رواية غريق علي البر الفصل السادس


 غريق_علي_البر

الفصل السادس

 بقلم نعمه حسن،، 


       

إلتقطها فوراً بكفيه الغليظتين و رفعها عن الأرض ثم أجلسها علي المقعد أمامه بينما تحاول خالتها إفاقتها. 


أحضر زجاجة ميااه و نثر بضع قطرات علي وجهها بيديه فبدأت تفتح جفنيها بوهن شديد. 


حدٌثهم قائلاً: ربنا يصبركم و يصبرنا.. عن إذنكم. 

ثم إنصرف مصطحباً والده و أشقائه إلي الخارج ففاجئهم والدهم قائلاً: أنا مش هرجع البلد.. أنا هفضل في مصر. 


نظروا جميعهم إلي بعضهم البعض بتعجب و بادر رضوان متسائلاً: هتفضل في مصر إزاي يابا؟! و ليه؟! و فين؟! 


_هنرجع البلد من غير فرحه نعمل إيه؟! عايزنّي أرجع الدار و هي ريحتها و نفسها في ركن في البيت؟! و هرجع البلد ليه؟! آخد عزاها و أنا مش عارف أدفنها؟! 


إعتلي نحيبه فإلتف حوله أبناؤه يواسونه و هم يحتاجون لمن يقوم بذلك فقال رامي: إحنا كمان مش متقبلين الفكرة يابا و الموضوع صعب علينا زي ما هو صعب عليك.. بس علي الأقل نرجع البلد نساوي حالنا و نرجع تاني. 


قال والده. بإصرار: لا مش هرجع البلد تاني.. بعدين تسافر إنت و أخواتك تشوفوا هتعملوا إيه.. يلا يا رضوان كلم صاحبك المصراوي يشوفلنا سكن.. عليك العوض و منك العوض يا رب. 


     ♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕


مع صباح يومٍ جديد إستيقظت "فرحه" عندما داعبت الشمس وجهها كعادتها كل صباح. 


فتحت عينيها ببطء و نظرت إلي جوارها فلم تجد رفيق الرحله و ونيسها الأوحد. 


إنقبض قلبها و نهضت فجأة تجول ببصرها هنا و هناك حتي وقعت عيناها عليه يسبح بالماء. 


ذهبت إلي الشاطئ و رفَعت يديها تلوّح بها قائلة: 

صباح الخير يا أحمد أفندي. 


لوّح بيديه و قال: صباح النور يا فرحه.. إتفضلي معانا. 


وضعت يدها فوق عينيها تحجب عنهما أشعة الشمس و قالت: ألف شكر.. لسه ميعاد الشاور بتاعي مجاش. 


سبح ناحيتها و خرج من الماء فأشاحت بوجهها جانباً في خجل لرؤيته بسرواله فقط. 


إستوعب الموقف فقال وهو يسرع للخارج لإرتداء ملابسه: أنا آسف يا فرحه.. إعذريني. 


إرتدي ملابسه علي عجاله من أمره و عاد إليها و تابع قائلاً: حسيت إني مخنوق فقولت أطلع الطاقه السلبيه اللي عندي في العوم. 


_ياريتني بعرف أعوم يا أحمد أفندي.. كنت لقيت حاجه أطلع فيها خنقتي أنا كمان. 


=إيه ده؟! عمرك ما نزلتي الميه؟! 


_هي مرة اللي نزلت فيها.. كنا في إسكندريه عند خالي الله يرحمه. 


=هاا كويس. 


_لا مش كويس.. ما أنا المرة دي شربت نص مية البحر و طلعوني بأعجوبه و طلعت زرقه و وارمه. 


=مبتعرفيش تعومي؟! 


_نهائي.. ده أنا أغرق في البانيو.


كتم ضحكته بصعوبه و قال: طب إيه رأيك لو أعلمك؟! 


_لاااا.. مستغنيين عن خدماتك المره دي. 


=متخافيش مش هغرقك.. ده أنا بعوم كويس جداً. 


_أيوة ما أنا شايفاك ماشاء الله بتبلبط في الميه ولا قرموط الترعه. 


قهقه قائلاً: طيب أدي آنتي شوفتي بنفسك.. خايفه ليه؟! 


=و إفرض هاجمتنا سمكة قرش هيبقا إزي الحال! 


_سمك قرش إيه يا فرحه اللي هيخرج برة كده.. إحنا مش هندخل لجوة متخافيش. 


=و إنت لامؤاخذه يعني هتعلمني العوم و إنت لابس لبس السباحه؟! 


_لا متقلقيش أنا هدخل معاكي بهدومي كده.. يلا. 


