رواية غريق علي البر الفصل الحادي عشر



  رواية غريق_علي_البر


الفصل الحادي عشر

 بقلم نعمه حسن،، 




فَزِع "أحمد" من نومه عندما إستمع إلي صوت إرتطام شىءٍ ما علي الأرض و بعدها إستمع إلي أنّات مكتومه عَلِم مصدرها عندما وقعت عيناه علي "فرحه" الملقاه أرضاً. 


_بسم الله الرحمن الرحيم.. إنتي وقعتي يا فرحه؟! 

قالها أثناء نهوضه من الفراش و إنحناءه علي "فرحه" يساعدها في النهوض. 


أمسكت "فرحه" بظهرها من منطقة الخِصر و قالت: آاااه يا عضمك يا رضاا.. أنا إتشائمت من الطيارات و اللي بيركبوها. 


كتم ضحكته و قال: و إيه دخل الطيارة بوقوعك من علي السرير؟! 


نظرت له بغيظ مكتوم و قالت: ما أنا كنت بحلم إني وقعت من الطيارة.. قومت لقيت نفسي متكومه علي الأرض. 


ربت علي ظهرها و قال: خلاص يا فرحه إتغطي كويس و نامي. 


_أنا شامّه ريحة تريقه في كلامك. 


=لا يا فروحه هو أنا أقدر.. يلّا نامي عشان بكرة وراما حاجات كتير هنعملها. 


أجابت بحماس: حاجات إيه؟ 


_هنخرج.. لازم تشوفي تركيا قبل ما نرجع.. و كمان هنعمل ورق جديد نسافر بيه. 


=و عايزة يعني بعد إذنك أشتري هديه لـ بدر. 


_إطلبي عينيا مش هعزها عنك يا فرحه. 

قالها بصدق شديد إلتمسته هي فإبتسمت بـ ودّ و دخلت إلي فراشها و ولّته ظهرها و قالت: تصبح على خير. 


_و إنتي من أهل الخير يا فرحه. 


لم يستطع النوم مرة أخري.. ظل ينظر بإتجاهها و بداخله الكثير من الكلام الذي يوّد أن يبوح به.. يتمني لو أن تتسنّي له الفرصه ليصارحها بكل ما يعتمل به صدره.. و لكن ما الفائده؟! 


ما فائدة الحديث إذا كان لا طائل منه؟! 


هل إذا أخبرها بأنه بات يعشقها و يعشق تفاصيلها البسيطه و يعشق عفويتها و طلاقتها، ستترك خطيبها مثلاً و تخضع لرغبة قلبهِ المتيّم؟! بالطبع لا. 


أخبره عقله: كفاك حماقه! أنت تعلم أنك لن تنال كل مطالبك.. لست محظوظاً لتلك الدرجه يا أبله! 


أجاب قلبه: أنت مسئول عن السعي، لا النتيجه. 


إعترضَ قلبهُ: إذن فلتسعي كما تشاء.. تابِِع إنقباضة قلبك كلّما رأيتها و إنتشاء روحك المسكينه كلّما نطقت إسمك بصوتها العذب،تابع كل هذا بسرور..و لكن لا تنسي أنك ستتابع أيضاً غربة روحك عن جسدك عندما تفترق بكما السّبُل.


أغمض عينيه بشده يُنهي صراع قلبه و عقله و لكن علي ما يبدو أن تلك الليله ليست ليلة حظه كما يُقال.


أتاه صوتها الدافئ يقول:إنت نمت يا أحمد أفندي؟!


فتح عينيه علي الفور و نظر إليها و قال:لا يا فرحه مش جايلي نوم..منمتيش ليه؟!


أجابت بعفويه:أصل أنا عارفه إنك طالما قلقت مفزوع مش هيجيلك نوم دلوقتي..فـ مش هاين عليا أنام و أسيبك.


نهض علي الفور و جلس علي السرير بجانبها قائلاً:فرحه أنا عايز أتكلم معاكي شويه.


إعتدلت في مجلسها بإنتباه و أومأت بموافقه.


إختفت الحروف من بين شفتيه و عَلـت ضربات قلبهِ فقال بأحرف متقطعه:لما نرجع مصر..ناويه علي إيه؟!


