رواية الاطلاق المعتوه الفصل الخامس

 


رواية الاطلاق المعتوه

الفصل الخامس

بقلم دينا ابراهيم 

بعد مرور ساعتين، نجح "طارق" أخيرًا في إقناع فتاته بالخلود للنوم، توجه بها نحو غرفة الأطفال وتعجب عندما لم يجد "أنس" نائمًا في فراشه

 المخصص له، وضع "أيتن" في فراشها ووجد نفسه يتجه في تلقائية إلى الغرفة التي تنام فيها زوجته، وتأكد حدسه عندما وجد الصغير يغط في النوم بجانبها.

نظر "طارق" حول الغرفة يستعيد مشاعر جامه ودفء غاب عنه طويلًا ثم نقل أنظاره فوق زوجته

 النائمة في عمق، ابتلع لعابه في توتر لما يجول من جنون في رأسه لكنه 

حسم أمره واتجه يحمل أنس في هدوء وتروي وما ان دثره بجوار شقيقته حتى اغلق الباب عليهما متجهًا في خطوات ثابتة مُصره نحو غرفة زوجته.

سند برأسه فوق إطار الباب يراقب قوامها الصغير وملامحها الملائكية ثم التقط شفتيه بين أسنانه يحاول السيطرة على ضربات


 قلبه المضطرب، دلف ثم التفت يغلق الباب في خفة وإحكام وبدء في نزع ملابسه عنه، تحرك "طارق" في خفة وتروي خالفا أنفاسه العالية ما بين الترقب والخوف!

ترقب بأنه على وشك الاستكانة في احضانها لأول مرة منذ شهور وخوف من رد فعلها أن استيقظت ووجدته جوارها.


تبًا لها ولحياته!


فكر في ثورة عليها وعلى حياته قبل أن يزحف فوق الفراش مستقرًا جوارها، لحظة واحدة وكان يلصق أنفه في خصلاتها من الخلف

 سامحًا ليده بالالتفات حولها وجذبها نحوه مغطيًا ظهرها بصدره في عناق قوي، أغمض جفونه في شوق مطالبًا حقه في استنشاق عطرها والشعور بقربها.

شعرت "خديجة" بجذع قوي يلتفت حولها وانفاس حارة تجذبها من ثباتها الذي لم يمض عليه الكثير، وكادت تتجاهل الأمر 

والاستسلام للنوم في راحة وسلام ولكن قبله صغيرة أعلى كتفها توازي نعومة

 مداعبات زهرة لبشرتها جعلت عيناها تتسع في دهشة وذهول.

استدارت بين ذراعيه وهي تحارب أثار نومها فكادت تصرخ في وجه الوقح خلفها،

 لكنه أسرع  بوضع يده فوق فمها يتوسل إليها في حنو ونبرة خافته:


-عشان خاطري، سبيني أحضنك عشر دقايق وهقوم!


دفعت يده عنها وهي تستدير تواجهه لا تصدق جنونه، محاولة دفعه عنها دون جدوى ثم استنكرت في غضب من بين أسنانها:


-اسمه أيه اللي بيحصل ده!


-أسمه حب، أسمه عذاب،

مش مهم سميه اللي تسميه لكن سبيني أضمك ليا قلبي تعب في غيابك. 


كالعادة سرق أنفاسها بكلماته فتوقفت عن المقاومة ورفعت عيناها نحو عيناه تطالعه عاجزة وقد زادت كلماته من ارتباك نبضاتها.

رفع "طارق" يده يمرر أنامله في خفه فوق صفحة وجها الأحمر بينما عدستيه تتراقصان فوق ملامحها متصيد كل شعور يقفز على

 وجهها، يقرأ التيه والحب وذلك الخوف والخجل، لا يدري ما الذي تلبسه وجعله

 بهذه الطلاقة واللطافة لكنه وجد نفسه يعترف في حزن مطلق:


-أنا أسف على كل اللي حصل، أنا مستعد أدفع عمري كله عشان أرجع اللي فات وخد القرار الصح في الوقت الصح،

أنا عمري ما فكرت اني هأذيكي ومستحيل كنت هخونك مع اي حد في الدنيا!


