رواية نوح والأمانة
الفصل السادس عشر
بقلم ميمي عوالى
فى منزل احمد
غادة : ليه اخدت وصل الأمانة وماسيبتوش لنوح
احمد ضاحكا : خفت بعد اللى سمعه بجيبها من شعرها وتعرف تاخده منه واللا تقطعه
غادة بقلق : ربنا يلهمه الصبر على مايخلص من الحية دى
احمد : أن شاء الله نرجع من السفر والموضوع ده منتهى
لتنظر له غادة بشئ من الضيق ثم تستدير متجهه إلى الباب ليقول لها : مالك ياغادة فى ايه ، من ساعة مارجعنا من برة وانتى مش على بعضك ليه ، مالك
غادة بدموع : مخنوقة
لينتفض احمد من مجلسه ويقف أمامه متسائلا بدهشة : من ايه ، ايه اللى حصل
لتنظر له غادة بعتاب قائلة : وانت بتتكلم مع سهر ماعرفتكش ، كنت حد تانى انا ماعرفوش ، ازاى كنت بتكلمها بالبساطة دى ..ازاى
احمد بدهشة : انتى اتجننتى يابنتى ، اشحال أن ماكنتيش انتى اللى حاطالى السيناريو كله وكل كلمة قلتها بتخطيطك انتى
غادة وهى تعطيه ظهرها : مش هنكر..بس ..
احمد وهو يديرها إليه مرة أخرى : بس ايه يا هبلة
غادة وقد بدأت دموعها فى الهطول على وجنتيها : مش عارفة يا احمد ..مش عارفة ، حسيت أن قلبى وجعنى وانا بسمع التسجيل بتاع كلامك معاها ،اتوجعت اوى زى ماتكون بتخوننى بجد
احمد ضاحكا وهو يضمها إلى صدره : بشرة خير يادودو ، معنى كده أنهم ممكن يختارونى فى فيلم سينمائى وافرقع ونقب على وش الدنيا
وبعدين انتى ناسية انا تعبت قد ايه على ما اتجوزتك ، وانتى عارفة أن الغالى بيفضل طول عمره غالى
غادة : بجد يا احمد
احمد : الا بجد ..ده جد الجد كمان
غادة : طب وبعدين هتعملوا ايه
احمد : زى ما اتفقنا هنسافر اول ما نوح يحجز التذاكر ونخلص من الموضوع ده على خير أن شاء الله
………………….
فى شركة عبد الراضى
كان أسامة يجلس إلى جانب خديجة وهم يتبادلون الأحاديث المرحة فيما بينهم
أسامة : مش هنتجوز بقى
خديجة : مش فاضية يا اوس اوس
أسامة : مش فاضية !؟ هو انا بقوللك تعمليلى شاى عشان تقوليلى مش فاضية ، انا عاوز اتجوز بقى
خديجة : يابنى احنا يادوب قرينا الفاتحة من اسبوعين بس
أسامة : ماليش فيه ، قولى لابوكى انى عاوز اتجوز الشهر الجارى
خديجة بتوعد : ايه ابوكى دى
أسامة : حقك عليا ، بلغى سيادة اللورد انى عاوز اتجوز الشهر اللى جاى
خديجة : مش لما الشقة تجهز ، وانا كمان اخلص حاجتى
أسامة : طب لو خلصنا كل حاجة نتجوزالشهر الجاى
خديجة بخجل : ماليش فيه
أسامة بخبث : اومال ليكى فى ايه
خديجة : ماليش فى حاجة خالص ، وبعدين الكلام ده مع بابا وماما مش معايا انا
أسامة : بس لازم يبقالى حليف فى عقر دارهم ، ولو انتى مش الحليف بتاعى اجيب حليف منين يعنى انا
لتأتى عليهم أمانة قائلة : الرسومات بتاعة الشاليهات الخاصة خلصت واللا لسه
خديجة : انا خلصتهم وعملتلك المقايسات كلها على سى دى
أمانة وهى تتناول منها السى دى : تمام تسلم الايادى ، طب واللوبى يا اسامة
أسامة : خلص ياقلبى واديته لنيللى عشان تظبط شغلها عليه
أمانة بصوت خافت : خفوا النحنحة شوية ، خايفة عليكم لاتتحسدوا ، الله اكبر ، ربنا يحفظكم يارب
خديجة : ااه يا أمانة بالله عليكى كل ماتشوفينا ارقينا كده وادعيلنا
أمانة : فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين
…………………….
