رواية طفله فى قلب فرعون الفصل الثامن

 


 

رواية طفلة في قلب الفرعون

الفصل الثامن 

بقلم رحمة سيد 

رآن الصمت بين الجميـع... صمت قاتل يحتضن صراع غامض من النظـرات المبطنة بعشرات الكلمات.....!! 

للحظات لمحت دنيا ذلك الطيف البراق يطوف بنظرات يزيد قبل أن ينطفئ تمامًا... فتشعر لأول مرة أنها أطفئت الشعلة الوحيدة التي كانت تنير طريقها لقلبه!.. 

إنتبهت لصوت "يزيد" المغلق وهو يغمغم:

-لما هي إتفقت معاكم ماسكينها كده لية؟! 

حينها تراخى قناع البرود الذي كان يغطي ملامح "سراج" ليظهر الغضب في أوجه وهو يصيح مزمجرًا:

-لأني حذرتها... قولتلها انا هقولك معلومات عن أمك بس اسمعي الكلام وماتطاوعيش مسعد الشامي في اللي هو عايزه بس هي ماسمعتش الكلام!! 

ولم يترك ليزيد الفرصة بل تابـع بغضب اكبر:

-من وقت ما مُسعد قال إن دنيا اختفت فترة وهترجع بمزاجها زي ما مشيت بمزاجها وانا عارف إنه كذاب وإن في حاجة غلط في الموضوع، بس مكنتش

 اعرف إنه بيجهز عشان يغدر بينا وعايز ياخد حاجة يقضي علينا بيها!!! ميعرفش أنه لو قضى علينا هيقضي على نفسه برضه!

اقترب من دنيا بخطى بطيئة.... ومع كل خطوة تزداد.. تزداد امامها خفقات يزيد التي كانت كمطرقة في حرب مجهولة النهاية!!..... 

إلى أن وضع "سراج" يداه على خصلات دنيا يتحسسها وهو يكمل بهسيس شيطاني:

-بس مكنتش أعرف إن مسعد بالغباء ده عشان يبعت واحدة حلوه وصغننه زيك هي و واحد بس عشان ياخدوا الميكروفيلم..! 

شيء نال نسيم الراحة اخيرًا داخل يزيد وهو يدرك أن ذلك اللعين يعتقد أنه هو ودنيا جاءوا هنا بأمر من مُسعد الشامي ولم يدري أنه ضابط....!! 

وربما ما زاد ظنه أنهم رجال مُسعد أن لا احد يعلم بوجود ذلك الميكروفيلم إلا اعضاء المافيا نفسهم... وبالطبع الشرطة لاحقًا......!! 

حينها فقط ادرك أهمية مرافقة دنيا له...

واخيرًا خرج صوته هادئ يحمل ذلك الايقـاع المزيف من التوسل:

-غلطنا يا باشا... 

ولكن سراج هز رأسه نافيًا والشر شرارة قدحت بين جحر عينـاه، فأردف بصوت عالي آمرًا:

-اقتلوها 

إنتفضت دنيا بهلع حقيقي... وعينـا يزيد اصبحت كرة من النار.... كرة إنتفخت وإنتفخت بالجنون والحقد حتى كانت كلمته كالوغزة التي فجرتها فجأة...... 

ليضغط على ذلك الزر المُعلق بالسلسلة في رقبته وفي لحظة بدأ هجوم فريقه على المكان... لتندلع حرب دموية وتنطلق الرصاصات كأمطار غزت أزهار الربيـع بقسوة..... 

قفز يزيد من مكانه بسرعة نحو دنيا التي أمسكها احد رجال سراج وهو يضعها امامه هو وسراج كدرع حامي لهم...! 

ركضوا بها للأعلى في احدى الغرف ليركض يزيد خلفهم بجنون.... إن أصابها مكروه لن يسامح نفسه ابدًا... ولن يسامحها !!

دلف هو وسراج ودنيا وذلك الرجل الذي يكبلها.... كان يزيد يصـارع خوفه... يصارع عشقه ونبضاته التي اهلكها ذلك المنظر في مدارها.... 