أسبلت جفونها تبعد نظراتها الحزينة عنه وقد مست كلماته قلبها ولكنه رفع ذقنها يجبرها على الإمساك بنظره مستكملًا:


-انا كنت ساكت عشان خايف مش بس اني أخسر شغلي لا، كنت خايف عليكي 

وعلى عيالنا، خايف أفشل وتضيع فرصتي في شغل هيوفر كل احتياجاتنا.


خرج زفيره متقطعًا محملًا باضطرابات قلبه الخائف المرتعد ثم استطرد في صدق:


-أنا مش حاسس اني عايش في غيابك عني، عشان خاطري سامحيني وارجعيلي وأنا هعملك كل اللي نفسك فيه.


ارتعشت شفتي "خديجة" وللمرة الثالثة على التوالي في هذا اليوم تنهمر في بكاءها، رتب "طارق" على وجهها في ريبة متسائلًا:


-بتعيطي ليه؟


-بعيط عشان ... عشان... صعبان عليا نفسي، أنا مقهورة يا طارق ومحدش حاسس بيا!


رفع كفها يقبله في رقة هامسًا بكل الأسف الذي يمتلكه:


-بعد الشر عليكي من القهره يا عيوني، أنا أسف من كل قلبي على كل اللي حصل.


استمر في إبعاد خصلاتها عن وجهها المبلل ثم ضم رأسها لصدره هامسًا أسفه وحبه لها، خاطفًا قبلات حانية رقيقه متنقلًا في توازي بين وجنتها وباطن كفها.

أغمضت جفونها تحاول الغرق في الشعور بلمساته وهمساته الحانية تحاول أن تروي بهما جفاف قلبها ثم رفعت يدها تحيط عنقه في قوة تشعر بالضعف والقوة في آن واحد.

فرغم كل محاولاتها للتمرد والثورة إلا أنها تنسى حتى اسمها فوق صدره وبين أحضانه وكأنه يسحبها بسحرً ما ويسلبها إرادتها ويخطف كل أفكارها.


-بحبك ....


همست في غباء غير قادرة على تمالك مشاعرها وكبتها أكتر، فرفع رأسها سريعًا يطالعها في غبطه وسعادة فاستمرت في عتاب:


-بحبك وتعبت منك وبسبب حبك أوي،

أنا حاسه بالتوهان مبقتش عارفة حياتي ماشية ازاي، أو أنا صح ولا غلط.


خرجت منها شهقة بكاء، قائلة في نبرة متقطعة:


-مش عارفة ايه اللي المفروض يحصل معايا وهينجح ولا لا، عايشة في دوامة من أسئلة ما بتخلصش.


-عاتبيني ولوميني على قد ما تقدري وسيبي قلبك يرتاح.


اخبرها وهو يعدل جسدها كي يجلس كلاهما جاثيًا في قبالة الأخر، استمر في مسح جفونها في رقة قبل يقبلها قبلة قوية متملكة يبثها فيه أسفة وأشواقه لكنه ابتعد عنها مثبتًا أنظاره فوق عيونها الباكية مؤكدًا:


-بيقولوا العتاب على قد المحبة وأنا راضي باللي ترميه محبتك عليا يا خديحة!


ارتمت عليه تعلق المساحة بينهما، تعانقه في قوة وشوق تخفي وجهها داخل عنقه، بينما شد هو ذراعيه حول جسدها يحاول احتواءها قدر الإمكان، وظلا هكذا حتى استلقيا سويًا مستمتعين بالصمت من حولهما طويلًا لكنه كان صمتًا رائعًا مريحًا لا يشعران فيه إلا بخفقان قلب الآخر.