تجلس نيللى على طاولتها تقارن بعض الرسومات ببعضها وهى تعدل وتحذف وتضم لتجد حاتم يتجه إليها قائلا : السلام عليكم
نيللى : وعليكم السلام
حاتم : مين اللى معاه شغل اللوبى
نيللى : انا يافندم
حاتم : تمام ، فى اجتماع بكرة أن شاء الله هيحضره الشركاء ، عاوزين نبقى جاهزين بالافكار اللى خلصت عشان نعرضها ونتناقش فيها
نيللى : انا عاوزة اعرف اسم القرية هيكون ايه ، ممكن
حاتم : الحقيقة احنا لسه ما استقريناش على الاسم بالظبط لكن فى اسمين مترشحين بقوة النخيل أو الياسمين
نيللى : بس الاسامى دى متداولة بين القرى فى أماكن تانية كتيرة ومش جديدة
حاتم : عندك اقتراحات معينة
نيللى : هو ممكن
حاتم : ااه طبعا ، احنا لسه بندرس كل حاجة
نيللى : ممكن مثلا نسميها اسم فرعونى ونستخدم ده فى الديكورات الداخلية والخارجية كمان
حاتم : بس برضة الاسامى الفرعونية منتشرة
نيللى : طب ممكن نختار اسم ماحدش اختاره قبل كده
حاتم : زى ايه مثلا
نيللى : طب ايه رأيك فى اسم بيرسيوس
حاتم : وده يبقى مين بيرسيوس ده
نيللى : بيرسيوس بطل إغريقي ويبقى ابن زيوس و داناى
ليبتسم حاتم قائلا : هو الاسم جديد ويشد لكن هنقدر نربط مابين الاسم والتصاميم
نيللى : ماعتقدش أنها صعبة ، احنا لو حطينا بس الخطوط العريضة ..الكل هينطلق ويطلع اللى جواه
حاتم ،: تمام نقول الكلام ده بكرة أن شاء الله فى الاجتماع وناخد الاصوات
نيللى : وانا هحضر تصور للكلام ده وهعرضه بكره أن شاء الله
حاتم بود : مبسوطة
نيللى وهى تنظر إلى أوراقها : الحمدلله
حاتم : يعنى اعشم نفسى انك خلاص هتفضلى معايا على طول
لترفع نيللى عينيها إلى حاتم لتجده ينظر إليه بابتسامة ودودة خطفت قلبها وجعلت حدقتى عينيها تتراقص بين عينيه ثم اخفضت عينيها سريعا وقالت بوجل : ربنا ييسر لنا كل خير باذن الله
حاتم بابتسامة خبيثة : وينولنى اللى فى بالى
وعندما نظرت له نيللى مرة أخرى وجدته يتجه إلى الخارج وعندما وصل إلى الباب التفت إليها وهو يدير بصره بين الجميع ليتأكد أنه لا يوجد من يراقبه سواها ليغمز إليها يعبث ثم يذهب لتجلس نيللى مكانها وهى تعود بذاكرتها الماضى
فلاش باك
كان أسامة وأيمن ونيللى فى زيارة الى منزل عمتهم وبعد الطعام قام أسامة وأيمن مع حاتم حتى يلعبوا الكرة ، وأصر عامر على نيللى أن تذهب مع اخواتها للعب ، وعندما خرجت معهم إلى الحديقة
أسامة : انتى هتلعبى معانا يانيللى
حاتم : تلعب ايه يابنى ، مش هتعرف ، دى مابتقدرش تجرى اصلا
ايمن : ممكن تقعد تتفرج علينا
أسامة : أو نلعب لعبة تانية مافيهاش جرى
حاتم بسخرية : يابنى هى المفروض تجرى عشان تخس شوية ، أو اقوللكم ..ثم اكمل بسخرية : تعالوا نخليها تقف جون ...هتسده
أسامة : لا طبعا ، الكورة لو خبطتها جامد أو لو جت فى وشها ممكن تأذيها
حاتم : يبقى خلاص تقعد بعيد وما تلعبش معانا ، هى كده هتعطلنا وتضايقنا ،مش عارف ايه اللى جابها ورانا اصلا ، ثم التفت إلى نيللى وقال متهكما : روحى يانيللى اقعدى مع الكبار
لتذهب نيللى للجلوس بجوار أبيها مرة أخرى كاتمة دموعها وهى عاقدة العزم على ألا تذهب الى بيت عمتها مرة أخرى أو الاجتماع بحاتم بأى مكان حتى تنهى فترة علاجها
عودة
نيللى لنفسها : عاوز ايه منى ياحاتم ، سيبنى فى حالى ..انا ماصدقت ألقى روحى
……………………..
