وكذلك بعض أقرباء سارة وصديقاتها المحدودات...... كانت سارة      كعادتها بسيطة رقيقة بفستان أزرق و حجاب أبيض قصير من قماش الستان وزينة هادئة على وجهها منحتها إطلالة ناعمة وجميلة ....

دقائق معدودة وكانت سارة     ترتدى خاتم الخطبة وكذلك عبدالرحمن الذى بدا سعيدا منتشيا ..... لتنطلق بعد ذلك زغرودة قوية من والدة عبد الرحمن وسط فرحة وضحكات الجميع ...

بعد انتهاء الحفل كانت لدى عبدالرحمن رغبة قوية فى الجلوس مع سارة وحدهما والتعرف على بعضهما بشكل أكبر خاصة بعد أن أصبحت خطيبته     والأمور أصبحت بشكل أكثر رسمية .... وبالفعل تمكن من ذلك وبدأ الحديث بينهما بروتينية معتادة استفتحها بالمباركة لهما .... إلى أن تطرق لموضوع جديد :

  - سارة أنا عايز نعرف بعض أكتر .... حاسس انك لسه مش عارفانى كويس أو مكسوفه تقولى ده ..... أنا بقترح نتقابل أكتر بعد كده .... نخرج لأى مكان تحبيه .

تلجلجت سارة فى حيرة حتى قالت على مضض :

  -بصراحه أنا .... معنديش وقت .

عبس عبدالرحمن بعدم فهم .... لتردف بتوجس  :

  - أقصد عشان شغلى يعنى .

قال بدهشة :

  - هو انتى بتشتغلى؟!!!

  أنا على حد علمى انك سيبتى الصيدلية من فترة ؟

ابتلعت ريقها تحاول أن تخفى قلقها لتهتف :

  -ما انا لقيت شغل جديد..... أنا حاليا بشتغل سيكريترى فى شركة سياحية .... وشغلى بشكل يومى باستثناء الجمعة.

كان عبدالرحمن مذهولا مما سمع !!

سارة خطيبتة تعمل كمساعدة فى إحدى الشركات السياحية الكبيرة !! هو الآن لايدرى أيهما يزعجه أكثر .... كون خطيبته تعمل فى هذا المكان أم أمر إخفائها عنه طوال تلك الفترة ؟!!

إحتقنت ملامحه وشعر بالضيق لكلا الأمرين .... ليقول بعتاب :

  -طب ليه يا سارة ماقولتليش ؟!

معقول طول الفترة دى مخبية عنى وانا اخر واحد يعرف ؟

استشعرت الذنب تجاهه ومقدار    الخطأ الذى ارتكبته وتألمت لذلك ..... من السئ أن يشعر الإنسان بأنه بلا قيمة تجاه من يحب !

  -بصراحة كل حاجه حصلت بسرعة وأكيد كنت ناويه اقولك عشان كده أنا بعتذرلك ..

كانت ملامح الاستياء واضحة     على وجه عبدالرحمن..... ولكن فى النهاية هو اعتذار ... ولن يغير الاستياء من حقيقة أن سارة تعمل !!

تنهد يقول وهو يتأمل عينيها بحب جلى :

  -تعرفى يا سارة انا لو خاطب واحده تانيه غيرك وكان حصل الموقف ده أنا كنت احتمال اسيبها فورا ....لكن انتى عندى حاجة ماتتخيليهاش عشان كده أنا هنسى.

كانت تنظر إليه بخجل وحيرة ليضيف:

  - بس عايز منك وعد .

حركت رأسها مستفهمة :

  - أيه؟

  -توعدينى انك ماتخبيش اى حاجة تانى عليا اتفقنا ؟

15

" الفصل الخامس عشر "

كانت جالسة فى مكتبها تطالع باندماج الأوراق التى أمامها .... حتى رن هاتفها ليخرجها من حالة التركيز وتلتقطه لترى من المتصل .... استغرقت ثوان حتى تستوعب الإسم الظاهر على شاشة هاتفها والذى كان بمثابة مفاجئة غير متوقعة أبدا بالنسبة لها ....