-أحسن؟


همس "طارق" قاطعًا الصمت أخيرًا وأصابعه لا تكف عن العبث بخصلات رأسها المستقر فوق صدره، فابتسمت تخبره في هدوء:


-الحمدلله، أحسن فعلًا.


-أحسن ان شاء الله، زي ما حياتنا هترجع أحسن من الأول يا خديجة، مش هخلي حاجة تتعبك تاني،

هنرجع زي ما كنا أنا وأنتي والولاد سوا ده غير انك تقدري تسيبي شغلك وترتاحي.


انعقد حاجبي "خديجة" في عدم فهم قبل ان تعتدل جواره مؤكدة:


-بس أنا مرتاحه في الشغل!


اعتدل هو الآخر بينما يسرد عليها تعجبه:


-يعني أيه مرتاحه، بس احنا هنرجع لبعض وساعتها مش هتحتاجي لشغل، أنا هكفيكي وزيادة.


-بس أنا مش بشتغل عشان الفلوس وبس يا طارق، ثم أنا مش هسيب الشغل ابدا.


أخبرته في حدة وهي تستشعر بالخطر من كلماته ورغبته المستمرة في سحب نجاحها من أسفلها، فأجابها في نفس الحدة:


-يعني أيه مش هتسيبي الشغل ابدًا، وانا والعيال هنروح فين؟!


-لما ابقى أأقصر معاكم ابقى اتكلم يا طارق لكن شغل مش سايبه انا.


زمجرت مدافعة عن كيانها وما وصلت إليه فهي لن تقع في الفخ ثانية، انتفض "طارق" واقفًا جوار الفراش هاتفًا في غضب:


-وأنا مش موافق ان مراتي تشتغل!


رفعت رأسها في شموخ قبل ان تعكس إصراره مؤكدة:


-حلو أوي واحنا لسه على البر!


-تقصدي ايه؟

انتي بتختاري شغلك عليا؟!


سألها في لهجة يشوبها الصدمة، تعكس لها مدى ذهوله من اجابتها، فقالت في هدوء:


-انت اللي حاطط نفسك في المقانة دي يا طارق.


-وأنا مش هرجعلك وانتي بتشتغلي.


-وأنا مش عايزة أرجعلك أصلًا.


علت أنفاسه الغاضبة ولكنه انتقل حول المكان يلملم ثيابه في عنف لارتدائها ثم صرح في نبرة قاسية:


-وأنا مش هطلب انك ترجعيلي تاني!


-شيء متوقع من انسان اناني رجعي عايز يكبت نفسي، الحياة معاه مستحيلة!


خرجت منه ضحكة ساخرة بينما يرتدي سرواله، قائلًا في تهكم:


-والمنفتح كريم مش كده!


-ايه جاب سيرة كريم، عشان تعرف أنك انسان مريض فعلًا، فاكر كل الناس خاينة شبهك!


رفع "طارق" سبابته في وجهه مزمجرًا في استنكار:


-بلاش اسطوانه الخيانة عشان بوخت اوي، انتي عارفة اني معملتش حاجة،

اعترفي انك اتلككي ومازلتي بتتلككي عشان تشتغلي وتمشي ورا الكلام الخايب بتاع كيان وما كيان ده!


-انزل من وشي وإياك تطلع عندي تاني!


صرخت في وجهة غير قادرة على الصمود أمام غباءه وعدم إدراكه لأهمية ما تفعله، فعكس صراخها مؤكدًا:


-انا اللي مش طايق اشوفك!


وبذلك اندفع إلى خارج الغرفة، لكنه تجمد لحظة عندما لمح "أنس" يقف بأعين متسعة خائفًا أمام غرفته، زفر "طارق" واتجه لطفله يخرج طرف ملابسه من فمه في لطف، عادة يفعلها دوما وقت الخوف من العقاب.


-متخافش يا حبيبي، أنا كنت بقول حاجة لماما ونازل، أدخل نام عشان المدرسة.


