رواية غريق علي البر الفصل الثامن


 غريق_علي_البر

حصري

الفصل الثامن

 بقلم،، نعمه حسن،، 



مع صباح يومٍ جديد إستيقظت فرحه بحماس و نشاط.. خرجت من مسكنها الخاص و طرقت بأصابعها الرقيقه علي كوخ "أحمد" فلم يجيب. 


_أنا هنا يا فرحه.. أتاها صوته من خلفها فنظرت للوراء مبتسمه و قالت: صباح الخير. 


_صباح النور.. الموج عالي النهارده فقولت أستغل المد و الجزر في حاجه! 


=حاجة إيه؟! 


أمسك برسغها ثم مشي بها خطوات و توقف أمام البحر قائلاً: بصي يا ستي.. لما يبقا في مد و جزر زي النهارده كده السمك بيخرج مع الميه.. فأنا عملت إيه بقااا؟!.. جمعت حجارة و رصيتها علي شكل حرف V

بحيث تكون الفتحه في إتجاهنا و السن المدبب في إتجاه البحر زي منتي شايفه كده.. فـ مع المد و الجزر الاحجار دي هتحتجز الأسماك.. يعني صيد بدون مجهود.. بدل ما نقعد في الشمس طول اليوم نصيد من بين الصخور. 


=و إنت مقتنع بالكلام ده بذمتك؟! 


_في إيه يا بنتي علي الصبح.. متشائمه ليه ده احنا لسه بنقول يا هادي! 


=قلبي مش مطمن.. حاسه إن حاجه هتحصل. 


_لا سمّي بالله كده و فكري في الإيجابيات. 


=إيجابيات؟! إيجابيات إيه اللي ممكن تكون في مكان زي ده؟! ده إحنا واقعين من طيارة و كل الركاب ماتوا و مفضلش غيرنا علي جزيرة مهجورة لا فيها ميه ولا اكل.. ده إحنا عايشين كده حلاوة روح بس. 


ثم أضافت ساخرة: قال و يقول لي إيجابيات! 


لم تروقه سلبية تفكيرها ولا تشاؤمها فقال غاضباً: 

إحمدي ربنا إنك عايشه علي الأقل و مموتيش مع اللي ماتوا. 


_منا كده كده همووت.. يريتني كنت مت معاهم علي الأقل كنت إرتاحت بدل ما انا عايشه مستنيه الموت. 


قطب حاجبيه بشده من أسلوبها المغاير تماماً و قال: 

إنتي إيه اللي حصللك؟! إنتي مكنتيش كده! 


صرخت بألم قائله: زهقت.. أعصابي تعبت يأخي.. بقالنا شهر و نص هنا و مفيش أمل نرجع.. أهلي وحشوني.. أختي وحشتني.. أهلي زمانهم خدوا عزايا.. أبويا زمانه هيموت من قهرته عليا.


_كل ده إكتشفتيه في يوم و ليله؟! ده إنتي إمبارح بتقوليلي مش عايزة أرجع و إمبارح بردو كنتي بتغني معايا و فضلنا للصبح نضحك و نهزر.. إيه اللي حصلك فجأه كده؟! 


=كنت بواسي روحي.. بضحك علي نفسي.. بس مش قادره اضحك على نفسي أكتر من كده.. أنا عايزة أرجع لاهلي. 


فقد سيطرته علي أعصابه بالكامل و تكلم صارخاً  بوجهها و قال: علي فكرة يا فرحه لو تلاحظي.. أنا مش خاطفك.. أنا كمان واقع معاكي من الطيارة و انا كمان عندي أخت عايزة أرجع لها.. و أنا كمان زمان اهلي خدوا عزايا يعني نفس الزفت اللي إنتي فيه أنا فيه كمان و أنا أصعب منك كمان. 


_اصعب مني في إيه؟! 


إقترب منها بغتةً بعصبيه أفزعتها و تكلم من بين أسنانه قائلاً: لأنك دلوقتى مسئوله مني.. و حمايتك فرض عليا.. يعني مسئوليه مضاعفه.