"دكتور مؤيد"

شعرت بدقات قلبها المتوترة فى حين ألف سؤال يدور برأسها .... ظنت بأن علاقتهما انتهت للأبد وانقطع حديثهما منذ آخر لقاء جمعها به .... ولكنه عاد باتصاله ليعيد تشتيتها وتوترها والسؤال الأبرز ....

لماذا يتصل ؟وماذا يريد منى ؟

فكرت سارة فى تجاهل المكالمة وعدم الرد وهى تمنح التبريرات لنفسها ....

بصفته من سأتحدث إليه ؟ لقد انتهت علاقتى به وانتهى حديثى معه ، أنا الآن فتاة مخطوبة وستعتبر خيانة بحق خطيبى إذا تحدثت لرجل  غريب ....

هذا ماكان يدور بعقلها .... فقط لو أعرف ماذا يريد منى وما سبب اتصاله المباغت؟!!

لتنتبه إلى انقطاع رنين هاتفها .... تنهدت بامتنان إلى ذلك وظنت أنه لن يحاول الاتصال ثانية .... وعلى عكس ما توقعت .... كان الهاتف يعاود الرنين .... لتلتقطه مرة أخرى وترى نفس الإسم لتحسم أمرها أخيرا وترد :

  -ألو

  - أيه يا سارة ماكنتيش عايزة تردى ولا أيه ؟

 

انزعجت عندما استشعرت نبرته المتسلطة والمتهكمة.... لتزفر بتوتر وحنق هاتفه:

  -كنت بدور على سبب مقنع لاتصال حضرتك وبصراحة مش لاقيه .... فى حاجه يا دكتور مؤيد ؟!

جرحته بما تفوهت به ؟

بالطبع .

لوهلة ندم مؤيد على اتصاله وبدأت كرامته تعذبه بما اقترفت هذه الصغيرة بحقها....بدت له متغيرة عن ذى قبل .... ولكن وراء اتصاله هدف وهو عازم على تحقيقه وتوصيل رسالته .

حاول إخفاء غضبه قائلا :

  - سمعت ان خطوبتك كانت      من يومين .... أنا فى الأول ماصدقتش بس بعديها اتأكدت ومستغرب جدا .... بجد مش فاهم .... مش فاهم هو أيه الفرق .... مش فاهم انتى بتفكرى ازاى يا سارة.... يوم ما وضحتلك مشاعرى وعبرتلك عن إعجابى بيكى بكل ذوق وأدب       زى أى حد وشوفت ردة فعلك اللى صدمتنى وضايقتنى جدا مع انى ماقولتش أى حاجة غلط أو عيب ومع ذلك رد فعلك كان وحش أوى معايا بعدين أسمع انك اتخطبتى!!

 

واستطرد ساخراً بألم :

  - لا وكمان مش حد معين كنت عذرتك وقتها ... حد انا متأكد انك ماكنتيش تعرفيه .... مش مستوعب!!

  مش مستوعب أبدا ومش لاقى سبب !!

كانت سارة متيبسة رغم غليانها من الداخل .....لايعطيها الفرصة للرد أو الدفاع عن نفسها بل يسترسل بطريقة قاسية عليها وعليه هو الآخر. 

  -صحيح .... مبروك الشغل الجديد .... طول عمرك جدعة يا سارة وكنت متأكد ان مفيش حاجه هتوقفك وهتلاقى شغل بسرعة بعد ماسيبتى الصيدلية..... بتمنالك التوفيق .

شعرت أنه على وشك إغلاق     الخط وإنهاء المكالمة .... لتستدرك الموقف وتحاول الحفاظ على ماء الوجه على الأقل :

- دكتور مؤيد ...

لم تكمل باقى جملتها ليقاطعها بثبات منهيا الحديث :

-بالتوفيق يا سارة وآسف لو ضايقتك .... مع السلامة .