حرك أنس رأسه في صمت واتجه في بطء نحو فراشه ، اقترب منه "طارق" يقبل رأسه مدثرًا له في حنو قبل أن يتجه إلى خارج المنزل نهائيًا برأس يكاد ينفجر من الغضب والحقد.


*****


في الصباح الباكر من اليوم التالي، تلقى "طارق" خلاله ساعتان فقط من النوم بعد عناء طويل مع الغضب داخله قبل أن يستيقظ على اتصال من المدرسة الخاصة بطفله يستدعونه هو والدته لأن هاتفها مغلق، فما كان منه ألا أن انتفض متجهًا في غل نحو مكان عملها دون الإجابة على تساؤلات والدته المتعجبة من خروجه باكرًا.

دخل المكتب في خطوات ثابتة يتطلع للمكان من حوله في غرور وغضب وكأنه خطف أحد أطفاله لكنه توقف في أدراجه عندما وجد "خديجة" وزميلتها يتشاركان القهوة مع رجلان .... وكأنهم في موعد غرامي مزدوج!

مشهد لطيف جدًا لدرجة أنها يكاد يقتلع عيناها في لطف يوازيه من فرط الغيرة، لكنه تحكم في ذاته متجهًا نحوها سعيدًا بالصدمة التي ارتسمت على محياها ما أن لمحته قبل أن يفتح فمه:


-أسف لو كنت جيت في الوقت المناسب جدًا،

 بس ابنك عنده استدعاء ولي أمر والمدرسة مستنيانا يا ... يا أم أنس.


نظرت "خديجة" في إحراج شديد إلى زملاءها في المكتب والصامتون في الغالب لأنهم لا يجدون رد على ما يحدث بينها وبين هذا الغريب بالنسبة لهم، لكنها وقفت سريعًا تحاول ابعاده عنهم للخارج قائلة في حرج:


-أنا أسفة أوي هضطر امشي، نهال لو سمحتى بلغي أستاذ كريم لما يوصل أنه حصلي ظرف مفاجئ!


-مفاجئ أكتر من كده!


قال "طارق" في استخفاف متعمدًا إظهار سخريته وهو يشير بيديه حول المكان، فدفعته دفعًا نحو الخارج بينما ترسل لزملائها ابتسامه ضيقة تكاد تموت حرجًا كلما فتح فمه وما أن خرجت بالكامل حتى قالت في خفوت مشتعل:


-انت اتجننك، ايه الطريقة المتخلفة دي!


-متخلفة؟! 

المرة الجاية اللي الاقي فيها مراتي بتشرب قهوة مع رجالة مش هبقى متخلف حاضر!


أردف في تهكم وهو يمسك أعلى ذراعها يدفعها للهبوط على الدرج أمامه، لكنا استمرت في حديثها حانقة ومعترضة:


-احترم نفسك يا بني آدم أنت، دول زمايلي وده كان وقت البريك!


-ابنك عنده استدعاء ولي أمر يا هانم!


قال محاولًا تغيير الموضوع ودفع الوضع في وجهها فنظرت له في غضب هامسة وهو يوقف سيارة اجرة:


-انت بتكلمني كده ليه وكأني السبب!


اغلق الباب خلفه ما أن ركبا السيارة سويًا، ثم أجابها في اعتياديه وكانه يخبرها عن حالة الطقس:


-كأنك؟ 

لا ما هو أنتي السبب فعلًا عشان ست مهملة، مش عارفة تحدد اولوياتها.


-أنا مش هدخل نفسي في نقاش مالوش لازمه مع واحد زيك ناسي ان هو كمان الأب.


قالت غاضبة على طريقته المتهكمة في الحديث معها فاستمر يدهشها بردود أفعاله الباردة:


-برافو.


عقدت ذراعيها لا تدري كيف استطاعت التزام الصمت أو عدم الاستلام لرغبتها في صفع وجهه طوال أربعين دقيقة مرت عليهما في الطريق حتى وصلا للمدرسة.