_ده أنا ناويه علي حاجات كتييييير..أول حاجه همسك البيت أقلبه كده فوقاني تحتاني و أنضفه و هشوف واجب....


قاطعها ساخطاً:أكيد مش قصدي تنضفي البيت ولا لأ يا فرحه..قصدي علي حياتك يعني..خطيبك..كده.


نظرت حولها بتخبّط و كأنه فَتح جرحاً غائراً فقالت:

مش عارفه..مبفكرش..بس أنا متأكده إن اول ما أرجع "رجب"هيحوم حوالين أبويا عشان يتمم الجوازة.


سألها و بداخله يتوسلها أن تنفي فقال:و إنتي هتوافقي؟!


_أومال أعمل إيه؟!


نظر لها بأعين تفيض من الألم و إبتسم بإنكسار حاول أن يخفيه و قال:تصبحي علي خير يا فرحه.


همّ بالإبتعاد فأمسكت بذراعه و قالت:إنت زعلان مني في حاجه يا أحمد أفندي؟!


سرت قشعريره بجسده إثر لمستها فإلتفت لها و قال:

ياريت يا فرحه..يا ريتني أقدر أزعل منك و...


بتر كلماته فإنه علي وشك البوح بكل شئ..ظل ينظر إليها و كأنه يحفر ملامحها بداخل ذاكرته.


نظر إلي حصونها المهلكه التي تخبأ وراها الكثير ولا تقوي علي الإفصاح عنه.


نظر إلي تقاسيم وجهها البريئه التي سيفتقدها حدّ الهلاك.


نظر إلي شفتيها اللتان لا عتب عليه إن إقتنصهما في إعصارٍ مدمر و من ثَم فليعتذر..لا بأس.


أشاح بوجهه عنها و أغمض عينيه بألم داخلي يبدد صبره و يُضعف قواه.


أجلي حلقه ثم قال:تعرفي يا فرحه..اليومين اللي قضيتهم معاكي في الجزيرة رغم صعوبتهم إلا إنهم كانوا أحلي أيام حياتي.


إستمعت و لم تجيب فتابع:أنا حاسس إن قلبي لسه هناك..جسمي موجود و حاضر بس قلبي لأ.


إختنق صوته و أحس بأنه سوف ينفجر باكياً و لكنه لم يكترث فأكمل:أنا لحد دلوقتي لسه غريق يا فرحه..مش قادر أخرج من اللحظات اللي عيشتها معاكي ولا المشاعر اللي حسيت بيها و انا جمبك.


ثم إبتسم بسخريه و قال:يعني تقدري تقولي كده إني غريق بس غريق علي البر.


نظر إليها يتبين رد فعلها فوجدها تنظر إلي الأرض و تبكي في صمت فأشاح بوجهه عنها حتي لا يرق قلبه و يعتصرها داخل أحضانه.


خرج إلي شرفة الغرفه و أشعل غليونه يطرد معها كل آلامه التي تكوي فؤاده.


كان بحاجه شديدة إلي الصراخ حتي يهدأ صدره و لكنه كتم صراخه بصدره و أغمض عينيه و ظل يدخن غليونته بغيظ و لكن للعجب،سقطت عَبَراته الحبيسه فـ وأدها سريعاً بإبهامه.


إستمعت "فرحه"إلي صوته يدخل إلي الغرفه فأغمضت عينيها متصنعه النوم.


نظر إليها و إبتسم ساخراً و دخل إلي فراشه و أغمض عينيه متوسلاً النوم أن يرحمه و يواتيه.


♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕


خرجت"رضوي"من الكليه بعد الإمتحان فتفاجئت بـ"رضوان" ينتظرها.


خطت إليه خطوات سريعه و صافحته و قالت:

متخيلتش إنك هتستناني.


_طمنيني..عملتي إيه؟!


=الحمد لله..حليت كويس إلي حدٍ ما.


_إلي حدٍ ما بردو؟!


=اممممم..أنا جعانه جداً..إيه رأيك أعزمك علي غدا؟!


_تعزميني؟!طب مفيش معاكي مرايه أشوف الروج مظبوط ولا إتمسح؟!


ضحكت هي بشده فهز رأسها متعجباً و قال:قدامي يا رضوي..قال تعزمني قال!!