يعطي عقله قيادة روحه وكيانه ليستطع التحرر من اشباح عشقها.... ليتناسى الجزء العاشق داخله حاليًا، ويصبح الضابط يزيد المتزن دون أي عوائق من التوتر والجنون....! 


وبالفعل استقام واقفًا امام سراج الذي أخذ يصرخ وكأنه على عتبة الجنون:

-بوليس، أنتوا بوليس استحالة تكونوا رجالة مُسعد... مُسعد معندهوش القوة دي!!!! 

ثم صرخ ليزيد صارخًا وعيناه تحيد نحو دنيا بتهديد واضح:

-لو مش عايزها تموت سيب سلاحك

كان يزيد يحدق بعينـا "دنيا" المهتزة... يرسل لها رسالة خفية ويرجوها الاستقبال....! 

وبالفعل... حينما كان سراج يمسك السلاح من رجله ويترك له مجرد سكين... ثم كاد يلتقط دنيا..... ولكن دنيا وبحركة مباغتة أخرجت "موس

" صغير من معصم يدها لتدفع ذلك الرجل عنها بعنف وتغرز ذلك الموس بعينـاه فتعالت صرخاته المتألمة ثم ركضت نحو يزيد..... 

وفي نفس اللحظات أطلق يزيد رصاصه ليُصيب الرجل اولاً ثم سراج الذي لسوء الحظ أطلق هو الآخر رصاصته تجاه دنيـا........! 


وسقطت دنيـا ارضًا دون اي مقدمات... سقطت كزهـرة ذبلت عندما ازدادت قسـوة المناخ عليها.....!!! 

ولكنها لم تسقط وحدهـا... بل مزقت وريد الحياة داخل يزيد الذي تصنم وكأن الروح غادرته.....!

لحظة واحدة وكان يركض نحوها بلهفة مجنونة يمسك وجهها بين يداه ويصرخ بصوت مرتجف هيستيري:

-دنيـا.. دنيا قومي فوقي.... دنيا ماتهزريش قومي أنتِ مش هتسبيني بعد ما لاقيتك، دنياااااا 

حروف أسمها خرجت من بين شفتـاه كالحمم عندما تخرج من جوف البركان الثائـر...

. يصرخ ويزداد نحيبه.... يهز رأسه نافيًا وهو يحاول إفاقتها بكل الطرق....... 

لن تتركـه.... لن تغادر تلك الدنيـا لعالم اخر وتتركه... لن تتركه عالق هنا في لظى الدنيا.. مد يده اخيرًا متوقعًا نزيف غائر ولكنه لم يجد دماء.....! 


وفجأة هدأ صوت الرصاص بالأسفل... ثم بدا وكأن هناك علاقة طردية بين الادراك والهدوء 

العقلي ليزيد... فكلما عم الهدوء عم الادراك عقله... نهض بسرعة البرق يركض نحو جثة سراج يبحث عن اي مفتاح او شيء يدله على "الميكروفيلم" .... 

وجد ساعة عريضة في يده... فكاد يتخطاها ولكن لوهله توقف وهو يتفحص تلك الساعة

 بتمعن.. ثم سحبها من يده... وضعها عند اذنه ليهزها ببطء فسمـع حركة خفيفة حينها أدرك انها لم تكن مجرد ساعة....... 

بل كانت مخبئ للميكروفيلم،،، شتم بصوت عالي... تفكير شيطاني... فحينما يحدث

 هجوم عليهم يضع الميكروفيلم بتلك الساعة التي لن يتوقع أي شخص أن يكون به.....!! 

سمع صوت "زياد" يخترق السماعة الصغيرة جدًا الموضوعة بأذنه، لاهث قلق يسأله:

-يزيد انت كويس؟ لو في اي خطر او لسة في حد عندك كح او اديني اشارة على الجهاز... 

خرجت حروفه متحشرجة بضياع وهو يجيب:

-خلصت عليهم وخدت الميكروفيلم، هات اسعاااف بسرعة دنيا ممكن تكون اتصابت

-تمام اهدى هي لابسه واقي من الرصاص، دقايق وهنكون قدامك 

عاد "يزيد" يمسك وجه دنيا بلوعة... يمسح قسماتها بإصبعه بشغف واضح.... لم يعد يحتمل... تلك العاطفة إما تشعله بجنون ليحيا دائمًا متوهج بعشقها.... او تقتله عندما تنطفئ فجأة..! 