-والد ووالدة أنس طارق، اتفضوا المديرة منتظراكم.


قالت السيدة في الاستقبال مشيرة لأحد المكاتب قبل أن يدخل كلاهما فيجدان المديرة جالسة مع امرأة تقاربهم في العمر لكنها حادة الملامح وغاضبة .. كثيرًا..

نظرت "خديجة" إلى "طارق" في تساءل مريب فهو ما أن أعلن عن هويتهما حتى صرخت ملامح المرأة بالغضب والنفور.

وقفت المديرة تطالبهم بالجلوس قبل ان تخبرهم:


-ابن حضرتك عمل تصرف مش مقبول في الكلاس و....


قاطعت حديثها المرأة التي هتفت في حدة جعلتهم ينتفضا في ذهول:


-مش مقبول وبس، ده تصرف مرعب ومش منطقي!


-إهدي يا مدام جاينا، سبيني اشرح الوضع.


شعرت "خديجة" بقلبها يدق رعبًا مما هي على وشك سماعه وتلقائيًا رفعت كفها تقبض على يد طارق كمسانده، أدار طارق يده كي يغطي يدها في قوة وكأنه يهدئها في صمت، قبل أن يصرخ في وجه الامرأتين:


-هي فزورة ولا أيه، ما تخلصونا وفهمونا أيه المصيبة اللي حصلت؟!


زفرت المديرة وتبدلت ملامحها للانزعاج قبل أن تخبره في نبرة جدية مستنكرة ردة فعله الغير مقبولة:


-ابنك باس زميلته في الكلاس!


اتسعت عيون خديجة في عدم تصديق وهي تهرب بعيونها المحرجة نحوه تستغيث له لإنقاذها من أمر ما هي نفسها لا تعلمه، شعر بصدره يحترق في دفاعيه كارهًا رؤيتها في هذا الوضع ورغم فداحة فعل طفله إلا أنه كشر عن ملامحه معلنًا في فسوق:


-أيه، باس بنت؟!

هي دي المصيبة اللي مشحططني أنا وامه عليها، انه باس بنت، ما يبوسها حضرتك أيه المشكلة مش فاهم؟!


علت شهقات " جاينا "و "خديجة" في نفس الوقت قبل أن  تنفجر المرأة به هاتفة:


-أنت بتقول أيه حضرتك، دي بنتي اللي بتتكلم عنها، 

يعني أيه ابنك يبوسها ويسرق منها ال“First kiss”  بالطريقة دي ومش بس كده البنت رجعتلي منهارة لأنه كسر قلبها ضربها أخر اليوم!


نظر لها "طارق" وكأنها بعشر رؤوس قائلًا في لهجة تتأرجح بين السخرية والاستهجان:


-انتي ليه محسساني أنه سرق كليتها دي بوسه ودول اطفال مش بيفهموا بدليل انه ضربها،

صدقيني لما أبوس واحدة الصبح ضربها مش هو اللي هعمله في اخر اليوم!


وضعت "خديجة" كفها فوق فمها لا تصدق وقاحته فوقفت تلكزه تحاول وقف ثورته العارمة ثم اعتذرت في خجل:


-أنا بعتذر يا مدام جاينا ومتفهمه جدا موقفك...


-متفهمه ايه وكلام فارغ ايه دول بيهرجوا!


نظرت له محذرة في مشاحنة صامته بين أعينهم قبل أن يزفر في حدة عاقدًا ذراعه في استلام تاركًا لها الحديث:


-بعتذر لحضرتك مرة تانية وبأكدلك ان ده مش هيتكرر تاني، انا هتكلم مع أنس بنفسي!


-أتمنى لأن لو سبتيه كده، الموضوع هينتهي بشكل فاضح!


-الفضيحة مش لينا أكيد!