فى منزل نعمة يحمل نوح حقيبة صغيرة بيده ويقف مودعا أمه فى طريقه للسفر
نوح : خدى بالك من نفسك ياماما ومن صحتك وانا مش هتأخر أن شاء الله ، كلها تلات أو أربع ايام وارجع على طول أن شاء الله
نعمة : أن شاء الله ياحبيبى ، خد بالك من نفسك يانوح ومن أكلك ياحبيبى ، ونام كويس عشان قلة النوم بتتعبك
نوح : حاضر ياحبيبتى ماتقلقيش ، ياللا اشوف وشك بخير
وقبل أن يتركها نوح أمسكت نعمة بيده وقالت : نوح ..عاوزة أوصيك على أمانة
نوح باستغراب : مالها أمانة يا ماما
نعمة : أمانة بخير ياحبيبى الحمدلله ، بس عاوزاك دايما جنبها واوعى تسببها ، هى ااه مامتها وأخواتها جنبها ، بس احنا غير ...احنا أهلها يانوح ...اوعى تتخلى عنها فى يوم يابنى ، دى أمانة عمك وابوك وامانتى انا كمان
ليضمها نوح متسائلا بقلق : انتى ليه بتقوليلى الكلام ده دلوقتى ، ليه بتقلقينى عليكم
نعمة بابتسامة : ولا تقلق ولا حاجة ، انا بس بوصيك على بنت عمك ، مش عاوزاك تزعلها ولا تضايقها تانى
نوح بابتسامة : لا يا ستى اتطمنى ، ياريت تبقى توصيها هى بس عليا ، ها ..امشى بقى
نعمة بابتسامة : مع السلامة ياحبيبى ، قلبى راضى عنك ، ودعيالك بالخير لآخر نفس فى عمرى
ليقبلها نوح من وجنتيها ويحمل حقيبته ويغلق الباب ثم ذهب ليدق الباب على امانة لتفتح له بعد أن وضعت نقابها
أمانة : انت مسافر ؟!
نوح : المفروض انى فى مأمورية تبع الشغل
أمانة : اومال انت رايح فين
نوح : سفرية هتفرق معايا كتير ، بس عاوز اطلب منك طلب
أمانة : اتفضل
نوح : انا عارف انك مش هتكذبى وعشان كده لو حد سألك عن اى حاجة تخص سفرى ماتقوليش اكتر من أن التفاصيل كلها مع نوح وانك ماتعرفيش اكتر من انى هغيب تلات اربع ايام ….ممكن
أمانة : حاضر يانوح
نوح : وحاجة كمان
أمانة : ها
نوح : خدى بالك من نعمة على ما ارجع ، وما تسيبيهاش تبات مع سهر لوحدها ، ياتباتى معاها ، ياتاخديها تبات معاكى ، خايف تتعب وسهر ماتحسش بيها أو مانعرفش تتصرف
أمانة : انت هتوصينى على مرآة عمى يانوح ! دى فى عينيا
نوح : يسلمولى يارب ….اشوف وشك بخير ..لا اله الا الله
أمانة : محمد رسول الله
…………………...