أحست بالندم لما آل إليه حاله فأشاحت بوجهها عنه فأمسك بذقنها يدير وجهها إليه بلطف و نظر بعينيها مباشرةً وقال: فرحه أنا.. 


رأي الدموع تلتمع بعينيها فزفر مطولاً و قال: أنا لو في إيديا حاجه اعملها عشان نرجع صدقيني هعملها بس للأسف.. ما باليد حيلة. 


إبتعد عنها قليلاً و ولّاها ظهره و أخذ شهيقاً يحاول به لملمة شتات نفسه.. لا يصدق ما كان علي وشك التفوه به. 


إقتربت منه و وضعت يدها علي ظهره تحثه علي الإلتفات فـ سرت قشعريرة بجسده يختبرها لأول مره.. إستدار سريعاً و لكنه شعر بوخزات ألم عندما رأي لآلئ عينيها تتساقط و تقول: متزعلش مني أنا مقصدش أرمي الحمل عليك.. انا بس إتخنقت و ملقيتش قدامي غيرك. 


إزداد نشيجها و إزداد ألمه فإحتضنها بغتةً علّ كلاً منهما يشفَي بعناق الآخر. 


أغمض عينيه مخافة الصد فأغمضت عينيها مخافة الفقد. 


شدّد من إحتضانه إليها مهابة الحرمان فشدّدت من ضمها إليه باحثه عن الأمان. 


نبضات قلبيهما تقابلت و أخبر كلاً منهما الأخر بما لا يقوي اللسان علي النطق به. 


كانت تريد أن يتوقف الزمن عند تلك اللحظه فلا قدرة لها بأن تقطع هي تلك الإحساس التي لن تنساه أبد ما حيت. 


أمّا هو.. ضعيف جداً و مسلوب الإراده بين ذراعيها.. لم يسبق و إحتضن أنثي من قبلها و لا يظن أنه إن كان حدث ستكون لحظه مفعمه بالطمأنينه كـ هذه. 


بدأت حواسها تنذرها لما هي فيه فإبتعدت علي إستحياء و مسحت عَبراتها بيديها و رَفعت بصرها إليه فوجدت عينيه تفيض بالأسف. 


_أنا متأسف يا فرحه مكنتش أقصد! 


قالها ظنّاً منه بأنه أثار غضبها و أكمل: متضايقيش مني.. أنا مش عايزك تكوني زعلا..... 


إتسعت عينيه بصدمه عندما عانقته هي مطوّقه رقبته بذراعيها بتملك فرفعها عن الأرض و أحاط خصرها بيديه و دار بها مرات متتاليه وسط ضحكاتهم المرتفعه الهيستيريه حتي سقطا أرضاً. 


إنفجرا ضاحكين دون توقف حتي تساقطت دمعاتهم من فرط الضحك و السعاده فأطلق "أحمد" لسانه و قال: فرحه أنا...


نظرت إلي الأمام بصدمه و ذعر فنظر إلي حيث ثبتت عيناها فوجد المدّ قد إرتفع بشده و الموت قادم لا محاله.


         ♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕


يرن هاتفه فإلتقطه بحماسه خفتت عندما أخبره المتصل:حضرتك للأسف الرحله إتأجلت..الخطوط الجويه تم إغلاقها لسوء الأحوال الجويه.


أومأ بإيجاب و قال محبطاً:تمام..شكراً جزيلاً.


قام بالإتصال بـ"نورا"التي أجابت:أيوة يا بابي..إزيك.


_الحمد لله بخير..إيه أخبارك؟!


=كويسه الحمدلله..عندي ميتينج أونلاين كمان ربع ساعه..كان المفروض هيوصلوا كمان ساعتين بس لسوء الجو مش هييجوا و الميتينج هيبقا أونلاين.


_أيوة بيقولوا..يلا ربنا يصلح الأحوال..ماشي هكلمك بعدين..مع السلامه.


     ✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨✨


إرتفع المد فإكتسح اليابسه و جرف معه كل ما يقابله بما فيها الأشجار الصغيرة و الأكواخ التي صنعاها "أحمد"و"فرحه".


كانا يركضان بداخل الغابه دون النظر للخلف ممسكين بيد بعضهما البعض بلا توقف.


وقفت فرحه تلتقط أنفاسها بلهاث و قالت:نفسي هيتقطع..مش قادره.


_معلش يا فرحه تعالي علي نفسك..لازم نبعد عن البر علي قد ما نقدر.


حثّها علي التقدم و أمسك بيدها و ركضا مسرعين نحو المجهول.


أسدل الليل ستائره و حلّ الظلام و هما لا يزالا يسيران داخل الغابه.


_أنا خايفه.


قالتها"فرحه"بخوف حقيقي فأمسك"أحمد"بيديها بين كفيه و قال بصدق:طول ما إحنا سوا متخافيش..تأكدي إني لا يمكن أسمح إن يجرالك حاجه وحشه..تمام؟!


أومأت بموافقه فأكمل:لازم نولع نار..دوري معايا علي حطب.


ظلّا يبحثان سويّا حتي وجدت الحطب و أعطته له فقام بإشعال النار عن طريق الإحتكاك كما فعل في المرات السابقه ثم ناولها عصاً و أخذ أخري فسألته:

هنفضل هنا لما النهار يطلع؟!


_لا مش هينفع نفضل في مكان واحد..إحنا لازم نمشي و مبقاش ينفع نرجع..مفيش قدامنا غير إننا نمشي لقدام و إحنا و نصيبنا بقا.


=أنا كان قلبي حاسس إن في مصيبه هتحصل.


_لعله خير..يلّا نكمل؟!


=يلّا.


        ⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡


_ألوو!


=أيوة مين حضرتك؟!


_إحمم..حضرتك أنا رضوي اللي إنت وصلتها قبل كده و خدت منك رقمك موبايلك.


=أيوة يا أستاذه رضوي..فاكرك طبعاً.


_طب كويس..حضرتك فاضي دلوقتي توصلني للسنتر؟!


=ولو مش فاضي أفضالك..مسافة السكه.سلام.


=مع السلامه.


بعد نصف ساعه كان يقف أمام منزلها و كانت هي بإنتظاره فصعدت إلي التاكسـى بجانبه قائله:هاي.


إبتسم.قائلاً:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


زمت شفتيها بخجل و إرتسمت علي محياها بسمه رقيقه فسألها:علي فين إن شاء الله؟!


_سنتر " IQ" اللي في آخر المهندسين.


=لا معلش إوصفيلي بالتفصيل لأني جديد في المكان..و في الشغله عموماً.


_ده بجد!!يعني إنت مش من مصر؟!


=لا إحنا من البحيرة..بس إستقرينا في مصر لينا أسبوعين تقريباً..من بعد يوم المطار الأخير.


أشاحت بوجهها ناحية النافذة و تمتمت:الله يرحمهم.


أوصلها إلي قِبلتها كما أخبرته فقالت:ممكن بعد إذنك تفوت عليا كمان ٣ساعات.


_حاضر..مع السلامه.


       ⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡⚡


بعد مرور 24 ساعه.....


_خلاص مش قادرة..هقع من طولي..هموت و أشرب.


نظر لها برأفه و قال لاهثاً:و أنا كمان عطشت جداً..بس معلش إستحملي جايز نلاقي.


_هنلاقي فين بس د.......


شهقت بقوة ثم كممت فمها بيدها و جحظت عيناها و أشارت برأسها إلي الأمام فنظر حيث تشير.


_حنش! قالتها بصوت متقطع مذعور.


قال محاولاً تهدئتها:إهدي و متتحركيش من مكانك..إثبتي خالص وهو هيمشي.


_أنا خايفه. برز بها صوتها عندما تشبثت به في خوف و كادت تغرس أصابعها في ذراعه من فرط خوفها فقال:فرحه بصيلي..بصيلي أنا.