ظل يطبع قبلات خفيفة يداعب بها وجهها الشاحب وهو يردد اسمها بهوس.... 

بدأت تأن بصوت مسموع وتلقائيًا كان اسمه اول ما خرج من بين شفتاها:

-يزيد.. 

تأوه بخشونة محتضنًا اياها بخوف حقيقي... يا الله... للحظات.... فقط لحظات تخيل تلك الدنيا بدونها فلم يعد يطيق رائحة الحياة!!! 

نظر لعمق عينـاها... لبحر عيناها الراسي بتوهان، ليهتف بصوت مثخن بالعاطفة:

-روح قلب يزيد... 

اقتحم "زياد" وعناصر الاسعاف المكان ولكن يزيد لم يهتم وهو يعود ليسألها بلهفة:

-إنتِ كويسة؟؟ حاسه بحاجة؟ طمنيني يا دنيتي؟.. 

هزت رأسها نافية بخفوت... 

-انا كويسة

فبدأ يلتقط أنفاسه.... يضمها لصدره أكثر بينما أنفه تبحث بلهفة وشوق عن رائحتها التي تذيب ثوران روحه لتشعل به ثورة من نوع اخر...........! 


                          ****


_ مصر _ 


بدأ جسد "عهد" ينتفض بعنف أسفله.... بدت وكأن روحها تصارع... ولكنها لم تكن تصارعه هو... لوهله ظن أنها تحارب شبحًا آخر في صورته هو..! 

اهتزازتها تزداد وصراخها كان لحن شاحذ في حرب قاسية...!! 

حالها المثير للشفقة كان كصعقة الكهرباء لعقل "ياسر" ليستعيد توازنه.... يستعيد ادراكه.... يتذكر مَن تكـون.... يستعيد شريط الذكريات الذي مزقت الصدمة معالمه...!!! 

رفع جسده ببطء عنها.... ماذا كاد يفعل ؟!... 

إن دمرت هي جزءًا من كيانها.... فكاد هو يحرق كيانها كله حرقًا...! 

بدأ يرتدي ملابسه بملامح مبهمة... بينما هي اخذت تتراجـع تلقائيًا للخلف تضم جسدهـا لها والرعب يلتهم روحها....! 

لم يرتدي قميصه بل رماه عليها بقسوة والازدراء مشوب بالاشمئزاز يقطرا من نظراته وهو يهتف بحدة:

-امسكي استري جسمك، مش انا اللي اخد فضلات غيري!! 

لازال يجلدهـا.... لازال يُصر على تعذيبها.. مرة يجلد جسدها ليشوهه بضرباته والان يجلد روحها بكلماته المسمومة...!

ارتدت قميصه بلا وعي لينحني هو نحوها فجأة... فشهقت هي بخوف تلقائيًا.. بدأت تهز رأسها نافية والدموع تعود لطريق عيناها... ولكن تلك المرة الهيستيرية زادت.... فبدأت تصرخ وهي تهز رأسها نافية...... 

تغمض عينـاها بعنف... تحارب تلك الذكرى المقيتة وما اقسى تلك الحرب عندما تكون حرب نفسية...!! 

ازدادت انفاسـه حدة... وإنقسمت روحه لحزبـان.. احدهما يود احتضانهـا لتهدأ تمامًا... والاخر يحدق بها بعين الانتشاء والشماتة !! 

ولكن السيطرة كانت لحزب العقل.... كانت للانتشـاء المغموس بتلك القسوة ! 

ولكن عندما صرخت فجأة بصوت مبحوح وكأن احبالها الصوتية تمزقت:

-يا يااااااسر.... 

تجمد كل شيء.... تجمد هو شخصيًا وذلك الاحتراق داخله بدأ يبهت شيءً فشيء.. ليجهر قلبه بثورة عنيفة بين ضلوعه... تستنجد به.... تستنجد به منه ؟!..... 