كانت أمانة تجلس مع نعمة بشقتها تتبادلان أطراف الحديث
نعمة : انا مش عارفة سهر اتأخرت كده ليه ، الساعة داخلة على عشرة
أمانة : انا اتصلت بيها اكتر من مرة وبتكنسل عليا
نعمة : نوح لو عرف انها بتتأخر كده وهو مش موجود هيعمل مشكلة كبيرة
أمانة باضطراب : مالناش دعوة يامراة عمى ، هم حرين مع بعض
لتفتح سهر الباب وتدخل منه لتنظر لها نعمة بغضب عنما وجدتها دون غطاء شعرها وقالت : انتى ايه اللى انتى عاملاه فى نفسك ده
سهر ببرود : عاملة ايه
نعمة : ازاى ماشية بشعرك كده ، هو انتى يابنتى مش محجبة
سهر دون مبالاة : دى حرية شخصية وما احبش حد يتدخل فيها
نعمة بغضب : حرية ايه وزفت ايه ، انتى ناسية انك على ذمة راجل
سهر بامتعاض : وانا والراجل ده حرين مع بعض ، فيا ريت بلاش شغل الحماوات الفتانات ده وبعد اذنك خليكى فى حالك
لتنتفض نعمة من مكانها بغضب وتقول : ايه اللى انتى بتقوليه ده
أمانة : بالراحة يامراة عمى عشان خاطرى أهدى
نعمة بغضب اكبر : أهدى ازاى وهى بتكلمنى بالاسلوب ده
أمانة : النرفزة والعصبية غلط عليكى ..عشان خاطرى أهدى وحياة نوح
نعمة وقد بدأ جسدها فى الانتفاضة نتيجة الغضب : نوح ! نوح اللى غايب والمفروض أنه متطمن أن عرضه متصان، مراته راجعة متأخر وحاله شعرها
سهر ببعض الغضب : بقولك ايه ...انا مااتعودتش حد يتدخل فى حياتى مش هاتيجى انتى على اخر الزمن وتقوليلى اعمل ايه وما اعملش ايه
أمانة بغضب : وبعدها لك بقى ، انا مش عاوزة أتدخل من الصبح ،بس مش معنى كده انك تسوقى فيها وتكلميها بالشكل ده
لتسمع أمانة صوت ارتطام قوى لتلتفت لتجد نعمة ممددة على الأرض غائبة عن الوعى
……………………..
فى المستشفى وأمام غرفة الرعاية المركزة كانت تقف أمانة وهى منهارة فى احضان هدى وعامر حتى خرج الطبيب ليسأله أسامة عن الوضع
الطبيب وهو منكس الرأس : للاسف حالتها وحشة جدا
عامر : احنا ممكن ننقلها فى اى مكان تانى لو هيبقى افضل من هنا
الطبيب : مش هتفرق صدقنى ، القلب وقف مرتين خلال مدة قصيرة جدا ، ادعولها بس هى بتلح عاوزة تشوف واحدة اسمها أمانة
أمانة بنحيب : انا ...أما أمانة
الطبيب : ممكن تدخلي لها ، هى عاوزة تشوفك ، بس خمس دقايق مش اكتر
لتجفف أمانة دموعها وتتجه إلى رؤية نعمة ، وعندما وصلت إليها نادتها بحب حزين : ماما
لتفتح نعمة عيونها وهى تنظر لأمانة بحب وأشارت إليها كى تقترب منها وقالت : طول عمرك بنتى اللى مخلفتهاش يا أمانة ، بتمنى يابنتى انى ماكونش قصرت معاكى فى يوم من الايام
أمانة ببكاء : عمرك ...عمرك ماقصرتى معايا ، طول عمرك امى اللى حميانى وكرمانى
نعمة : نوح يانعمة ، نوح مالوش غيرك فى الدنيا دى بعد ربنا ، خليكى جنبه ، فتحى عنيه يا أمانة ، اوعى تسيبيه معمى ، ثم ضغطت على يدها قائلة بوهن شديد : عمرى ما اتمنيت له زوجة غيرك ، ولسه بتمناكى ليه ، ويمكن يكون النصيب غلاب ، بس لو ماكانش ، خليكى ليه حارس يا أمانة ، دى وصيتى ليكى يابنتى