إصطحبها مطعم يرتاده هو كثيراً فقالت:الله..ريحة الأكل حلوه أوي.


قال وهو يضع أمامها طبق:إتفضلي يا ستي..

سندوتشات كبده بقا إنما إيه..وصايه.


تناولت الشطيرة بتلذذ و إستمتاع و قالت:الله بجد..تحففه.


_إنتي مكلتيش كبده قبل كده؟!


=عممري..تخيل..مع إني باكل بره طول الوقت بس عمري ما كلت ساندوتشات الكبده دي..واوو بجد.


_خلاص يستي طول فترة الإمتحانات هوديكي كل يوم مطعم من اللي أنا بتغدي فيهم..بكرة الغدا فول و فلافل.


قالت بحماس شديد:الله..ميرسي يا رضوان.


قال مشاكساً:ياخواتي رضوان طالعه منها زي العسل.


إبتسمت بحياء و أكملت طعامها و بعد أن فرغا أوصلها إلي منزلها و إنصرف.


♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕


مع صباح يومٍ جديد إستيقظ "أحمد"بكسل علي غير عادته..نهض من فراشه و ظل ينظر للوجه الملائكي الذي يغفو بجانبه بهدوء ثم ذهب و مدً يده يهزها برفق قائلاً: فرحه..فرحه..قومي يلا خلينا نلحق اليوم من أوله.


فتحت عينيها ببطء و نظرت له ثم إبتسمت إبتسامتها التي تسلبه عقله و قالت:صباح الخير يا أحمد أفندي.


إبتسم لها بحب و قال:يسعد صباحك يا فروحه..يلا فوقي كده و إجهزي بسرعه عشان ننزل نفطر.


أومأت بإيجاب و قامت ثم بدلت ملابسها و خرجت من الغرفه فوجدته ينتظرها.


حيتها"توبا" قائله:Günaydın "صباح الخير". 


ردت فرحه بعفويتها المعهوده و قالت: صباح النور يا توبه يا عسل.. متستغربيش أنا معرفش الكلمه اللي قولتيها إسمها إيه بس هي أكيد صباح الخير. 


إبتسم جميعهم فردد" منير"صح يا آنسه فرحه.. يلا إن شاء الله تتبسطوا و تركيا تعجبكوا. 


حدّث "منير" "أحمد" قائلاً:خد يا صاحبي..الفيزا معاك أهي و كأنها فلوسك و عيييييش.


_مش عارف أشكرك إزاي يا "منير"بجد..إن شاء الله أول ما أرجع هحوللك الفلوس اللي هاخدها.


=يعم عيب عليك والله..ما إنت ياما ساعدتني من غير مقابل.


_تسلم يا منير..يلا عن إذنكوا.


نزلت"فرحه"برفقة"أحمد" يستكشفون تلك الدوله الأكثر سحراً و جمالاً في العالم.


قرر "أحمد" تناسي أي شيء و إستغلال ذلك اليوم أفضل إستغلال حتي يصبح يوماً لا يُنسي. 


_فرحه..لتزم أشتري حاجه مهمه و بعدين نروح نفطر.


=حاجة إيه؟!


_كاميرا..لازم أوثق اليوم ده من أوله لآخره..ثم أكمل بنبره مرتعشه:أهو يبقالي ذكرى منك.


نظرت له بدقات قلب مضطربه و لم تجيب.


دخلوا إلي متجر للإلكترونيات و إشتري الكاميرا ثم خرجوا.


_هوديكي بقا يا ستي أحلي مكان ممكن تفطري فيه..و المنظر هنااك تحفففه..إسمه "رجب أوستا"


=و الأسطي رجب ده هو اللي بيعمل الأكل بإيديه؟!


قالتها فرحه مستنكره فنظر لها "أحمد"ضاحكاّ و قال:

أسطي رجب مين يا فرحه هو آحنا رايحين عند ميكانيكي؟! إسمه"رجب أوستا".


=يسيدي متدقش أوستا ولا كوستا المهم ناكل.


دخلوا إلي المطعم و رحب بهم مالك المكان التي تجمعه بـ"أحمد" علاقه طيبه و سأل"أحمد":

Bu senin karın Ahmed Bek? 