ودون لحظة تردد اخرى كان ينحني لمستواها ليحملها بين ذراعاه دون كلمة واحدة... وبمجرد أن تغللت رائحته انفها حتى إنسابت وثورتها الغريبة تستكين بين احضانه... 

دفنت رأسها عند رقبته... شفتاها تتلمس رقبته وهي تتحدث بصوت واهن لتزيد عذابه ويشتعل ذلك الحريق القاسي في مسام جلده:

-ماتسبنيش يا ياسر، خليه يبعد عني.. 

رفع رأسه يزفر بصوت مسموع... يحاول تهدأة شياطينه.... ليضعها بحدة نوعًا ما على الفراش في غرفة متوسطة... ثم استدار دون ان ينتظر لحظة يخرج من تلك الغرفة...... 

لم يعد يحتمل حتى أن يشاركها نفس الهواء... تلك الرغبة العمياء بقتلها تسيطر على محور افكاره بشكل خطير، ولكنه لا يريد قتلها.....!

وفجأة كان يطيح ليضرب تلك المرآة الموضوعة امامه... ودون اهتمام بيداه التي بدأت تنزف، كان يضرب الحائط بجنووون تام وهو يصرخ ولأول مرة:

-ااااه ياااااااااارب ! 


بعد ساعات قليلة.... 


كل شيء اصبح جاهزًا... المأذون الذي سيعقد قرانهم.. واصدقاؤه الشهود.. وشخصًا ما ليكون وكيلها..... الصورة المزيفة للزواج الكامل اصبحت جاهـزة... ولكن ينقصها نقطة النهاية... ينقصها هي..... عهد ! 

تركهم بصمت متعجبون من ذلك القرار بالزواج ومن حالته الغريبة... ليتوجه نحو غرفتها... فتح الباب دون استئذان ليستشعر تلك الرعشة التي هاجمت جسدها فور دخوله...! 

اقترب منها بخطوات حادة وما إن وقف امامها حتى توجه نحو الدولاب ليُخرج فستان اسود طويل حتى كاحليها وذو اكمام ومغلق من كل الجوانب....رماه على وجهها بعنف ليستطرد بسخط قاسي:

-اتنيلي اغسلي وشك وإلبسي ده في ٥ دقايق بالظبط المأذون برا، هكتب عليكي حفاظًا على سُمعتي انا، لكن انتِ ولا تفرقي معايا بنكله! 

ابتلعت تلك المرارة التي كانت كالعلقم بجوفها... لتنهض ببطء تترنح في خطواتها.... 

دلفت للمرحاض لتختفي خلفه حوالي ربع ساعة واخيرًا خرجت.... مرتدية ذلك الثوب الاسود... رماها ياسر بنظرة شاحذة.... يليق بها الأسود.. تمامًا كمصيرها الذي خطته بفعلتها الشنيعة..! 


وقفت امام المرآة وبيد مرتعشة حاولت تصفيف خصلاتها... ومن ثم استدارت لياسر هامسة بصوت شاحب:

-خلصت! 

ولكن فجأة وجدته خلفها تمامًا.... خلفها لدرجة أنها شعرت أن ظهرها سيذوب منصهرًا من النيران المندلعة بعينـاه المصوبة نحوها......!؟ 

وجدته يرفع إصبعه ليسير به ببطء على رقبتها الظاهرة من الفستان.... ببطء شديد اثار قشعريرة باردة بعمودها.... ثم همسه الخشن عند اذنها بنبرة غريبة:

-غطيها، مش عايز أي جزء ولو صغير جدًا منك يبان... إنتِ بقيتي ملكي من الليلة.. كل جزء فيكي ملكي مش مسموح لحد غيري يشوفه! 

وتلقائيًا ابتعدت خطوة لتبتعد عن ملمس إصبعه، ثم همست بخنوع:

-حـ... حاضر، هغطيها بس ارجوك ابعد شوية 

كلماتها كانت الشعرة التي تفصل بين إنفجاره وجموده...حررت ذلك الشيطان داخله الذي يجاهد ليكبله....!!!! 