 

نظرت إلى هاتفها بعد أن أنهى المكالمة وهى مازالت لا تصدق ما حدث بعد .... وكأن الموقف     شبيه بريح عاصفة هبت فجأةً بعد سكون لتتركها رماد ثم رحلت .... وضعت يديها أعلى رأسها مستندة على مكتبها والعبرات بدأت تشق طريقها إلى مقلتيها لتشوش الرؤية أمامها .... أغلقت عينيها تذرف دموعها بصمت .... ليعود إليها الصداع النصفى  ويزيد ألمها الجسدى فوق ألمها النفسى .

دقيقة مرت ليس أكثر ....     رن هاتف المكتب ليقطع خلوتها البائسة.... مسحت سارة عبراتها بسرعة لتتنحنح وتجيب .... وكان بالطبع السيد كريم .

  - سارة عايزك انا وصلت المكتب .

وضعت السماعة مكانها وقطبت تفكر بحيرة .... كيف ستذهب بتلك الحالة البائسة ..    .. ما كان ينقصها بتاتاً طلب رئيس عملها الآن....لاشعورياً التقطت منديلا ًمبللا ً تحاول إخفاء أى آثار لدموعها ، ثم نهضت باتجاه مكتب رئيس العمل .

طرقت الباب لتدخل وتتقدم      باتجاهه .... اعتدل فى كرسيه الكبير لينظر إليها ولكنها هذه المرة بها شئ مختلف .... بدت سارة فى عين كريم منطفية قليلا وغير متوهجة كسابق المرات التى التقى بها  .... تمعن فيها أكثر ليجد احمرار بسيط عند أنفها ومحيط عينيها ..    ..أبرز ذلك بوضوح حجابها الأبيض ومع ذلك كانت سارة جميلة رغم شحوبها.... بل منحها ذلك الاحمرار لمسة جمالية ورقة هادئة .

المعضلة لديها الآن هو القدرة على أن تتواصل بصريا معه خاصة بعد أن أبدى     انزعاجه من ذلك المرة السابقة .... مما يعنى أن عينيها ربما تفضحانها.... تمنت عكس ذلك !

بنبرته الرجولية هتف كريم :

  - انتى كويسة ؟

 

هزت رأسها تنظر إليه وتبدى عكس مايجول بداخلها :

  -اه .

ليتسائل كريم بهدوء داعبها:

متأكده ؟

نظرت إليه بثقة زائفة:

  -اه انا كويسة شوية صداع بس .

أشاحت ببصرها ليزفر كريم قائلا بثبات :

  -كنت عايز اقولك انى هسافر الأقصر لمدة ٣ أيام.... وانتى بصراحة مش محتاجة توصية لإن ماشاء الله عليكى شاطره.... بس علاء معاكى فى أى حاجة الفترة اللى هكون فيها مش موجود فى الشركة دى وتقدرى تعتبريه أخ كبير ليكى وهو مش هيتأخر عنك .... وطبعا انا قبل علاء هكون معاكى .

  ردت باقتضاب :

 

-تمام .

  -أنا مسافر بكرة .... عايزك تاخدى راحتك فى الشركة تشمى نفسك يعنى..... اليومين     اللى هغيبهم دول فرصة كويسة ليكى انك تتعرفى عالشركة أكتر عشان لو حاسه بأى ضغط وانا ببقى موجود مثلا ..... افرضى     سيطرتك بقى وورينى شغلك .... أقولك .... لو حابه تيجى تقعدى مكانى فى مكتبى تعالى.

ظهر طيف ابتسامة على ثغرها ليعيد الحياة إلى حديثهما وينعش كريم برؤيته.

غادرت سارة بعد ذلك ليراقبها وهى تغادر وسؤال فضولى يستوقفه .....لماذا كانت واجمة ؟

.....

فى المساء وفى منزل مى

كانت أسرة كريم مدعوة على العشاء لدى خطيبته..... ولم تتوانى سمية فى تأجيل      أو رفض الدعوة رغم اعتراض ابنها نظرا لارتباطه بسفر سيستعد له من بعد الفجر ....