واغمضت نعمة عينيها إلى الأبد لتصرخ أمانة قائلة : هتسيبينى ليه يانعمة ، هتسيبينى ليه ..لتسقط ارضا غائبة عن الوعى
الفصل السابع عشر
فى شقة نوح
تجلس أمانة متوشحة بالسواد وسط اهتزاز جسدها وكتفيها من اثر البكاء وتجلس بجوارها هدى ونيللى وغادة وسط كلمات المواساة
هدى : يابنتى اطلبيلها الرحمة والمغفرة ، وماتعمليش فى روحك كده
أمانة بنشيج : اول مرة يسافر وهو بيوصينى عليها ، لما يرجع اقولله ايه ، لما يسألنى عليها اقولله ايه
غادة : لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ، يا أمانة استغفرى ربنا وبلاش اللى بتعمليه ده، هو انتى يابنتى قصرتى معاها فى حاجة ، ما الكل عارف كانت ايه بالنسبة لك
أمانة : كانت امى اللى عزتنى ، امى اللى دفتنى وضمتنى ياغادة ، عمرها ماحسستنى باليتم وانا فى حضنها ، امى الحقيقية رجعتلى بس حسيت باليتم لما نعمة ماتت ياغادة ، نعمة هى اللى ربتنى ، كانت امى وابويا
هدى ببكاء : عمر ماحد يقدر ينكر فضلها ، الله يرحمها ، بس برضة يابنتى ...انتى كده بتعذبيها بدموعك دى
أمانة : مش قادرة ، انتو ليه مش حاسين بيا ، مش قادرة اصدق انى مش هشوفها تانى ، مش قادرة اصدق ان كل الخيوط انقطعت خلاص
غادة : اومال نوح لما ييجى بقى هيتحمل ازاى وانتى بالشكل ده ، المفروض انتى تبقى سنده يا أمانة فى موقف زى ده
أمانة وهى تمسك بيد غادة : كان حاسس ياغادة أن هيحصل لها حاجة ، قاللى خليكى جنبها وماتسيبيهاش عشان لو تعبت تلحقيها
نيللى : والحمدلله ياحبيبتى انك كنتى جنبها ولحقتيها ، ماكانتش لوحدها ، اسعفتيها على طول ، بس الاعمار بايد الله
لكل اجل كتاب ..انا لله وانا اليه راجعون
لتلتفت أمانة بلهفة عندما سمعت تلك الكلمات ، فقد كان صوته ،صوت نوح وهو يبكى بشدة ، وعندما نهضت من مكانها حدث مالم تتوقعه يوما فقد تفاجئت بنوح يتقدم إليها بسرعة ليجذبها إلى أحضانه باكيا كطفل ضائع ..جذبها بشدة وضمها إلى ضلوعة بشدة وهو يقول باكيا : الشجرة وقعت يا أمانة ...الشجرة وقعت
فما كان من أمانة الا أن انشجت ببكائها عندما تذكرت نعمة وهى تشبه نفسها بشجرة ليس لها إلا غصنين صغيرين كانت تتمنى أن ترى ثمارها ، ولكن الموت لم يمهلها
ليشعر نوح بيد تربت على كتفه وعندما التفت وجد عامر يجذبه ويحتضنه قائلا : شد حيلك يا بنى وادعيلها بالرحمة والمغفرة
نوح : انا عملت الإجراءات وان شاء الله الدافنة بعد صلاة الضهر
أسامة : أن شاء الله ، شوف انت عاوز ايه واحنا كلنا معاك حواليك وكلنا اخواتك يانوح
هدى وهى تربت على ذراعه : والدتك الله يرحمها جميلها فى رقبتى عمرى ما اقدر انساه وغلاوتك من غلاوتها
نوح : انا متشكر اوى ، بعد اذنكم انا هغير هدومى وهننزل عشان نحضر كل حاجة
ثم التفت إلى أمانة قائلا : أمانة ...عاوزك دقيقتين لو تسمحى