قال "طارق" في خفوت فجحظت خديجة عيونها هامسة في نفاذ صبر:


-ممكن تسكت لو سمحت، فضحتنا!


نظرت لهما المديرة نظرات غريبة وعاد الجميع لحل الوضع في هدوء وعند نهاية المقابلة وذهاب جاينا، خصتهم المديرة بنظرة ذات مغزي قائلة:


-أنا اسفة على التدخل بس ال “tension”  واضح أوي ما بينكم ومتأكدة ان ده سبب رئيسي للاضطراب اللي بيمر بيه سلوك الطفل،

لان بعيدًا عن كل اللي حاصل، أنس طول عمره طفل مهذب وشاطر ومكنش عنده اي خلل سلوكي فياربت تحاولوا تحلوا مشاكلكم بشكل صحي قريب.


عجزت "خديجة" عن الرد وشعرت بحلقها يضيق من مشاعرها إلا أن زوجها الجلف تسرع كالعادة مجيبًا:


-ياريت تركزوا في تعليمه نص تركيزكم في حياتنا هتبقوا مشكورين جدًا والله.


هزت رأسها فاقدة الأمل من نضوجه وتحركت للخارج في صمت لا تتحمل البقاء معه، لحق بها " طارق" عندما وصلت للطريق إلا انها تجاهلته وظلت تمشي في خطوات سريعة دون انتباه:


-انتي ماشية غلط على فكرة!


-مش أنت هتمشي من الناحية التانية؟


سالت دون أن تتوقف لحظه فرد سريعًا:


-أيوة ده مش طريق البيت!


-يبقى أنا ماشية صح!


مد ذراعه يوقف تقدمها متحدثًا في جدية:


-ممكن أفهم بتعملي ليه كده؟


-أنا اللي بعمل ليه كده، أنت اكيد بتهرج،

أنت مش حاسس بالفضيحة اللي عاملها؟


سألت محركة ذراعيها على وسعيهما، فقال مغتاظًا:


-فضيحة مرة واحدة!


فكر في غضب فما فعله كان من اجل إنقاذ ماء وجهها الصغير الرائع وخوفًا على شعورها وهكذا ترد إليه المعروف؟ بالغضب عليه، ناكرة الجميل!


-طارق حقيقي، أنا مش هتكلم معاك قبل ما تنضج شوية!


صرحت قبل أن تتحرك مبتعدة عنه، لكنه اتبعها بخطوات مسرعة معترضًا:


-أيه انضج دي، انتي بتكلمي ثمرة مانجا!


رفعت أصابعها تضغط على جانبي جبينها وقد اتتها اجابته الساخرة كالعادة، قائلة:


-لا مستحيل الكلام معاك، بقولك أيه طلقني أنا تعبت!


-ده أنتي حقيقي بجحة  يعني انتي اللي غلطانه ومهملة وأنتي اللي بتطلبي الطلاق،

صحيح اللي اختشوا ماتوا!


رفعت حقيبتها تخبطه في منتصف صدره في عنف غير مبالية بوجودهما في منتصف الطريق هاتفه:


-يخربيتك بوظت أعصابي، أبعد عني يا اخي متجننيش!


ابعد حقيبتها عنه في اعتراض وغضب هاتفًا:


-إياكي تعملي كده تاني، أنا بحذرك!


-طيب اهوه اهوه، وريني هتعمل ايه!


هتفت من بين ضرباتها المتتالية له بالحقيبة متجاهلة عيون المارة المتسائلة، فجذب منها الحقيبة هاتفًا في تحذير:


-يا بنتي هخنفك، احسرك على شبابك ما تستفزنيش!


ضحكت ساخرة وهي تندفع بعيدًا عنه مؤكدة:


-شبابي اتحسرت عليه من يوم ما اتحوزتك والحمدلله!


رد عليها متعمدًا استفزازها:


-ضيعي على الموضوع الأساسي ضيعي!


-لا بجد أيه الموضوع الأساسي يا طارق!