ترددت كثيراً فقال: بصي يا فرحه.. أنا إتعلمت حاجه مهمه جداً و أحب إنك تعمليها بردو. 


=حاجة إيه؟! 


_الحاجه اللي تتغصبي عليها لازم تستفيدي منها.. بمعني إنك دلوقتي موجودة في المكان ده غصب عنك بس بما إنك هنا يبقا علي الأقل تخلقي لنفسك جو حلو أو تخطفي لحظات حلوة و ذكريات حلوة عشان لما نرجع إن شاء الله تفتكري المواقف دي و تضحكي. 


أشار برأسه بمعني "هيّا" فأمسكت بذراعه بكلتا يديها و دخلت معه إلي الماء. 


نظرت له بريبه في بداية الأمر سرعان ما تحولت لحماس. 


توقف بها في الماء فقالت: تعالي ندخل جوا شويه. 


ضحك و قال: حيلك يا فرحه هانم.. واحده واحده. 


قالت بسعاده: الميه حلوة أوي.. أنا مبسوطه. 


إبتسم لسعادتها و قال: و أنا مبسوط إنك مبسوطه يا فرحه.. يلا إفردي إيديكي و بعدها إفردي جسمك كله علي الميه. 


فردت ذراعيها كما أخبرها و حاولت الإستلقاء علي ظهرها فغاصت تحت المياه.. أخرجها مسرعاً وهو لا يستطيع كبح جماح ضحكته. 


سعلت كثيراً و أخذت تشهق و تزفر قائله: كنت هغرق.. كنت هغرق.. مغرقتش في البحر و كنت هغرق علي البر. 


إرتفعت ضحكاته فنظرت إليه بغضب عارم و قالت بصوت عالي نسبياً: إنت بتضحك علي إييييه؟! 


إزدادت ضحكاته و قال: تغرقي إيه يا فرحه؟! ده إحنا الميه مش واصله لركبنا.. و بعدين إحنا لسه علي البر.. عمرك شفتي غريق بيغرق علي البر؟! 


_أنا يخويا.. ده أنا بغرق في شبر ميه.. وسع كده أنا خارجه. 


أمسك بيديها بإحكام و قال بجديه: مش من أول محاوله تيأسي و تستسلمي.. بطلي شغل عيال صغيره. 


إستفزتها كلماته فقالت: مااشي.. إتفضل علمني. 


_إفردي إيديكي زيي كده و بعدها إفردي جسمك كله.. يلا. 


فعلت كما أخبرها فوجدت الماء يرفعها فقالت بحماس و سعاده: إيه ده؟! ده أنا طلعت بعرف أعوم أهو. 


_هو فين العوم ده.. لسه يا فرحه معملناش حاجه.. يلا حركي إيديكي بالعرض و ميلي بكتفك و إنتي بتحركي إيديكي.  


فعلت المثل فقال مشجعاً:برافو يا فرحه..يلا..بدّلي برجليكي كأنك راكبه Bicycle.


=كلمني عربي الله لا يسيئك..أنا هعوم ولا هترجم!


_كأنك راكبه بسكلته يا فرحه..يلّا بدّلي.


فعلت كما أخبرها فقال:برافو يا فروحه..خدي نفس بانتظام و...........


لم تستمع إلي بقية ما تفوه به.. جذب إنتباهها بأكمله نطقه لإسمها بتلك العذوبه بل و يدللها أيضاً. 


توقفت يديها و قدميها شاردةً به فنزل رأسها إلي الأسفل مرة أخري فأسرع بإنقاذها و إخراجها من الماء فإذ بها تنظر له نظرات لم يستطع هو فهمها و لكنها كانت تحمل الكثير و الكثير. 


نظر بداخل عينيها لأول مرة و لأول مره يكتشف جمال عيناها و صفاء لونهما. 


نظرت داخل عينيه بدورها فوجدتهما تفيضا بالدفء الذي لطالما إفتقدته. 


إنتبها علي حالهما فحمحم هو قائلاً: كفايه كده النهارده.. يلا نخرج. 


           ♡♡♡♡★♡♡♡♡♡♡★♡♡♡


_لا يا بابي هنزل النهارده.. الحزن ملوش علاقه بالشغل.. و أديني أهو بقالي يومين منزلتش كان إيه اللي إتغير؟! 


=معلش حبيبة بابا.. ده نصيب و قدر.. ربنا يرحمه و يعوض عليكي. 


_و نعم بالله.. هستأذن دلوقتي يدوب أنام ساعه و أصحي أنزل... مع السلامه. 


إستندت برأسها إلي الوراء و أغمضت عينيها و غطّت في نوم عميق. 


"نورااا.. نوراا فوقي إحنا خرجنا علي الشط خلاص.. نورااا حبيبتي فوقي.. إحنا في أمان دلوقتي.. نوووورااااااااااا. 