لتذهب أمانة خلفه إلى شقتها التى اتجه إليها بعيدا عن المعزيين وهو يحمل حقيبة صغيرة وبعد أن دخلت أمانة إلى شقتها اعطاها الحقيبة وهو يقول : من فضلك خليلى دى معاكى ، اوعى تديها لحد أو حد يعرف فيها ايه
أمانة : هى ايه دى
نوح : اكيد هتعرفى بس مش دلوقتى ، المهم خليها فى شقتك بعيد عن ايد اى حد وخصوصا سهر ، هى فين
لتتلجلج أمانة قائلة : موجودة فى اوضتكم
نوح بجمود : كانت فين لما ماما ماتت
أمانة : لما روحنا المستشفى انا طلبت منها تفضل هنا ، وموجودة من ساعتها ماراحتش فى اى حتة
نوح : ماشى ، انا هروح اغير وهنروح على المستشفى على طول ، هاتيجى معايا
أمانة بدموع : طبعا ..لازم أقف على غسلها وادعيلها
ليومئ نوح رأسه ويعود إلى شقته فيتجه إلى غرفته وما أن فتح الباب حتى هبت سهر من مكانها وهى تنظر إليه بتأهب فى محاولة منها لاستشفاف مايجول بخاطره وان كان علم بمشادتها مع أمه ام أنه لم يعلم بعد ، ولكنها عندما نظرت بوجهه لم ترى غير الحزن فهدأ هذا من روعها نوعا ما وعلمت أنه لم يعلم بشئ..فاتجهت إليه قائلة : نوح ...حمدلله على السلامة ، البقاء لله
نوح بجمود : ونعم بالله
وعندما رأته يغير ملابسه استعدادا للخروج مرة أخرى
سهر : هتعمل ايه دلوقتى
نوح : هنروح المستشفى نجهزها عشان الدافنة
سهر : تحب اجى معاك
نوح بحزم : لا ...أمانة هاتيجى معايا ، خليكى انتى هنا على مانرجع
وبعدها خرج نوح متجها إلى الجمع بالخارج وقال : ياللا بينا ..ثم نظر إلى غادة قائلا : بعد اذنك ياغادة خليكى انتى هنا عشان تاخدى بالك من كل حاجة
غادة : حاضر يانوح ماتقلقش ..مع السلامة انتم ، ربنا المستعان
ليتجه الجميع إلى وداع نعمة وإيصالها إلى مثواها الأخير بين الدعاء والحزن والمواساة
إلى أن انقضى اسبوع على موت نعمة
كان الجميع قد انصرف إلى حياته وعادت هدى وزوجها واولادها إلى منزلهم بعد أن قابلت أمانة طلبهم بالذهاب للمعيشة معهم بالرفض الشديد وأصرت على البقاء بشقتها
خرج نوح من شقته صباحا ودق على شقة أمانة لتفتح له وهى مستعدة للذهاب إلى عملها
نوح بهدوء : صباح الخير
أمانة بحنان: صباح الخير يانوح ، عامل ايه النهاردة
نوح وهو يومئ برأسه : الحمدلله يا أمانة ، مابقاش حاجة ليها طعم من بعد ماراحت
أمانة وقد وضحت معالم بكائها على صوتها : ربنا يرحمها ويحسن إليها يارب
نوح : يارب ، ياللا بينا
أمانة : طب روح انت وانا هحصلك
نوح بحزم حنون : طالما مع بعض فى نفس المكان يبقى هنروح وتيجى سوا ..ياللا
لتغلق أمانة بابها وتذهب معه
فى السيارة
نوح : ماجاتش مناسبة من ساعتها أسألك
أمانة بتوجس : عاوز تسألنى على ايه
نوح : ايه اللى تعب ماما فجأة كده ..انا كنت لاحظت أن حالتها مستقرة من ساعة مارجعت من دبى
لتصمت أمانة وهى لا تعلم بما تجيبه وعندما طال صمتها قال : اتكلمى يا أمانة مهما كان اللى هتقوليه مش هيبقى اكتر عندى من موتها
أمانة بتردد : انا هحكيلك يانوح لأنها طلبت منى قبل ما تموت انى اعرفك