سألته بينما تعقد ذراعيها أمام صدرها منتظره إجابته في جدية تامة:


-انك أهملتي واجباتك كأم وانك بقيتي مجنونه بالمنظره وحقوق المرأة.


-حقوق مرأة لو شافوني هيدوني بالشبشب على خياراتي العرة!

بقولك ايه طلقني بلاش كلام كتير!


لكنه اجابها متهكمًا وهو يفرك وجهه في غضب:


-ايوة صح كل ما تغلطي معندكيش مفر غير طلقني!


-أغلط؟ 

صح أنا فعلًا غلطت في حقي لما فضلت عايشة على ذمة واحد زيك وفي نفس البيت، لكن اكيد بالنسبة ليك دي مش تضحية.


قالت قبل أن تستدير لإكمال خطواتها فقاطعها في حدة:


-لا مش تضحية لو أنتي فضلتي معايا وأنتي كرهاني أوي كده، تبقى قلة كرامة مش تضحية!


تجمدت في مكانها متوقفة عن تقدمها واستدارت نحوه مصدومة بأنه قد اخرج من فمه ما خرج للتو، أما طارق فقد نظر بعيدًا عن نظرة الألم السابحة في عيناها، يلعن تسرعه وغضبه الذي يجعله يلقي بأسوأ الأمور، فسمعها تقول في نبرة هادئة مناقضة لما تشعر به بالفعل:


-فعلًا أنت صح أنا معنديش كرامة، بس أنت مش مكاني عشان تعرف أنك ممكن تضحي بأغلى حاجة عندك عشان ولادك،

أرمي عليا اليمين حالًا يا طارق.


فرك رأسه وعقله يدور ويدور غير قادر على حسن التصرف لكنه هتف صارخًا عندما اعادت طلبها:


-أنتي فكراني هتحايل عليكي عشان تفضلي معايا، أنا كمان مستحمل عشان ولادي!


-حلو أوي، المبدأ موجود.


-أوي أوي استني بقى لما نلاقي مأذون!


نظرت له بملامح جامدة حادة قبل ان تشير للفراغ خلفه مردفه في ضعف:


-القدر عارف الانسب لينا!


استدار يتابع ما تشير إليه وكادت تخرج عيناه من مقلتيهما عندما لمح لافته مكتب لمأذون شرعي، عجز عن إيجاد كلمات تعبر عن سوء حظة اللامتناهي واخترق صدمته صوتها الصارم:


-اتفضل قدامي، أنا مستحيل أفضل على ذمتك دقيقة تانية!


تحركت امامه لكنها توقفت تنظر إليه متعجبة عدم لحاقه بها فزمجرت:


-خليك راجل قد كلمتك!


ابتلع ريقه في قوة وشعر برجولته تفور، قبل أن يؤكد في صوت كان يجب أن يكون قويًا لكنه خرج مرتعش:


-أنا مش هتذللك، عايزة تطلقي، براحتك.


اتجه خلفها في خطوات صارخة بالغضب لا يصدق أنها تدفعه دفعًا لتطليقها وكأنها تتحايل على الفرص للتخلص منه، وقفت امام المبني مشيرة إليه في غضب تكاد تخونها مشاعرها وفضح حزنها:


-اتفضل اطلع!


-أنتي بتزعقي ليه، طيب مش طالع!


اخبرها في حدة وتوتر مثبتًا قدميه امام الدرج رافضًا التحرك، فصرخت به حانقة:


-أيه لعب العيال ده، متجننيش!


-الله أنا حر مش طالع الأول، اطلعي أنتي!


حركت رأسها تكاد تجن من تصرفاته المجنونة ومن سهولة تخليه عنها قبل أن تصعد في خطوات تقتل الأرض من قوتها بينما يتبعها هو محاولًا الفرار من هذا الكابوس بطريقة لا تظهره معتوهٍ بها وبحبها اللعين!

             الفصل السادس من هنا 

 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×