نظرت إليه بأعين فزعه دامعه فقال:متخافيش..ولا كأنك شيفاه..ده تعبان طالع من بطن الأرض يعني مبيشوفش..و لو مسمعش حركه و غروشه جمبه هيمشي..إهدي.


صمتت عن الكلام ولكن تقسم انها كانت تستمع إلي صوت ضربات قلبها العنيفه المذعورة.


قبض علي يدها بإحكام و خلّل أصابعها بين أصابعه ثم قال:متقلقيش يا فرحه..كل ده هيعدي.


نظر إلي مكان الثعبان ببطء فلم يجده..جال ببصرة يمنةً و يسرةً حتي تأكد أنه غادر.


_إمشي علي أطراف صوابعك..بشويش يا فرحه.


فعلت كما أخبرها حتي تجاوزا تلك المنطقه فقال لها:  

إجري يا فرحه..بسررررعه.


وثبت بسرعه و بعد مرور قرابة النصف ساعه توقفت تلتقط انفاسها بصعوبه:خلااص همووت..أنا متأكده إننا مش هنخرج هنا عايشين.


ثم اكملت بيأس و هي تنحني  تضع يديها علي ركبتيها من شدة الألم:كل اللي بنعمله ده علي الفاضي.


لم يعير حديثها المتشائم أي أهميه و قال:يلا يا فرحه..لازم نحاول نوصل لأي حاجه قبل ما الليل يدخل علينا.


_نوصل لإيه؟!إنت فكرك بعد كل ده هنوصل لحاجه؟!


أمسك بيديها قِصراً  و جذبها خلفه.


قالت غاضبه:طيب سيبني..إنت جاررني وراك كده ليه هو أنا جموسه؟!هيييي!!بص هناك يا أحمد أفندي.


نظر إلي حيث تشير و تمتم:بحيرة!


جذبته خلفها و ركضت مسرعه نحو البحيرة و هي تقول:يا فرج الله....تمساااااااااااح!!!


قالت الأخيرة صارخه وهي تركض مبتعده عن البحيرة.


وقف هو يضع يد بخصره و الأخري علي جبهته بتعب و يأس بينما تمتمت هي:تمااسيح و تعابين و قرود و ديابه و سناجب..أنا لو ربنا كتبلي عمر و خرجت من هنا هألف كتاب إسمه "فرحه و حيوانات الغابه".


لا إرادياً إرتسمت علي شفتيه إبتسامه و قال:يلا يا فرحه..المكان هنا مش أمان.


_لا حوش ياخويا آحنا كنا قاعدين قبل كده في بورتو مارينا..ما إحنا من يوم ما إتهببنا و جينا هنا و إحنا مش في أمان..إيه الجديد يعني؟!


=بطلي لماضه يا فرحه و يلا بينا.


_يا أحمد أفندي أنا رجليا ورمت و مبقيتش قادره أمشي..و عطشانه و جعانه و كل حاجه وحشه حاسه بيها.


إبتلع المسافه بينهما و وقف أمامها مباشرةً لا يفصل بينهما سوي إنش واحد و أمسك بوجهها بين كفيه و نظر داخل عينيها قائلاً:فرحه إسمعيني.


غاصت بعينيها داخل عينيه و تأملتهما مليّـاً..كم تود إقتحام حضنه الدافئ لعلّها تطمئن.


تابع حديثه وهو يسبر أغوار عينيها و يلقي بتعاويذه الخاصه داخلهما فقال:إحنا مع بعض..يعني متخافيش زي ما أنا مش خايف لأنك معايا..خليكي قويه و إستحملي..أنا علي يقين إننا هنعدي من المحنه دي مهما كانت شدتها..خليكي فرحه العنيده الطايشه اللي أول ما ركبت جمبي الطيارة كانت مصممه تركب جمب الشباك.


قال الأخيرة ساخراً فضحكت عالياً فقال:إتفقنا؟!


_إتفقنا.


=يلا..3..2..1..إجري يا فرحاااااااااااه


           


                            الفصل التاسع من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×