فجذبها له بعنف حتى اصطدمت بصدره العريض.. ليصرخ بانفعال قاسي قاصدًا تسميم روحها بكلماته:

-إيه محسساني إن عمر ما راجل قرب منك، امال لو مش جايبك من كباريه من وسط ال**** كنتي عملتي ايه؟؟ ولا إنتِ ملكيش غير في الحرام! 

ثم ضغط على خصرها بيداه يقربها منه اكثر بينما هي مغمضة العينين تحاول الصمود امام شلالات الدموع التي تهاجمها بضراوة... عينـاه انحرفتـا نحو شفتاها بنظرات أشعلتها عاطفة يختبرها لأول مرة......! 

لم يعد لعقله وجود في ظلال هجوم شفتاه على شفتاها يسحقها سحقًا.... يدمغها بملكيته لها.... يُقبلها بعنف محاولًا تجاهل ذلك السائل الحار الذي يحترق بشرايينه.....!!! 

ترك شفتاها عنوة عندما شعر بحاجتها للهواء... كل نفس يخرج منه اصبح يؤلمه.... يؤلمه بشدة كلما تذكر أن احدهم لامسها بتلك الطريقة.... قبلها هكذا... احتضنها.... مس جسدها.... أن رجلاً آخر سبقه لها ونال كل شيء.... كل شيء !! 


عند تلك النقطة دفعها بعيدًا عنه فجأة بقوة حتى اصطدمت بالمرآة وكادت تتحطم... ليزمجر فيها بعدها بجفاف قاسي:

-إنتِ بقيتي ليا مع إن ده شيء بيخليني قرفان من نفسي لما افكر إن إنتِ اللي هتشيلي اسمي من وسط كل اللي عرفتهم، يعني اقرب منك وقت ما انا عاوز وماتفكريش تقوليلي ابعد!! إنتِ اساسًا كرستي نفسك عشان تشبعي رغبة الرجالة.. فـ ماجتش عليا!

ثم استدار كالعادة يغادر كلما رمى قنبلة اخرى بين ثنايا روحها وينتظر رؤية الجرحى في عينـاها النازفة........! 


                            ****


"مهما بلغت قوة شخصيتك؛ هناك دائمًا شخص يمكن أن يجعلك ضعيفًا أمامهُ . .

ليسَ ذلاً ولا خوفًا..وإنما هي مكانتهُ في قلبك..! " 


**منقول**


_ لبنـان _ 


في ذلك المنزل الذي اجتمع به فريق "يزيد" استعدادًا عودتهم لمصر... تحديدًا في الغرفة الخاصة بـ يزيد ودنيا.......

كانت "دنيا" جالسة على

 الفراش تضع يداها على رأسها بتوتر وعينـاها على "يزيد" الذي يسير في الغرفة ذهابًا وإيابًا....!! 

وفجأة وجدته يقترب منها متمتمًا بتساؤل حاد:

-انا عايز اعرف كل حاجة حصلت، حالًا ! 

ابتلعت ريقها بتوتر لتسأله بعدها بعدم فهم مصطنع:

-تعرف إيه؟! 

-دنيا

صرخ بها بعيون حادة كصقر شرس ممزقة كل صلاتها بالمرح، لترد دنيا تلقائيًا بخوف مزيف وهي ترفع يدها عند رأسها كتحية عسكرية:

-باااشا... 

صمتت لحظة ثم نظرت لعينـاه المخيفة التي ازدادت حدتها لتهمس بنفس البراءة الطفولية:

-خلاص هقولك ماتزقش!! 

ثم بدأت تفرك يداها بتوتر والذكرى تتسرب ببراعة لعقلها النافر من احتلال ذكرى كتلك له.... 