اجتمع أفراد الأسرتين حول المائدة الزاخرة بأصناف الطعام الفاخر والشهى....جلس كريم إلى جوار والده ، بينما جلست مى فى المقابل إلى جوار سمية ....

هدر رأفت وهو يتأمل المائدة أمامه بإعجاب :

  - ده كتير ده يا جماعة ليه التعب ده بس .

لتقول هناء بابتسامة واسعة :

  -ولا تعب ولا حاجة بألف هنا .

  -دى أقل حاجة عند أم مى الذوق كله ... شكلى هبدأ من دلوقتى افكر فى عزومتنا عشان انافس.

لتتعالى ضحكات الجميع وتتوجه مى تلقائيا ببصرها بعد ذلك تراقب ردة فعل خطيها     والذى كان جالسا يبدو عليه عدم التركيز فى الحديث أو ربما أنه بحاجة لاستراحة بعد وقت من التعب.... هكذا بدا .... فقط ابتسامة متكلفة منحها لهم بالكاد كان يشارك بعبارات مقتضبة .

ليفصح والد كريم بعد ذلك بأن ابنه لديه سفر فى وقت مبكر فى الصباح .... وتتفهم مى أن هذا ربما السبب فى مزاجه الغير متحمس .... لتبتسم لنفسها بعد ذلك .... آن الدور لقليل من الشقاوة واستغلال سلاح الأنوثة ودلالها وهذا هو الوقت الأمثل.

بعد الانتهاء من الطعام ومجئ وقت تناول الحلو مالت مى التى حرصت على الجلوس بجوار كريم تهمس :

  -تحب نطلع بره شوية ؟ أيه رأيك ؟

 

فكر قليلا ولسان عقله يقول بأنه حقا ليس فى مزاج يسمح بذلك بشكل كاف وأنه يتمن   ى لو أن تنتهى هذه الزيارة بشكل سريع ويجد نفسه فى غرفته    بمنزله ..... ولكنه بالطبع لا يستطيع قول لا والتسبب     بالحرج لتلك المنسوبة إليه بأنها "خطيبته" ولها حق من وقته .... أومأ مضطرا وهو ينظر فى عينيها اللتان تتأملانه:

  - تمام يلا .

 

اصطحبته إلى الخارج فى المساحة الخضراء أمام المنزل ليسيرا جنباً إلى جنب ..... كان سيره بجوارها كفيلاً بغمرها بالسعادة .... نظرت إليه بأعين لامعة :

  - ماقولتليش رأيك فى المكان ؟

  على فكرة الحديقة دى بهتم     بيها من وانا صغيرة ....وانا اللى منظماها بالشكل ده ....يمكن هى أكتر مكان بحبه فى الفيلا .

كانت تتحدث بسلاسة وانطلاق .... لاحظ كريم روحها المرحة العفوية فى حديثها ليجاريها الحوار :

  -جميلة .... تشبه حديقة بيتنا بس على أوسع .

  -ماخدتش بالى .

  -ان شاء الله تيجى تزورينا وتشوفيها ... هتعجبك .

أرادت الدخول فى الأمور الجدية والتى تعرف جيدا بأن كريم بطبعه يتركز أغلب حديثه حولها .... رغبةً منها فى توصيل رسالة له بأنها مهتمة بعمله وحياته العملية بشكل عام .

  -ماكنتش اعرف عن سفريتك الأقصر بكره دى .

نظر لها يقول على مضض :

  -ماكنتش مرتب للسفر يعنى الموضوع كله كان غير متوقع .... كنت هكلمك بس لما عرفت اننا جايبن الليلة دى قولت خلاص تعرفى دلوقتى .

أومأت متفهمة بابتسامة لطيفة.... لتتوقف وتقترب منه بعد ذلك أكثر تضع يدها على ذراعه      تمسده بحركة ناعمة .... جعلت كريم يتفاجأ بها ومن فعلتها المباغتة.... لينظر إليها وهى تردف برقة محافظة على ابتسامتها  :

  


                       الفصل السادس عشر من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×