نوح بفضول : تعرفينى ايه
لتقص عليه أمانة كل ماحدث ليلة وفاة نعمة بالتفصيل ثم بعد أن انتهت من حديثها تنهدت قائلة : صدقنى لولا أن مراة عمى امنتنى انى مااسيبكش معمى ماكنتش حكيتلك اى كلمة من الكلام ده
كان نوح قد أوقف السيارة عندما بدأت أمانة فى قص ماحدث وأخذ فى الاستماع وهو يقبض على المقود حتى ابيضت مفاصل كفه وبعد أن انتهت أدار السيارة مرة أخرى فى صمت حتى وصلوا إلى مقر شركة عبد الراضى ولكن نوح قال لها : روحى انتى يا أمانة على المكتب وانا هوصل لمكتب حاتم عشان عاوزه ضرورى وبعدين هحصلك
لتومئ أمانة رأسها وتتركه متجهه إلى عملها
……………………
بعد ثلاثة أيام
بعد انتهاء أمانة من عملها قامت بلملمة جميع أوراقها وهى تقول لنوح : المفروض اننا هننقل الشغل بعد كده فى الموقع
نوح باستغراب : وانتى بتروحى المواقع اللى برة القاهرة
أمانة : ماكنتش بروح زمان عشان ماابعدش عن نعمة ، لكن دلوقتى ……
نوح : دلوقتى ايه
أمانة : محتاجة اروح يانوح ، يمكن اتعود على بعدها
نوح : لو قلتلك تروحى تعيشى مع مامتك يا أمانة ...
أمانة بحزم : لا
نوح : مش احسن من قعادك لوحدك
أمانة : انا ممكن اقعد معاهم يوم او اتنين ، لكن اعيش هناك على طول وابعد عن… وابعد عن بيتى ، لا مش هقدر، نعمة وصتنى ماابعدش
نوح : ووصتنى انا كمان
أمانة باستغراب : وصتك بايه
نوح : وصتنى على الأمانة يا أمانة ،ثم أكمل بتنهيدة : احنا محتاجين قعدة طويلة مع بعض بس الاول النهاردة بالليل فيه قعدة اهم هتحصل عندى فى شقتى بحضور احمد وغادة ، اول مايوصلوا هندهلك على طول وتجيبيلى معاكى الشنطة اللى اديتهالك يوم مارجعت من السفر
أمانة وهى تخمن سبب تلك الجلسة : ماشى ...ياللا بينا بقى عشان نلحق نتغدى الاول
………………..
مساءا بشقة نوح
تدخل أمانة لتجد احمد وغادة يجلسان فى صمت وهما يتبادلان النظرات لتحييهم وتجلس بجانب غادة بعد أن أعطت الحقيبة لنوح فأخذها من يديها واعطاها لاحمد ثم جلس معهم وظل اربعتهم يتبادلون الأحاديث العادية وهم بانتظار سهر التى كانت بالخارج ولم تعد بعد
وبعد مايقرب من الساعة وجدوها تفتح الباب وتدخل لتتفاجئ بوجود الجميع أمامها
سهر ومعالم الدهشة مازالت على وجهها : مساء الخير ، ايه ده انتو هنا من امتى
احمد : احنا هنا من ساعتين تقريبا
سهر بامتعاض : وماقولتوليش ليه ..كنت حاولت اجى بدرى
نوح : منين
لتلتفت سهر إليه بدهشة قائلة : هو ايه اللى منين
نوح : بتقولى كنت جيت من بدرى وانا بقوللك منين ، جاية منين ياسهر
سهر ببرود : من الشغل ، هاكون جاية منين
نوح بجمود : الشغل اللى واخدة منه إجازة من قبل مانرجع من دبى ...ولحد دلوقتى ماقطعتيهاش
سهر بارتباك : ااانا أنا عندى مشاغل تانية بعيدة عن الشركة
نوح : مشاغل زى ايه يعنى ، مش تشركينا معاكى ، يمكن نفكر نغير نشاطنا احنا كمان
سهر : نشاط ايه اللى تغيره ، انا مش فاهمة انت بتتكلم على ايه