اخذت نفسًا عميقًا ثم نطقت بصوت أجش:

-فاكر اليوم اللي النور قطع فيه وانا حاولت اهرب، في اليوم ده كنت عمالة اجري كتير بعيد عن البيت وكنت خلاص في الشارع الرئيسي وهخرج... لاقيت حد فجأة ظهرلي معرفش منين تقريبًا شافوني صدفة... اخدوني في حتة معزولة وقالولي إنتِ بنت مسعد الشامي صح، في البداية سكت وكنت خايفة لكن لما شوفت التهديد 

في عينهم قولت اه... وقالولي زي ما سراج ده قالك... خليكي معانا وقوليلنا مسعد الشامي باعتك لية وكل اللي تعرفيه اول بأول واحنا مش هنأذيكي،

 ساعتها فهمت... مسعد الشامي المبجل مقدرش يعلن للناس إن ببساطة بنته اتخطفت ومابقاش عارف يوصلها لها، وإن اللي خطفها حد في نفس قوته يعني هيبان هو  الضعيف طبعًا ومحدش هيعمله حساب في السوق تاني، فقال اني رحت سفرية وهرجع بعد فترة، ساعتها هما بدأوا يشكوا فيه لانه ماكنش بيستغنى عني وكان في شيء مُريب، المهم سايرتهم وأكدت لهم بطريقة غير مباشرة إن مسعد فعلًا هو اللي باعتني وادوني تليفون كده صغير عشان اتواصل بيهم من خلاله، وسابوني ومشيوا وانا كملت جري وانا بفكر وفجأة لاقيتك فـ وشي.... ده كل اللي حصل 

كانت ملامح يزيد مغلقة... غير مقروءة ولكن ضبابية سوداء تحيطها بشكل عام.....!!! 

ثم راح يسألها بجمود:

-عشان كده وصلوا للبيت اللي كنا قاعدين فيه، المهم هما ماحاولوش يتصلوا بيكي بعدها؟ 

اومأت مؤكدة برأسها:

-حاولوا طبعًا بس انا كنت بقولهم إن مسعد مش بيقول لينا كل حاجة مرة واحدة وإنه بيدينا الاوامر في ساعتها للاحتياط، وهما كانوا بيهددوني باستمرار اني مالعبش بديلي معاهم! 

تشقق جمود يزيد ليرتسم ببقايـاه الغضب... خيبة الأمـل.... والألم...! 

ثم استطرد بعدها بنبرة هادئة يلسعها البرود:

-ماقولتيليش كل ده لية؟! 

-مش عارفة 

اجابتها كانت خاطئة... بل كانت اكبر خطأ... كانت مجرفة اخرى تزيد من عمق تلك الحفرة الغائرة التي فُتحت في منتصف طريق علاقتهم......!! 

رفـع عيناه الباردة لها ليقول بعدها بنظرة خاوية:

-عمرك ما وثقتي فيا، وانا اللي مفروض ماثقكش فيكي اديتك جزء كبير من ثقتي بسهولة! 

هزت رأسها نافية بسرعة:

-انا كنت...... 

وصمتت.... مرة اخرى صمتت... لم تصرخ بلهفة كنت سأخبرك... وددت اخبارك... اي شيء يُعيد لكرامته روحها ويقتل ذلك الشعور بخيبة الأمل!!... 

بدأ يتنفس بصوت مسموع يعيد تريب بعثرته... ثم نهض من جوارها وهو يغمغم بملامح مغلقة:

-السفر بعد ٤ ساعات، خليكي جاهزة عالوقت 

ودون تردد كانت تنهض هي بلهفة تمسك ذراعه وتلك الهمسة الملتاعة تخرج من بين شفتاها لتضرب حصونه مباشرةً:

-يزيييد... 

أغمض عينـاه بعنف دون أن يلتفت لها، صائحًا باستنكار:

-عايزه إيه تاني!!؟ 

واخيرًا استطاعت مقاومة ذلك الثقل بلسانها فنطقت بما أملاه عليها شعورها:

-انا كنت متلخبطة، مش عارفة مين عدوي ومين حبيبي... انا كنت عايشة سنين مع مسعد ومفكره إنه اكتر حد عايزلي الخير في الدنيا دي وطلع اكتر حد

 زبالة بيكرهني، انا مش هنكر واقول اني كنت متأكدة وواثقة فيك انت واللي معاك، انا كنت شاكه... بس كانت جوايا حاجة متأكدة انك حبيب مش عدو..