أتاها صوته كأنه صدي صوتٍ يتردد في چُب عميق فأفاقت من نومها فزعه.. ظلت تتلفت حولها حتي إستوعبت أنه منام فنهضت علي فورها و إستعدت للذهاب إلي عملها. 


        ♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕

_أنا بيعت كل البهايم لـ شريف إبن عمي يابا و أدي فلوسها أهي. 


وضع" رضوان"المال أمام والده علي الطاوله فقال والده بهدوء: خد فلوس الشقه إعطيها لصاحبها و هات التاكسي اللي قولت هتشتغل عليه إنت و أخوك.. و باقي الفلوس إنقل بيها مدرسة بدر و كرم.. و إذا مكانتش تكفي إنزل بيع فدانين و هات فلوسهم و تعالي. 


_لا إن شاء الله هيكفوا.. دلوقتى حالاً هنزل أقابل صاحب الشقه و أديله فلوسها و أقابل كمان صاحب التاكسي و نخلص الورق عشان من بكرة إن شاء الله هشتغل عليه أنا و رامي. 


أومأ والده موافقاً و تمتم بإقتضاب: اللي فيه الخير يقدمه ربنا. 


     ♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕♕


_أنا بطني وجعتني يا أحمد أفندي من أكل جوز الهند.. بقالنا 3 أسابيع مبناكلش غيره..  و كل ما أقوللك أنا شامه ريحة موز تعالي ندوّر تقوللي الغابه جوه مش أمان.. طب حلها إنت. 


=يا فرحه أنا خايف عليكي.. أنا مقدرش أجازف و إنتي معايا.. اول حاجه لو دخلنا ممكن يكون جوه حيوانات مفترسه.. تاني حاجه ممكن منعرفش نرجع مكانا تاني و يبقا لو إحتمال 1٪ إننا نرجع بكده هنخسره.. ف الأحسن منتحركش من هنا.. أو لو مصممه يبقا هدخل لوحدي زي ما قولتلك. 


_لا طبعا مش هسيبك تدخل لوحدك و رجلي علي رجلك مكان ما تروح.. و بعدين يعني هنقابل إيه أوحش من اللي إحنا فيه؟! بالعكس ممكن نوصل لمكان أحسن من ده! 


=يا فرحه في الغابه أكيد مش هنلاقي مكان أأمن من ده.


_يا سيدي نجرب مش هنخسر حاجه إن شاء الله.. آحنا نولع عصايتين نار و نتكل علي الله.. لعل و عسي نلاقي طريق نرجع بيه بقا ألا أنا لو فضلت هنا أسبوع كمان هيطلعلي شعر في كل حته في جسمي شبه أبو الليف من كتر قعدتي مع القرود. 


إرتفع صوته عالياً بضحك ثم أومأ موافقاً و قال: ماشي يا فرحه اللي تشوفيه.. إتفضلي قدامي. 


صفقت بفرحه كالأطفال و أشعلت عصاتان ناراً و أعطته واحده و أمسكت بالأخري ثم قالت مازحه: جواز عتريس من فؤاده باااطل.. بااااطل. 


ضحك حتي أدمعت عيناه و قال لها: قدامي يا آخر صبري. 


_لا قدامك إيه.. ليديز فيرست.. والله لـ تتفضل الأول. 


لم يتعجب تلك المرة فلقد إعتاد جنونها و مزاحها. 


سار أمامها و أمسكت هي بقميصه من الخلف تتشبث به فقال: خايفه يا فرحه؟! 


أجابت بصدق: هخاف و أنا معاك يا أحمد أفندي؟! 


إتسعت إبتسامته و قال: لو حصل أي حاجة و كان بإمكانك ترجعي إرجعي إنتي يا فرحه و سيبيني. 


_و هو لو طلعلنا حنش و مسك في زمارة رقبتي هتسيبني و تمشي؟! 


=يستحيل طبعاً. 


_طيب.. اومال بقا؟! هو إنت أجدع مني ولا إيه؟! 


=لا العفو دا انتي اجدع خد قابلته. 


تقدّما بسيرهما فصرخت فرحه قائله فجأه: شجر موز يا أحمد أفندي!! 


نظر إلي حيث تشير و قال: برافو عليكي يا فرحه.. إنتي هايله فعلاَ.. بس هنجيبه إزاي؟! 


ظلّا يتلفتان حولهما حتي وقع بصره علي مجموعه كبيره من العصي المدببه المتساوية الطول و السمك فنظرا إلي بعضهما البعض و قد واتتهما نفس الفكرة سويّاً.... 


                

                          الفصل السابع من هنا    

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×