احمد : اسمحلى افهمها انا يانوح
ليشير نوح بحركة مسرحية الى احمد معناها السماح له بالحديث ليقول احمد : بصى يا مدام سهر احنا معانا ملف قضيتك القديمة
لتبهت سهر وهى تقول : قضية ايه
نوح يتهكم : الا المصيبة يكون عندك قواضى غيرها
سهر وهى تنهض متجهة إلى باب الشقة : انا مش هقعد اسمع الكلام الفارغ ده اكتر من كده
ليلحقها نوح ويجذبها من يدها وهو يقول لها بنبرة حاقدة : بقى كنتى عايشة طول عمرك برة يا قذرة يا واطية وانتى سايبة مصر بفضيحة ، بقى تتحبسى تلات سنين فى قضية اداب وانتى يادوب عمرك اتنين وعشرين سنة ، لا وابوكى اللى عامل نفسه حارس الشرف والأمانة كان القواد بتاعك ، دلوقتى بس فهمت كلام امك لما قالتلك يارب الجواز يهديكى ويعقلك ، امك اللى هربت من قذارة ابوكى لما كان عاوزها هى كمان تدورها بس طلعت اشرف منكم واتطلقت وهربت وسابتلكم البلد باللى فيها
لا وكمان بعد ما اتجوزنا يانجسة مدوراها ...ايه .. النجاسة ماشية فى دمك للدرجة دى ، واحدة غيرك ربنا سترها واتجوزت كانت تتوب وتنضف ، لكن انتى فضلتى على نفس ملتك
ثم زفر بشدة وقال : كله كوم واللى عملتيه فى امى كوم تانى
لتنظر سهر لأمانة برعب وهى تقول : كدابة ..كدابة ، انا ماعملتش حاجة ، هى اللى وقعت لوحدها من غير ما أقوالها حاجة
ليصفعها نوح على وجنتيها مرارا وتكرارا تحت صراخها الحاد حتى وقف احمد بين نوح وبينها وهو يمنعه عنها قائلا : وبعدها لك يانوح ، بقى هو ده اللى اتفقنا عليه
نوح صارخا : قتلتها يا احمد ، قتلت نعمة ..قتلت امى
لتقول أمانة وهى تجذب نوح ناحيتها : الاعمار بايد الله يانوح
نوح : ونعم بالله ..بس هى السبب
ثم جلس نوح وهو ينظر إليها بغضب قائلا : انا اخدت الشيك بتاعى من ابوكى و معايا اوراق ممضية بايديكى بتعترفى بيها بكل اعمالك المشبوهة ومعايا شيك باسمك ممضى على بياض ممكن اسجنك بيه فى اى وقت ، لو فى خلال تلات ايام ماسيبتيش مصر من غير رجعة اعملى حسابك انى هسجنك الباقى من عمرك
وعلى ماده يحصل وتغورى من البلد واللى فيها مش عاوز اشوف وشك فى اى مكان والشنطة دى فيها كل حاجتك اللى هنا ، قالها وهو يشير إلى حقيبة سفر موضوعة بالقرب من باب الشقة لم تراها قبل اللحظة
نوح مكملا : ومش عاوز منك غير انى اعرف حاجة واحدة بس ، ثم نظر إلى عينيها بغضب واكمل قائلا : يوم ما ابوكى دخل علينا وهددنى ، كان حصل بينا حاجة
سهر من وسط بكائها : لا .. انت كنت نايم ومتخدر
نوح : وليه عملتوا كده
سهر : كنت عاوزة لو نزلت مصر فى اى وقت ابقى متجوزة
نوح بسخرية : ااه...عشان تتسرمحى براحتك ...روحى وانتى طالق ..الله يلعنك
لتذهب سهر إلى حقيبتها وتسحبها فى اتجاه الخارج إلا أن نوح أوقفها مرة أخرى قائلا : ماتحاوليش تروحى ناحية الشركة هنا او فى دبى أو شركة عبد الراضى لأن الملف بتاعك فى منه نسخة فى كل حتة وفضيحتك بقت بجلاجل