 حاولت اقاومها بس مقدرتش..... فجأة لاقتني كده 

حينها استدار لها ببطء يسألها ببحة خاصة:

-كده ايه!؟

عينـاه تعود لتبحر كالعادة في بحر عيناها ينهل منها المزيد من الاعترافات التي تسقي شوقه لها..... تنهدت هي وانفاسها تعانق محيـاه... ثم همست بكل العاطفة التي تستوطن جوارحها:

-لاقتني بحبك... حبيتك ازاي وامتى مش عارفة... بس لاقتني بحبك اوي يا يزيد...... 

أغمض عينـاه يستشعر حلاوة مذاق تلك الكلمة التي ادرك لتوه أنه كان ينتظرها على احر من الجمر....! 

وما إن فتح عينـاه حتى رأت هي بوضوح العاطفة الحادة المغموسة بظلمة عيناه.. تلك النظرة التي تزلزل كيانها وهي ترى الشوق والجوع الذي استقر بين ثناياها!!.....

يداه ودون اذن منه تسربتـا لمنابت شعرها... يفكه ببطء بأصابعه لينسدل كالأمواج الناعمة... ازداد لهب الشوق بعينـاه فكان يجذبها من خصلاتها فجأة ليقرب وجهها من وجهه جدًا ودون انتظار لحظة واحدة اخرى كان يلتهم شفتاها.... بكل الشغف... بكل اللهفة... بكل العاطفة الجياشة التي تفجرت بين اوردته...! 

لن ينتظر اكثر.... يريدها.... يريد امتلاكها دون اي انتظار اخر وتبًا لكل شيء...... 

دفعها بجسده ببطء نحو الفراش وشفتاه تأبى ترك شفتاها.... فسقطت هي على الفراش اولًا.... حينها همس هو بصوت خشن من ثقل عاطفته:

-اسف... مش قادر استنى اكتر، ومش هاقدر اوقف! إنتِ اللي بدأتي فـ استحملي النتيجة! 

من بين أنفاسها اللاهثة همست له تعطيه كافة مفاتيحها:

-ماتوقفش.... 

انضم لها بجنون يغرق بين بحورها ويُغرقها به.... لم تكن مجرد ساعات من الغرام.... بل كانت نوع آخر من تعانق روحان قيدتهما عاطفة قوية.... كانت رحلة مجنونة... مشتاقة بلا جموح... كان ينهل من بحور عسلها باشتياق لا يقل بل يزداد........! 


                            ****


بعد ساعات....... 

في الطائرة العائدة لمصر.... 


كانت "دنيا" تجلس جوار يزيد الذي شابك كفها بكفه.... لم يشعر يومًا بهذا الاكتفاء... لم يشعر يومًا أن روحه تتراقص في محور السعادة هكذا..؟! 

وما إن أقلعت الطائرة حتى زفرت دنيا بارتياح واضح... لتهمس بعدها متساءلة بفضول:

-على كده بقا هما اتقبض عليهم ولا لسة؟ واللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم؟ 

اجابها بهدوء:

-زمانهم اتقبض عليهم طبعًا قبل ما يهربوا، وايوه اللي كانوا بيجروا ورانا اتقبض عليهم.. 

الميكروفيلم ده كان خطر عليهم كلهم عشان كده كانوا هياكلوا بعض عليه..! 

اومأت مؤكدة برأسهـا.... تمنع ذلك السؤال عن والدها المزيف بإرادة من حديد...! 

نظرت للظلمة المتوهجة بعينـاه لتسأله مرة اخرى ولكن تلك المرة بنبرة مرحة عابثة:

-يزيد، بقولك ايه.. إيه اكتر حاجة بتحبها ؟

رد بابتسامة عريضة:

-محشي ورق العنب

حاولت الحفاظ على تلك الابتسامة المرحة التي تهددت بالزوال، لتكمل:

-لا، اقصد من الكائنات الحية..؟ 

-بحب شجرة العنب عشان بتطلع لنا ورق العنب عشان نعمل بيه محشي ورق العنب 

تبـًا له... كم هو ماكـر يرى بوضوح السؤال المتواري خلف حروفها الغامضة المرحة.... ولكنه قرر أن يسلك طريق آخر متلاعبًا بأوتارها الحساسة....!! 