"هل هذه زوجتك أحمد بك؟!"


إنشرح قلبه لمجرد نسبها إليه و أومأ موافقاً و قال:

Evet .. bu benim karım 

"نعم.. إنها زوجتي". 


حيّاها فأومأت برأسها ثم إنصرف الرجل بعد أن أخبر" أحمد" أنه سيحضر لهم الطعام من إختياره. 


_كان بيقولك إيه خلاك إنشكحت أوي كده؟! 


=مفكرك مراتي! 


صدمها رده فتسائلت: و إنت قولتلوا إيه؟!


أجاب بكل هدوء:قولتله أيوة مراتي.


إتسعت عيناها بدهشه و همّت بقول شئ ما و لكن مجئ النادل بالطعام بتر كلامها.


شكره "أحمد" و إنصرف فقال لـ فرحه:يلا يا فرحه كلي.. الأكل هيعجبك.


بدأت "فرحه"بتناول الطعام بشراهه و تلذذ فقالت: أمّا الأسطي رجب ده إيديه تتلف في حرير صحيح..

إنت بتعمل إيه؟!


_بظبط حاجه في الكاميرا..كلي إنتي.


أكملت طعامها غافله عن ذاك الذي يحتفظ بأدق تفاصيلها..ضحكتها..كلماتها العشوائيه..عيناها.


أنهوا طعامهما و خرجا إلي الشاطئ..ذهبت فرحه أمام البحر مباشرةً و جلس بجانبها و معه الكاميرا.


عدّلها إلي الوضع الأمامي و قام بالضغط علي تسجيل.


_مبسوطه يا فرحه؟!


=أوي أوي يا أحمد أفندي..الجو هنا حلو أوي.


_نفسك تعملي إيه؟!


=يابن الإيه؟!إنت بتصور؟!


أومأ موافقاً فحمحمت و نظرت إلي الكاميرا بيده و لوّحت بيديها في إشارة ترحيب و قالت:


_إزيك يا أحمد أفندي..أحب أعرفك بنفسي..إسمي فرحه محمد السنهوري..عندي 25سنه..من محافظة البحيره مركز بدر..أنا و بلا فخر كنت من ركاب الطيارة إياها اللي وقعت في البحر..و اللي لولا إن ربنا بعتك ليا مكنتش زماني قاعده هنا.


=نفسك تعملي إيه دلوقتي يا فرحه؟!


_والله أنا طول عمري نفسي أركب خيل بس عندنا في البلد مينفعش الكلام ده.


أغلق الكاميرا و أمسك بيدها قائلاً:قومي.


_علي فين؟!


لم يجيبها..إصطحبها إلي حيث تقف الخيول في مشهد جمالي علي البحر و إستأذن مالكها الذي أذن له بدون مقابل عندما علم أنهم مصريين.


_يلا يا فرحه حطي رجليكي هنا و إطلعي.


=لا أنا ممكن أقع..أنا لسه وقعة إمبارح معلمه فيا.


بغتةً أمسك بخصرها و رفعها علي ظهر الحصان و صعد وراءها و أمسك باللجام و قال:فرحه ثبتي رجلك في ركاب السرج و خلي ضهرك مفرود.


_كده؟!


=لا مش كده..لازم ودنك و كتفك و كعبك يكونوا في خط واحد مستقيم.


إنتابتها نوبة ضحك شديده فضحك معها و قال:علي فكره والله مبهزرش..دي وضعية ركوب الخيل الصح.


بدأ "أحمد" بركل الحصان بخفه كي يتحرك و سأل "فرحه":مبسوطه يا فرحه؟!


_أجابت بحماس و سعاده بالغه:همووت من الفرحة، ما تخليه يجري.


=مش هتخافي؟!


_عمري ما أخاف و انا معاك.


حثّ الحصان علي الهروله عن طريق الضغط علي جانبيه برفق فأسرع الحصان يهرول بهما علي الشاطئ.


صرخت"فرحه"كثيراً من فرط الحماس و السعاده اللذان يتملكان منها و فردت ذراعيها للهواء الطلق و من خلفها يضحك"أحمد"بسرور شديد لذلك الإحساس الذي هو علي يقين بأنه لن يتكرر ثانيةً.




                         الفصل الثاني عشر من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×