كزت على أسنانها والغيظ يحلق في عيناها:

-لا اقصد بتحب مين من الجنس الناعم؟ 

حينها رفع رأسه لأعلى ويده تحك شعيرات ذقنه الناعمة كعلامة على التفكير، ليستطرد ببراءة مصطنعة بإجابة كادت أن تصيبها بشلل:

-كنت بحب خالتي الله يرحمها عشان كانت بتعمل محشي ورق عنب.. انما اييييه عنب! 

حينها صرخت بصوت عالي دون وعي:

-يزييييد 

ضحك يزيد وبشدة من قلبه... وضحكاته دون أن يدري كانت تدغدغ احساسها لتصيبها بحالة من الذوبان في تلك الضحكات الرجولية...... 

عاد يحدق بملامحها الطفولية العابسة ليتابـع مشاكسًا بمرح:

-شليتك!؟ آني أسف.... 

هذه المرة هي مَن ضحكت بحرج من نظرات المحيطين بهم... ولكن تلك الابتسامة بدأت تتلاشى لتصبح بسمة خجولة مصاحبة تلك الحمرة التي

 زحفت لوجنتاها تلقائيًا عندما مال يزيد برأسه نحوها ليهمس عند اذنها بصوت رجولي خشن مُحمل بالعبث:

-اوعدك اول ما نوصل ونبقى لوحدنا هقولك أنا بحب مين، وهشرحلك عملي بالتفصيل كمان! 

ابتلعت ريقها بتوتر.... يتعمد أن يلامس اذنها بشفتاه... يدري جيدًا كيف يصل بها لأعلى قمة من الارتباك العاطفي...!! 

وبعدها.. للحظة كادت تصيح به بحنق 

" ما احنا كنا لوحدنا ولا أنت بتحب قلة الادب عمال على بطال" ! 

ولكنها كتمت ذلك الاعتراض المتبجح وقررت الخضوع لتلك الانثى الخجولة الفاقدة الوعي داخلها.....! 


واخيرًا وصلوا جميعهم أرض مصر بسلام..... 


فنظر "زياد" ليزيد بهدوء يسأله:

-تحب نوصلكم الاول على بيتك وبعدين نروح ولا إيه؟ 

هز يزيد رأسه نافيًا بنفس النبرة المرتاحة:

-لا لا، نزلونا هنا وهاخد تاكسي لحد البيت

سأله زياد مرة اخرى بحذر:

-متأكد؟؟ 

اومأ يزيد مؤكدًا:

-ايوه متقلقش كده كده مابقاش في حد يهدد حياتي، وبعدين انا معايا سلاحي و GPS      واول ما نوصل هيكون في حراس في القصر، ومتنساش إن اصلاً يعني محدش يعرف اني ظابط..! 

اومأ زياد موافقًا.. وبالفعل توقفت السيارة لينزل كلاً من يزيد ودنيا بصمت ليوقفـا سيارة اجرة اخرى... 

وبعد أن ركبوا تلك السيارة... إلتفتت دنيا ليزيد لتسأله بما جال في خاطرها:

-يزيد، انت كنت بتقولي في مرة اني ممكن يتقبض عليا، هو انا هيتقبض عليا فعلًا؟ 

زفر يزيد بصوت مسموع ثم اخبرها بجدية:

-لأ، لانك مش تبع المافيا وطالما مكنتيش بتعملي حاجة بأسمك وبأمضتك مع مُسعد يبقى متقلقيش 

اومأت بارتياح غمر كامل روحها.... ولكن ذلك الارتياح لم يدم طويلًا إذ توقفت سيارة الاجرة

 فجأة.. وظهرت سيارة اخرى امامهم وخلال لحظات قليلة جدًا كانوا يقفون حول سيارة الاجرة واحدهم يفتح الباب

  فـهب يزيد يخرج منها وقبل أن يستطع التصرف بسلاحه كان رجل اخر يضربه بعصا عريضة على رأسه بعنف ليترنح ببطء ثم فقد وعيه امام عينـان دنيا التي إتسعت بفزع وهي تصرخ بأسمه..... 

"يزيييييد.. يزيد قووم " 

وفجأة ظهر امامها اخر شخص كانت تريد 

  

      

                       الفصل التاسع من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×